صلاح زكى مراد أمى ولى الشرف أنا وإخوتى «صفاء، صابرين، محمد» أن نحمد المولى القدير على نعمته علينا، لأننا ولدنا لنجد هذه السيدة العظيمة أمّا لنا، كانت أمًا حنوناً قوية تمتد ظلال رعايتها وحمايتها، ليس فقط لأبنائها وزوجها، بل لكل إخوتها وإخوة أبى، وأيضًا لكل من حولنا كانت أمًا للجميع، وبيتها بيت الأمة بمعنى الكلمة. اسمحوا لى أن أسرد عليكم من هى أمى، بعد مرور أكثر من عشرين عامًا، على فقدانى لنطق أجمل كلمة فى الوجود وهى أمى ولكنها فى الوجدان وفى سويداء القلب تحيا:- بعد تخرجها فى المعهد العالى للخدمة الاجتماعية عملت أخصائية اجتماعية بالوزارة وأصبحت فى فترة وجيزة مديرة لمؤسسة الأحداث، ما أكسبها خبرة التعامل مع الأمهات والأطفال الذين يجب إعادة تأهيلهم وتقديمهم للمجتمع أصحاء، أسوياء ومتعلمين، وتتلمذت على يد المفكر الكبير الأستاذ الدكتور سيد عويس . كانت تميل إلى التمرد على الأعراف البالية، مع تأكيدها على ضرورة احترامنا للعادات والتقاليد، وأعتقد أنها ورثت ذلك عن أمها والتى كانت من أوائل السيدات المتعلمات فى «نوبة» جنوب مصر . تسمع بشغف عن نضالات أبى زكى مراد (ابن عمتها) المناضل الاشتراكى، الذى كان فى شبابه نجمًا متألقًا فى العائلة والنوبة، ومناضلًا ثائرًا من أجل حرية واستقلال الوطن وحياة كريمة لشعبه، كان واحدًا من أهم مؤسسى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى «حدتو».. تعلقت أمى به وأحبته وهو سجين سياسى فى الفترة من 1953 حتى 1964 وبعد الإفراج عنه وخروجه من السجن، تزوجته أمى فى 12 يوليو 1964. وشاركت بقوة فى تأسيس رابطة المرأة النوبية وامتدت علاقاتها لتشمل نساء نوبة القاهرة والإسكندرية بل وامتد الأمر للسودان الشقيق.. بعد رحيل أبى عام 1979 تسلمت أمى الدفة، وأصبحت هى القبطان والبحار والقائد والجندى والأم والأب فى آن واحد، وبدأت الحكاية باحتوائها لأمها واحترامها لرغباتها، اشترطت على أمى - بحنان كبير ترك - العمل السياسى وهمومه والتفرغ للأولاد، لكن استطاعت أن تقنع أمها (جدتى) بقدراتها الفذة على فعل كل الأشياء، بفضل تحليها بصفات التحدى والمغامرة وقوة الشخصية، رضخت جدتى، وارتضت بحنان أن تقف مع ابنتها فتحية فى إكمال مسيرة نضال وكفاح زوجها المناضل المغوار زكى مراد. بثت الأم القوية إشعاعات القوة والتحدى فى أبنائها شقيقتى صفاء نجمة الحب فى السماء، وشقيقتى الصغرى صابرين زهرة أغسطس الجميلة الحنون، وشقيقى الجميل المشاغب محمد أو ميشو كما نناديه، كما غرست فى نفسى بذور الطيبة والمسئولية والشجاعة. زرعت فينا ضرورة التمسك بروح الدين وجوهر القيم، واحترام الإنسان.. كل إنسان بغض النظر عن ديانته أو عقيدته أو لونه أو جنسه.. حملت هموم جيراننا وأهلنا فى حى المنيرة، واتسع الأمر ليشمل حى السيدة زينب وقلعة الكبش، فأصبح بيت زكى مراد وفتحية سيد أحمد، مقرًا للتعبير عن هموم ومشاكل ومشاعر أهالى المنيرة والسيدة زينب وقلعة الكبش. ومن مآثرها هى ورفاقها أن أسسوا فصولًا للتقوية للتلاميذ، باسم مدرسة الشهيد زكى مراد فى السيدة والمنيرة وألحقوا بها فصولًا أخرى لمحو الأمية.. آخر درس علمتنى إياه فى كفاحها ضد المرض أن الصديق الأهم والرفيق الدائم وقت المحن هو كتاب الله، الذى ختمته قبل وفاتها، عدة مرات، حيث شاء الرحمن تكريمها ورحيلها آخر أيام رمضان قبل أذان المغرب لتلتقى الرحمن طاهرة صائمة.. شرف لى جدًا أن هذه السيدة الطيبة النبيلة هى أمى، وأشعر براحة كبيرة الآن لأنى أردد كلمة ماما.. أمى وأنا أكتب عنها وأفكر فيها، أدعو الله أن تسكنى يا أمى جناته وأن يشملك الرحمن الرحيم بكرمه وبإحسانه. •