اشترى الصحفى «أحمد حلمي» الذى يحمل اسمه ثانى أهم شارع فى الحى بعد شارع شبرا، عمارة خلف مدرسة التوفيقية، من الشركة البلجيكية التى أسند إليها بناء حى مصر الجديدة فى بدايات القرن الماضى، ولهذا سميت العمارة بعمارة الشركة، نسبة للشركة البلجيكية. أحمد حلمى هو جد الشاعر والفنان صلاح جاهين. «25 ديسمبر 1930- 21 إبريل 1986» وشهدت العمارة ميلاد صلاح وأخته بهيجة التى تصغره بعامين، وقضيا فيها سنوات الطفولة، كما تحكى بهيجة. عمارة شبرا كانت مكونة من أربعة طوابق، وخصصت لسكن العائلة، «والدى فى شقة وعمتى فى شقة وجدى فى شقة، وأجرت أسرة الملحن بليغ حمدى، إحدى شقق العمارة لسنوات، قبل أن يبنوا بيتا خاصا فى الجهة المقابلة لعمارتنا فى شارع شبرا».. وتكمل بهيجة: خالة والدى كانت تراقب بليغ وأخى صلاح، وهما يلعبان على «بسطة» الشقة وتعلق: «الولاد دول شكل تانى عن باقى العيال» وكأنها كانت تتنبأ بموهبتهما.. الغريب أن صلاح وبليغ لم يشتركا فى أى عمل فنى، رغم صداقتهما فى الطفولة، وعندما سئل صلاح عن السبب، علق قائلا: «الظاهر أنى كنت بكسب بليغ فى اللعب واحنا صغيرين».. تتذكر بهيجة أن أولاد الزعيم الوطنى محمد فريد، استأجروا شقة فى عمارتهم بشبرا، «كانت عمارة جميلة ضخمة، وبوابتها كبيرة، وبلكوناتها من الخشب، وبستطها متسعة، تكفى لأن يلعب فيها الأطفال كل ألعابهم بارتياح، حتى الاستغماية».. مساحة العمارة التى كانت كائنة بشارع جميل باشا، كبيرة جدا، فبعد أن هدمت فى الخمسينيات، بنى مكانها عمارتان كبيرتان أيضا، بحسب السبعينى عم على، صاحب محل البقالة فى نفس الشارع، الذى ورث البقالة عن والده، ولازال يتذكر العمارة القديمة الضخمة.. تحكى بهيجة عن والدها القاضى، الذى تنقل فى عمله مابين الصعيد والدلتا، «كنا نسافر معه ونراقب أنا وصلاح الفلاحين وأغانيهم وأشعارهم، وتأثر صلاح بهم وكتب عنهم فى أشعاره». القمح مش زى الدهب القمح زى الفلاحين عيدان نحيلة جدرها بياكل فى طين الأحياء الأربعة «عندما تزوج والدى فى سنة 1955 استأجر شقة فى 20 شارع سامى، بالقرب من ميدان لاظوغلى، وفيها كتب أوبريت الليلة الكبيرة، ثم استأجر شقة أخرى بالقرب منها فى شارع نوبار، والمعروفة بعمارة القرشى باشا، مع جيرانه صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الخميسى، وسكن فيها بين عامى 1959 و1963، وكتب فيها الكثيرمن رباعياته الشهيرة». يحكى بهاء كيف تنقل والده صلاح بين أربعة أحياء، بعد أن ترك عمارة شبرا، فبعد شقتى وسط البلد، انتقلت العائلة للعيش فى فيلا، استأجرها والد صلاح «المستشار بهجت حلمي» فى شارع سحاب بمنطقة الهرم، بعد أن خرج للمعاش، وعاد للاستقرار فى القاهرة، «جدى كان يعيش فى الطابق الأرضى، ونحن فى الطابق الذى يعلوه». وعندما تزوج صلاح الفنانة منى قطان فى 1967، انتقل للعيش فى الزمالك لمدة عامين، لينتقل بعدها لعمارة رقم 10 بشارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين، كما تحكى ابنته سامية، التى لاتزال تعيش فى الشقة نفسها حتى بعد زواجها. عروستى والخاطبة «لما بابا سكن هنا كانت منطقة سور نادى الزمالك بجامعة الدول العربية، أرضا زراعية، وبابا شاف فيها ثعلب»، تحكى سامية، عن الشقة التى تطل بزاوية صغيرة على سور نادى الزمالك، لأنها من الشقق الداخلية. يستقبلك فى مدخل العمارة- التى بنيت فى الستينيات- عامودان كبيران مكسوان بالرخام ذى اللون البصلى، وبوابة حديثة من الحديد الفورفورجيه والزجاج، تم تركيبها خلال ثورة يناير، ويقودك المدخل إلى سلالم من الرخام الأبيض، وحوائط مكسية بالرخام البصلى، يبدو كأنه قد وضع بالأمس، وعلى اليمين والشمال مصعدان شندلر، لكل منها بابان من الحديد. العمارة التى تتكون من عشرة طوابق وطابق أرضى، لها جراج خاص، أجره أصحاب العمارة لمن يدفع ثمن الوقوف، ويقوم عليه ثلاثة من السياس، وبكل طابق أربع شقق، مساحة الشقة تتراوح مابين 200 - 250 مترا، وإيجارها يتراوح مابين 22 - 40 جنيها فقط. وأغلب سكان العمارة الآن من أبناء السكان القدامى، بحسب ابن عم كامل، حارس العمارة الذى ورث المهنة عن والده، المتوفى قبل عامين. ويقول بهاء جاهين: «فى الشقة كتب والدى أغانى وسيناريو وحوار أفلام «خلى بالك من زوزو، أميرة حبى أنا، المتوحشة، شفيقة ومتولى، عودة الابن الضال» وفوازير نيللى لعامين متتاليين «عروستى، الخاطبة»، ومسلسل هو وهى فى 1984، وبوجى وطمطم لعامين متتالين. بيانو الواد التقيل يتذكر حسن ابن فؤاد حداد، بعض جلسات وسهرات شقة جاهين، «عمو صلاح» كان يحب يقعد فى مكتبه، يرسم كاريكاتير الأهرام، وأنا وأبى نجلس معه، وفى أحد أركان الغرفة بيانو، لحن عليه كمال الطويل «ياواد ياتقيل» فى خلى بالك من زوزو. وكان يحضر هذه الجلسات يوسف جاهين وصلاح أبو سيف وعبد الرحيم منصور وسيد مكاوى، سعاد حسنى، نيلى، أحمد زكى، الملحن ابراهيم رجب، حسن الإمام، ولا تنقطع النكات وخفة الظل طوال الليل. الشقة المكونة من غرفتين وحمامين واستقبال ومطبخ بالطابق الرابع، لازالت على حالها، طلعت البيانو فى الصالة، والمكتب زى ما هو، تحكى سامية عن والدها الذى رحل وهى فى السادسة من عمرها، وعن حبه للجيران ولجوئهم إليه فى حل مشاكلهم، ومنهم سلوى عاصم التى تنبأ لها صلاح بأن تكون مذيعة متميزة، وهو ماحدث بالفعل.