المخرج محمد ضياء: مصر طورت التليفزيون العراقى

فى تمام الساعة الخامسة عصرًا يوم 2 مايو عام 1956 كان العراق الشقيق على موعد مع البث المباشر الأول لتليفزيون العراق، أول تليفزيون عربى، الجميع يترقب، المقاهى تستعد، البيوت تضج بأهالى العراق، ها هى اللحظة الحاسمة، وها هو ملك العراق يلقى خطبته فى ذكرى احتفاله بالجلوس على العرش من قلب حدائق دار الإذاعة العراقية حالة من الفرح يتخللها شعور غامض.
الجميع يتجمهر أمام هذا الصندوق الصغير، الذى تدريجيًا ظل يتطور ليواكب تطور العراق بجميع مناحى الحياة، ولعل أبرز مراحل هذا التطور كانت عام 1975، حيث انطلاق البث الملون الرسمى لتتوالى ملامح التطور حتى عام 2003 الذى يعد بمثابة النقلة الحقيقة فى مسيرة تليفزيون العراق، والذى شهد إطلاق العديد من القنوات الفضائية والأرضية ذات التوجهات المختلفة سياسيًا ودينيًا ليتجاوز عدد القنوات أكثر من ستين قناة.
المخرج التليفزيونى العراقى محمد ضياء منسق البرامج السابق بتليفزيون العراق يكشف فى سطور الحوار التالى معه أبرز ملامح ومراحل تطور الإذاعة وتليفزيون العراق:
كيف كانت بداية تليفزيون العراق؟
كانت البداية عندما عرضت شركة (PAY) البريطانية استوديو تليفزيونيًا متكاملا (بالأبيض والأسود) فى المعرض البريطانى التجارى الذى كان يقام فى بغداد، وأثناء زيارة الملك الشاب الراحل فيصل الثانى للمعرض أعجب بالاستوديو المعروض ووجه الحكومة بشراء الاستوديو بكل معداته ونصبه فى بغداد، وفعلا تم ذلك ونصب الاستوديو فى الصالحية بالقرب من بناية دار إذاعة بغداد ونصبت سارية ارتفاعها 140 قدمًا للبث الذى كان يغطى مدينة بغداد فقط.
جموع الشعب العراقى أعد استقبالاً مهيبًا للبث المباشر الأول لتليفزيون العراق.. ما هى أجواء هذا الاستعداد؟
بمناسبة العيد الثالث لجلوس الملك على العرش فى تمام الساعة الخامسة من عصر يوم 2مايو عام 1956 شهدت حدائق دار الإذاعة العراقية احتفالاً ضخمًا، حيث حضر الملك بصحبة مسئولى الدولة لافتتاح أول محطة تليفزيون فى الوطن العربى والشرق الأوسط . وقتها قام بإلقاء خطبة خاصة بالمناسبة، ليليها عقب ذلك مجموعة من أفلام الكارتون وبعض البرامج وحفلة غنائية لأبرز المطربين والمطربات، وكان البث مباشرًا على الهواء وذلك لعدم وجود أجهزة التسجيل (الفيديو) فى ذلك الوقت، وكان البث فى حينها يستغرق ساعتين فقط.
فى الوقت نفسه قامت بعض مقاهى بغداد بالاستعداد لهذه المناسبة، بوضع أجهزة تليفزيون، تجمهر أمامها أهالى بغداد لمشاهدة البث وسط ذهول لهذا الحدث، وهم يرون صورة أناس تتحرك وتتكلم فى هذا الصندوق الصغير، وفى بعض بيوت بغداد كان أبناء المحلة يتجمهرون فى البيت، الذى يمتلك أهله جهازا تليفزيونا لمشاهدة هذا الجهاز العجيب.
شهد تليفزيون العراق تطورًا فى محتواه تدريجيًا ما هى مراحل هذا التطور؟
عقب ذلك قامت الدولة باستحداث مديرية خاصة بالتليفزيون. كانت مهمتها الإشراف على المحطة وإعداد البرامج المناسبة وسبل تطوير العمل التليفزيونى نوعًا وكمًا بما يحقق الهدف الرئيسى من إنشائه. تدريجيًا بدأت عملية التطوير بإنشاء بناية كبيرة تحتوى على ثلاثة استوديوهات واحد صغير للبث على القناة 9 وواحد متوسط للبرامج وثالث للدراما تم تجهيزها بأحدث الأجهزة فى ذلك الوقت، كما تم إدخال أجهزة التسجيل الصورى (الفيديو) لأول مرة فى عام 1963، ثم أنشئت فى بداية السبعينيات بناية أخرى احتوت على ثلاثة استوديوهات أخرى لمسايرة التطور الكبير الحاصل فى المجتمع العراقى وبجميع المجالات.
