ضحايا الثانوية| إصابة 19 مراقبًا فى حادثتين بأسيوط وقنا    وقفات احتجاجية أمام المحاكم الابتدائية الأبرز،، تفاصيل اجتماع المحامين (صور)    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    الشيخ خالد الجندي: «الفتن لا تنتهي والحياة كلها امتحان.. فانتبه لقلبك»    مصر وقبرص تبحثان تسريع ربط حقول الغاز القبرصية بمصر    بدء تطوير كورنيش إسنا بطول 1260 مترًا لخدمة السكان والسياحة (صور)    نجيب ساويرس: لا توجد أزمة في الدولار.. والقلق الحقيقي في سداد القروض    وزير المالية: 30 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لمساندة الأنشطة الإنتاجية    إيران: عملياتنا السابقة ضد الاحتلال كانت للردع وننفذ عمليات عقابية قريبًا    واشنطن تحشد طائرات التزود بالوقود جوًا في الشرق الأوسط استعدادًا لتصعيد محتمل    هل تشتعل «حرب» عالمية ؟    القوات المسلحة الإيرانية: سيتم تنفيذ العملية العقابية قريبًا    الفيوم تحصد 6 ميداليات ذهبية ببطولة الجمهورية لجمباز الإيروبيك    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85%    محمد رمضان يعلن انتهاء أزمة نجله علي والتصالح مع زميله عمر    السقا من مدرس لرئيس عصابة مافيا في برومو فيلم أحمد وأحمد ( فيديو)    فات الميعاد يتصدر.. أسماء أبو اليزيد ترفض العودة لأحمد مجدي بالحلقة 4    إلهام شاهين بعد انتهاء تجربة احتجازها: عدت لبلدي ولم أكن في خطر    وزير الصحة يتابع الموقف التنفيذي لميكنة منظومة "التأمين الشامل"    "قصر العيني" يستقبل سفير الكونغو لتعزيز التعاون الأكاديمي في إطار تدشين البرنامج الفرنسي    لطلاب الثانوية العامة، أطعمة ومشروبات تساعد على النوم الهادئ    حالة الطقس غدا الأربعاء 18-6-2025 في محافظة الفيوم    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    فوتبول إيطاليا: نابولي يسعى لضم نونيز بأقل من 50 مليون يورو    من سرقة بنك إلى المونديال.. الحكاية الكاملة لصن داونز وملهمه يوهان كرويف    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    مجلس النواب يوافق علي خمسة مشروعات قوانين للتنقيب عن البترول    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    معهد ستوكهولم: سباق تسليح مخيف بين الدول التسع النووية    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    مونديال الأندية فرصة مبابي الأخيرة للمنافسة على الكرة الذهبية    مواعيد مباريات الثلاثاء 17 يونيو - فلومينينسي ضد بوروسيا دورتموند.. وإنتر يواجه مونتيري    "المدرسة البرتغالية".. نجم الزمالك السابق يطلق تصريحات قوية بشأن الصفقات الجديدة    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    تفوق جوى إسرائيلى يكشف هشاشة السلاح الجوى الإيرانى.. تقرير للقاهرة الإخبارية    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    مصر تبحث مع وفد مؤسسة التمويل الدولية (IFC) تعزيز التعاون ودعم أولويات الحكومة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤرخ الناس والمكان
نشر في صباح الخير يوم 05 - 12 - 2018

يرى الكثير من الباحثين أن كتاب «الخطط التوفيقية لمصر ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة» لعلى مبارك هو كتاب فى التاريخ السياسى والاجتماعى والاقتصادى لمصر فى القرن ال19،يستكمل ما بدأه المقريزى فى كتابه الخطط.. ويرى آخرون أن طريقة كتابة خطط على مبارك تختلف فى طرحها لحركة الناس والعمران عن تلك التى كان يكتب بها المقريزى، فى الرؤية وليس فقط وسائل الرصد وأدواته وطريقة التناول.
الكتاب الذى يقع فى 20 جزءا، خصصت الأجزاء الستة الأولى منه لمدينة القاهرة، والسابع للإسكندرية، وباقى المدن المصرية فى الأجزاء من الثامن إلى السابع عشر، وخصص الثامن عشر لنهر النيل واحتفالات المصريين به ومقاييس النيل، منذ عهد قدماء المصريين وحتى القرن ال19، أما الجزء التاسع عشر فكان عن الترع والرياحات والبحيرات فى شتى أنحاء مصر، بينما خصص الجزء العشرين لتاريخ النقود المصرية والموازين فى كل العصور.
سار على مبارك على نهج المقريزى فى كتابه «الخطط»، فتتبع مدن مصر وقراها من حيث موقع المدينة أو القرية من أقدم العصور وحتى كتابة الخطط، ووصف ما بها من منشآت ومرافق كالمساجد والكنائس والمدارس والكتاتيب، والمستشفيات والمصانع والقصور والدور والحمامات، وما أصابها من تغيرات، وأبرز الأعلام الذين ولدوا أو عاشوا أو دفنوا بها.
