توقفت نيللى فاروق، 48 سنة-طويلا، عند ما كان يصنعه راتب والدتها المدرسة من بهجة وتفاصيل خاصة، جعلتها هى وأخاها يشعران دائما بالأمان، إذا ما قال الأب إنه لم يتبق فى مصروف الشهر ما يكفى لتلبية رغبات الرحلات المدرسية أو المصيف، أو طلبات إضافية للتعليم، خاصة أيام الثانوية العامة والدروس الخصوصية فى كل المواد.. تهمس نيللى «مهندسة الديكور» قائلة: لم أكن أستطيع أن أطلب من والدى أيام المراهقة أن أشترى ملابس خاصة بالبنات من خامات معينة غالية السعر، لكن كنت أطلب من أمى، وأطلب منها أيضا نقودا لشراء روايات وهدايا للصديقات فى أعياد ميلادهن.. اكتشفت الآن ذلك الإحساس بالأمان والاطمئنان لأن أمى تعمل ولها راتب ثابت، كانت تفاجئنا فى الصيف بملابس البحر للمصيف فى رأس البر أو الإسكندرية، ولما كان أبى يبدى ملاحظة بعدم ضرورة الذهاب إلى المصيف، تقول له «ما تقلقش أنا قبضت جمعية المصيف».. أمى كانت تصنع لنا الكثير من ملابسنا وملابسها بنفسها، من خلال باترون مجلات حواء والبوردا وغيرهما، رغم أن ملابس القطاع العام كانت متوافرة ورخيصة، لكن كانت تحب أن تصنع الملابس بنفسها وتشترى الكلف والأزرار، وتلضم إبرة ماكينة الخياطة السنجر باحتراف، وتشترى لها إبر التطريز، لتضيف لمسات خاصة لملابسنا، التى كنا نعتز بها ونفرح بتحولها من قماش أمامنا إلى بلوزة وفستان وجيبة وبيجاما.. مازلت أسترجع رائحة المربى التى كانت تصنعها فى ليالى الشتاء، فتدفئ البيت كله برائحة اللارنج والبرتقال، رغم أن منتجات قها وأدفينا من المربى كانت فى متناول الجميع، لكن مربى البيت كانت أرخص، وبالمثل كانت تصنع الصلصة، والجاتوه والتورتات، فلا أذكر أننا كنا نشترى الجاتوه الجاهز، إلا فى نهاية التسعينيات، بعدما كبرت ولم تعد تستطيع أن تفعل كل هذا. ومن مرتبها الشهرى كانت تدخل الجمعيات، وتشترى كثيرًا من الاحتياجات بالتقسيط، وكان هذا متاحا فى شركات القطاع العام، جهزتنى أمى بجمعياتها والتقسيط بضمان مرتبها. . تضحك نيللى قائلة: «ده على فكرة مرتب أمى، ده بيحمينى لحد دلوقتى، لأنى لو لا قدر الله جرى لى حاجة من حقى آخد معاشها».