ما ملامح الطفرة التى ظهرت فى تليفزيون العراق فى نهاية الستينيات؟
من أجل شمول كل العراق بالبث التليفزيونى تم إنشاء خمس محطات تليفزيونية متكاملة فى خمس محافظات عراقية هى: (البصرة – ميسان – السماوة – الموصل – كركوك)، إضافة لمحطة تليفزيون بغداد، كانت تبث برامج محلية لتلك المحافظات، إضافة لما يرسل لها من برامج من المحطة الرئيسية، واستمر ذلك لفترة حتى حدث تطور كبير فى مجال الاتصالات فى العراق، وتم ربط كل الأراضى العراقية ببث موحد من المركز بواسطة شبكة المايكروويف، وظلت محطات التليفزيون المحلية تبث برامجها لعدة ساعات ثم ترتبط بالبث المباشر من بغداد، وإضافة إلى ذلك كانت هناك محطة تليفزيون وبث خاص للطلبة بكل مراحل الدراسة تابع لوزارة التربية العراقية (التليفزيون التربوى) يبث الدروس والبرامج التعليمية للطلبة فى المدارس وضمن البث العام أيضًا.
ومن أهم مراحل تطور التليفزيون فى العراق هو دخول البث الملون ففى عام 1975 وفى شهر يوليو، بدأ البث الملون الرسمى فى العراق، حيث اتفقت الحكومة العراقية مع شركات فرنسية بتحويل كل الاستوديوهات والأجهزة ومحطات الإرسال إلى البث الملون. وكان فى العالم فى حينها ثلاثة أنظمة للتليفزيون الملون هى: ( SECAM الفرنسى وPAL ألمانى وNTSC الأمريكى) وقد اختار العراق فى البداية النظام الفرنسى، ثم بعد عدة سنين تم التحويل إلى النظام الألمانى كعدد من محطات التليفزيون فى العالم الذى ثبت أنه الأفضل .
ومن أجل توفير الكوادر المتخصصة والمؤهلة للعمل التليفزيون أنشئ فى بغداد معهد للتدريب الإذاعى والتليفزيونى استقدم الكثير من المتخصصين بالعمل التليفزيونى والإذاعى خصوصًا من مصر، إضافة إلى بعض دول العالم.
ما هى أبرز ملامح تليفزيون العراق فى السبعينيات؟
ى نهاية السبعينيات تقرر إنشاء مجمع كبير جدًا للإذاعة والتليفزيون يكون مكانه فى منطقة كرادة مريم (وهو نفس مكان قصرالمؤتمرات/ مجلس النواب العراقى حاليًا) وأوكلت المهمة إلى شركة بوش الألمانية لإعداد الدراسات ثم البدء بالعمل، وبما أن الدراسات وإنشاء المبانى وتركيب الأجهزة يستغرق أكثر من خمس سنوات فقد تقرر إنشاء مجمع انتقالى يستوعب النشاط المتنامى للعمل التليفزيونى لحين الانتهاء من بناء المجمع الكبير، وذلك فى نفس مكان التليفزيون فى منطقة الصالحية ببغداد يحتوى هذا المجمع الانتقالى على خمس ستوديوهات تليفزيونية اثنان منها لبث القناتين الأولى والثانية (9 – 7) والثالث لبث نشرات الأخبار.
ماذا عن مشروع المجمع الإذاعى الذى يعد أحد أضخم المشاريع التى شهدها تاريخ تليفزيون العراق؟
بعد بدء الحرب «العراقية - الإيرانية» عام 1980 وبسبب استمرار الحرب لمدة طويلة وتأثيرها على الاقتصاد العراقى تم إلغاء مشروع المجمع الإذاعى والتليفزيونى الكبير واستمر العمل بالمجمع الانتقالى بعد أن توقف العمل به لأشهر فى بداية الحرب ثم تم إنجازه بالكامل عام 1983، وقد كان إضافة كبيرة ومتطورة للعمل التليفزيونى، وفى عام 1991 تعرض ثانية لغارات جوية أمريكية أدت إلى تدمير بعض أجزائه بعدها تمت إعادة إعماره واستمر العمل به ولايزال.
ما هى النقلة التى شهدها تليفزيون العراق عقب عام 2003؟
عقب عام 2003 انتهت مرحلة الإعلام المركزى فى العراق فقد حلت المؤسسة العامة للإذاعة والتليفزيون، ثم أنيطت إدارة التليفزيون العراقى إلى شركة هارس الأمريكية، ثم تأسست شبكة الإعلام العراقى كبديل لوزارة الإعلام وهى هيئة متخصصة، ورغم أن الشبكة ممولة من المال العام فإنه نظريًا لا سلطة للحكومة عليها لا من حيث تعيين المسئول عنها ولا من حيث التدخل فى سياستها، وأصبحت هذه الهيئة تدير شئون الإعلام والتليفزيون (العراقية) بعدد من القنوات العامة والمتخصصة وشهد العراق أيضًا إطلاق العديد من القنوات الفضائية والأرضية ذات التوجهات المختلفة سياسيًا ودينيًا وبلغ عدد القنوات أكثر من ستين قناة.