ويميز خطط على مبارك أنه استفاد من نتائج الكشوف الأثرية فى القرن التاسع عشر، وما كتبه الأوروبيون عن تاريخ مصر القديمة، ومظاهر الحضارة التى دخلت مصر فى القرن ال 19، وتراجم للشخصيات التى عاشت بعد وفاة المقريزى، فى 1441 م.
وفى رأى الدكتور عبد المنصف سالم، أستاذ الآثار والعمارة بجامعة حلوان، على مبارك أكمل ما جاء به المقريزي فى خططه، فالمقريزى الذى عاش فى العصر المملوكى الجركسى، قد أرخ فى خططه لمبانى وآثار وعمائر مصر من العصور السابقة عليه، وجاء على باشا ليؤرخ للعصر التالى وهو العصر العثمانى، واستفاد من عمله ناظرا للأوقاف والأشغال، أن يكتب ويؤرخ للآثار الإسلامية والمساجد فى عصر إسماعيل وتوفيق.
ويشبه د. عبد المنصف طريقة على مبارك فى التأريخ بطريقة د. ثروت عكاشة الذى يراه مؤرخ الفترة المعاصرة، فقد كان ثروت عكاشة وزيرا للثقافة، وألف مجموعة من الكتب الرائعة عن الفنون، مثل كتابه «فنون عصر النهضة»، وكتابه «الفن الفارسى».
ولأن جميع المشروعات التى كانت تنشأ فى عصر الخديوى إسماعيل ومن بعده توفيق كانت تمر على وزير أشغاله على مبارك، فكان يشارك فى تصميم بعضها، مثل مشاركته فى تصميم مسجد الحسين، كما كانت لديه المخطوطات التى كانت محفوظة فى الزوايا والمساجد القديمة، والمخطوطات التى أهديت للخديوى إسماعيل ومن بعده توفيق، والتى جمعها فى مبنى واحد هو الكتب خانة، أو دار الكتب التى أنشأها.
ويعتبر على مبارك أول من كتب عن مميزات العمارة الرومية الإفرنجية فى مصر وسماتها، «إيطاليا واليونان وجنوب تركيا»، والذى استفدنا منه كثيرا كباحثين، بحسب عبد المنصف.
عاصم الدسوقى: خطط إنتقائية كتبها رجل دولة«الجبرتى ليس موضوعيا والمقريزى رأى ما لا يراه المصريون»
لكن المؤرخ د.عاصم الدسوقى: أستاذ التاريخ الحديث فى جامعة حلوان، يرى أن على مبارك كان حريصا فى خططه، على أن يتجنب المواجهة مع السلطة، فعندما ألف الخطط وأراد نشره فى عصر توفيق، وكان قد كتب أحد الأجزاء، بعد فشل الثورة العرابية، فتحاشى ذكر القرى التى نِشأ فيها زعماء الثورة العرابية، أمثال أحمد عرابى ومحمود سامى البارودى، «وهى طريقة المثقفين والسياسيين فى قراءة مافى ذهن الحاكم والمسئول» يشرح د. عاصم.
ويقارن الدسوقى بين طريقة تاريخ الجبرتى، وبين طريقة المؤرخ على مبارك بقوله: عبد الرحمن الجبرتى الذى عاصر الحكم العثمانى ومجيء الحملة الفرنسية، والفراغ السياسى من 1801- 1805، إلى أن توفى الجبرتى 1824 عندما توقفت فى ذلك التاريخ يوميات المؤلف التقليدى، الذى كان يؤرخ أولا بأول ويوما بيوم، وينطبق على الجبرتى، اسم المؤلف التقليدى، لأنه كان يؤرخ للحدث عند حدوثه، وكانت هناك أيام لا يكتب فيها شيئا، لأنه لم يحدث فيها حدث يذكر، وأحيانا كان يقول «سمعت»، فكان يشبه الصحفى الإخبارى الذى يسجل الحدث ولا يحلله، لكنه فى مسألة محددة ذكر رأيه، عندما قام محمد على بإلغاء نظام الالتزام فى جمع الضرائب، والخاص بجمع الضرائب من الفلاحين، حيث يتقدم شخص يسمى الملتزم بدفع نصف الضرائب المخصصة على مجموعة من الفلاحين، للدولة، ثم يجمعها من الفلاحين بعد إضافة فوائد عليها. وهو النظام الذى ألغاه محمد على 1814، وجعل الدولة هى المسئولة عن جمع الضرائب، وهنا يعلق الجبرتى: «وهنا حجر محمد على على الأرزاق واحتكرها»، لنكتشف من هنا أن الجبرتى كان هو نفسه ملتزما، على ناحية أبيار التابعة لمحافظة الغربية، وكان يعيش من هذا العمل، بينما كان يسكن فى القاهرة فى حارة الصناديقية، الموازية للصاغة فى الحسين، وقبل هذه الحادثة فى مارس 1811، عندما حدثت مذبحة المماليك على يد محمد على، علق الجبرتى المؤرخ على الحادثة «محمد على أعمل فيهم الذبح والقتل، وما ربك بظلام للعبيد».
