« بعدت ولادتى فى الزمن تلاتين سنة.. ياهل ترى الطفل اللى نايم يبتسم، من خلف جدران فى العدد تلاتين سنة، هوّ أنا يارب ولاّ مش أنا؟!» 25 ديسمبر، عيد ميلاد صلاح جاهين. كتب حين أتمّ الثلاثين قصيدته «ميلاد».. كلمات، أستعيرها الآن لعامى الثلاثين أيضًا فى عامنا الجميل الذى استعد للرحيل.. أتممتُ فى 2018 عامى الثلاثين وهو أمرٌ لا أفهم خصوصية وقعه داخلي! لماذا وكيف انتبهت لذلك العدد تحديدًا؟ رغم أنى لم أعر يوم مولدى أى اهتمام طوال الثلاثين عام التى عشتها تلك! ليكن. ويقول جاهين فى رباعية أخرى.. عمرى مش تلاتين، ولا حتى أربعين ولا خمسين عمرى بيكبر ويصغر مع كل كلمة حنين أو كلمة قاسية تخلى قلبى حزين! وفى يوم ميلاد صلاح جاهين أحييه تحية الغريب للغريب.. صديقى الذى أعرفه جيدًا ويعرفنى، لا أقول دونما لقاء.. ألتقيه بأحلامى، نمشى معًا كثيرًا ربما لا نتحدث كثيرًا ولكن يبدو أنه لدينا خطوات ومشاوير فى عوالم موازية. وقد يخلق لنا الله من يحبنا ونحبه.. نأنس لوجوده، حتى تصبح التفاصيل الصغيرة معه حياة، تعيد لنا التوازن بعد ارتباكات حياتنا القلقة، تأتى هبة الله تلك على هيئة أناس.. وربما أشياء اكتسبت صفة الإنسانية كونها تمنحنا الأنس والونس مبددةً للوحشة ومختزلةً للفراغ.. حيواناتنا الأليفة مثلًا، وربما زهرة فى شرفة تطل على مصابيح الشارع السعيدة.. أو أماكن بعينها نحنّ إلى ذاك السلام الذى فى صمتٍ غمرتنا به.. وقد تأتى زمنًا مباركًا، جزء من الوقت يمنحه لنا رب الوقت. 2018، عام أغاثنا الله به، فكان مليئًا بالحب والسعادة والتوفيق، ومرّ خفيفًا سريعًا كالزائر الغريب، ناشر الاضطراب والحرية.. كيوم واحد فقط.. يوم للغناء.. للرقص.. وللكتابة.. لمصادفات الحب الثانى الأجمل دائمًا كما يقال.. وها هو الحب يكرر نفسه بتحية خجلى، ومرة أخرى يومئ لقلبى.. وإن لم يكن لى، ككل ما أحببت.. ومرة أخرى جاهين أيضًا: والحب له ناس فى جنة وناس غلبانين.. وأنا أقول أبيع عمرى كله بيوم غرام واحد.. دا الحب والحق واحد يا أولى الألباب..! لأقل أنى أحب هذا العام، بتجاربه المكتملة والتى لم تكتمل.. بانتصاراته وهزائمه.. بكل ما أتى به وما رحل معه.. بما أذكره منه جيدًا وما لم أنتبه لحدوثه.. للمغامرات وللاعترافات الصادمة.. لأولئك القدامى وذاكرتهم التى شفيت منها فيه.. لكل اللقاءات المرتبكة.. للوحدة والزحام.. لضحكاتى المسافرة مع النيل للخلود وللأبدية.. لكل هذا وأكثر.. ما عرفته منه وما احتفظ به لنفسه من أسرار الله.. كم كان فضل الله علينا به عظيمًا. الكتابة بطبيعتها تمنح أصحابها الحلم، الحلم الواعى، والخيال.. ذلك الخيال الذى يقتضى التواضع، الحب، والكثير من الشجاعة والحرية.. والذى قدمته لى الكتابة فى هذا العام وبالأحرى فى صباح الخير متعة مزدوجة، فى أن أروى للآخرين وأروى لنفسى.. وكانت كالسير فى بلاد مجهولة وساحرة.. بدأت خائفة، لا أقول إنى لست كذلك الآن ولكنى توقفت عن عدّ مخاوفى، وبدأت أهتم بذاتى أكثر من الاهتمام بتلك المخاوف.. حتى أصبح باستطاعتى النظر إليها ورؤية ما يمكنها أن تعلمنى إياه.. وربما فى النظر إليها ورؤيتها خارجى كفاية للتشافى!. .. هذا العام العابر سريعًا كملاكٍ مهاجر.. له من العصفور صوت، ومن الغصن نظرة، ومن الزهرة شميمٌ خاطف.. طيوره الروح المسافرة للغناء والرحيل لا للسجن فى أقفاص.. أو كما قال وديع سعادة فى جمال العابر: إنه يجب مصادقة الرحيل لاكتشاف الحياة.. وبأن الحياة يجب أن تكون تمرينًا على الرحيل.. لحظة الوصول للاحتفال هى كل جمال.. وبعدها سريعًا يصير الجمال هو المغادرة. إلى هذا العام الراحل- وأعود للشعر مرة أخرى- وهذه المرة لشاعر النيل: كم مرّ بى فيك عيشٌ لست أذكرهُ.. ومرّ بى فيك عيشٌ لست أنساهُ. ودّعت فيك بقايا ماعلقت به.. من الزمان وما ودّعتُ ذكراه.ُ وإلى صديقى المخلص أبدًا والذى لن ينمحى أثره الطيب فى قلبى ما حييت، صديقى الذى رحل فى هذا العام فجأة فهزّ برحيله المباغت كيانى بشدة، صديقى الوحيد.. سليم.. سلام إليك. «لتصبح 2018 على خير، وصباح الخير ل 2019!».