آخر مرة استخدمت فيها وسيلة مواصلات عامة من شبرا إلى رمسيس بالقاهرة، شعرت بقهر بالغ إلى الحد الذى حال بينى وبين استعمال هذه الطريقة للتنقل مرة أخرى! كان عصر خميس، مزدحم كعادته.. كل شىء متوقف عن الحركة، ولا أكاد أرى شجرة واحدة!.. أبحث عن بضع ذرات أكسجين لأقاوم نوبات ضيق التنفس التى أعانيها.. ولتكتمل الدراما، كنت أجلس خلف السائق مباشرة، السائق الذى يدخن رغم كل الضبابية تلك وعوادم لا يعلمها إلا الله! ممكن تطفى السيجارة لو سمحت؟ ينظر فى المرآة شذرًا ويشيح بوجهه دونما تعليق، ويكمل سيجارته أصرخ: هل وصل بك التبجح إلى هذا الحد، لا تهتم ولا تعتذر حتى؟ ينظر مجددًا «متخلينيش أغلط فيكى»!! انظر حولى زحام خارج السيارة وأصوات سيارات مزعجة وفى الداخل رجال صامتون متجهمون وسط هذا الجو الصاخب. هل استسلم؟ هل ألقى بنفسى خارج السيارة وأواجه ذاك الزحام، وأمواج السيارات على طول المدى؟! وكيف أتحمل هذا الجو طول الطريق؟ حاولت التماسك وتنظيم تنفسى حتى نصل ومن ثم أجد طريقة قانونية لمجازاته. وعندما وصلت السيارة بحثت عن رجل المرور، بعدما استمع جاء للسائق قائلاً: اطلع يا أسطى، وحمد لله على السلامة يا أستاذة! أية سلامة؟ كيف هذا؟! يكرر حمد لله على السلامة. الجموع تنظر فقط، والسائقون «شكلك ست فاضية»! أما عنه، فهو الذى لم يكن بحاجة للتكلم أصلاً، لا أذكر أنه تحدث مع أى أحد، مع الناس، ولا السائقين الذين حاولوا الاعتذار نيابة عنه، الجميع اعتذر عنه، أما هو فلم ينظر ناحيتى أصلاً. أما أنا، فبعد اندهاشتى من انطلاق السيارة لمحت رقمها وأسرعت لقسم الشرطة القريب، لأحرر محضرًا، فقيل لى: هذه الواقعة لا تكفى لتحرير محضر، فليس ثمة جريمة! كل هذا القهر الذى شعرت به، وأقر به الجميع فى موقف من السلبية المحضة، لم يأخذه القانون بعين الاعتبار، ووخزات الألم التى انتابتنى، وضغط دم مرتفع لم يسمح لى بالبقاء أكثر فى شوارع لها تلك الصفات! متى يضع الظلم أوزاره؟!•