وهنا يؤكد المؤرخ عاصم الدسوقى أن المؤرخ الجبرتى، كان ذاتيا وليس موضوعيا فى التأريخ للأحداث. أما المقريزى الذى قدم من سوريا، فتميزت كتابته للتاريخ بأنه كان يرى فى مصر أشياء لا تلفت انتباه المصريين، وهو ما ظهر فى كتابه السلوك فى معرفة دول الملوك، فالغريب قد يرى ما لا يراه ابن البلد أحيانا.
لطيفة: «كاتب موسوعى ورجل دولة تكنوقراطى»
أما ما يميز على مبارك، كمؤلف من وجهة نظر أستاذة التاريخ الحاصلة على جائزة الدولة التقديرية، لطيفة سالم، فهو أنه كاتب موسوعى كتب فى التعليم والتاريخ والعمران، وهى المجالات التى عمل بها واهتم بها، بوصفه من المصريين القليلين الذين تقلدوا مناصب عليا فى الدولة المصرية فى ذلك الوقت، والاهتمام بالتاريخ الاجتماعى حاضر فى ذهنه فى كل مؤلفاته، لا سيما الخطط التوفيقية، إلى جانب أسلوبه القصصى فى كتابه «علم الدين».
«رجل دولة تكنوقراطى، فمواقفه السياسية لا نستطيع تحديدها، هو رجل لديه طموحات فى إصلاح المجتمع، تتمثل فى التعليم والتربية والأخلاق، لا يحب التغيير المفاجئ الذى تحدثه الثورات، لذا كان يفضل الابتعاد خلال الأحداث الثورية، ليهتم بالأراضى والمنح والهبات التى حصل عليها فى عصر الخديوى إسماعيل، لأنه يرى أن الثورة الحقيقية تحدث عندما يتعلم الشعب، وقتها كان التعليم مقتصرا على الطبقة المثقفة فقط».
تدلل د. لطيفة بقولها: رؤية على مبارك فى الإصلاح عن طريق التعليم، جعلته يفتح بيته لإلقاء المحاضرات التثقيفية المبسطة للبسطاء متوسطى الثقافة، ليكسر حاجز الخوف بين الناس والحاكم «وقتها كان وزيرا» وفى نفس الوقت أنشأ دار الكتب المصرية، بعدما رأى دور المكتبة الوطنية فى باريس، خلال بعثته التعليمية،وكان لدار الكتب نشاط تثقيفى فى إلقاء المحاضرات والحوار مع الناس، فيما يشبه التمثيل المسرحى، فى طريقة الحوار، وهى الطريقة التى تبناها على مبارك فى التعليم والتثقيف وسميت التعليم الشعبى.
«تأثر على مبارك بطابع عصره التنويرى الذى رآه فى فرنسا، بلد الثقافة والنور والتقدم، وركز على فكرة تعليم المرأة، ولم يكن عجيبا أن ينشئ أول مدرسة للبنات، المدرسة السنية، لذا يعتبر عصر الخديوى إسماعيل الذى تألق فيه على مبارك، رفيق إسماعيل فى بعثة الأنجال للدراسة فى فرنسا، هو عصر النهضة الثانية، بعد فترة محمد على» تشرح د. لطيفة.
عفيفى: «ما زلنا نحتاج لخطط مثل خطط مبارك التوفيقية»
بينما يرى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، محمد عفيفى أن طريقة كتابة الخطط التوفيقية، هى استكمال لنمط التاريخ الاجتماعى العمرانى، السائد فى الحضارة الإسلامية حتى القرن التاسع عشر، كما فى خطط المقريزى.
لكن مع حلول القرن العشرين ووجود هيئة المساحة الجيولوجية، والتعداد السكانى، وأقسام الجغرافيا والعمارة والتاريخ فى الجامعات، كل منها يرصد التاريخ الاجتماعى والعمرانى، لكن فى شكل جزر منعزلة، وما زلنا فى حاجة إلى مشروعات كبيرة لرصد تاريخ الناس والعمران، على نسق الخطط التوفيقية، تتبناها الدولة.
«لدينا أرقام من التعداد عن نسب الأمية فى قرية ما وعدد سكانها وعدد المدارس وغيرها، لكن لا تعطينا إجابات عن لماذا هذه الأرقام تختلف عن قرية أخرى مجاورة أو قرية أخرى شبيهة فى الصعيد، نحتاج مشروعا قوميا كبيرا لرصد التغيرات الاجتماعية والعمرانية عبر الزمن، تاريخ عمرانى وتخطيطى وسكانى فى رؤى مكتملة فى حقبة معينة، تفيد فى وضع استراتيجيات للمستقبل، مبنية على توصيف تشخيصى متكامل لتطور المجتمع المصرى» يشرح عفيفى.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.