أحيانا يكون الخروج من الوطن حلا للكثيرين، خاصة عندما يواجهون أزمات من الصعب مواجهتها، عندها يتركون كل شيء ويبدأون من جديد، أملا فى أن تتغير الأحوال فى بلدهم فيعودون وقتها. لكن ما يبدو غريبا فعلا، أن يصمد الغريب أمام ظروف صعبة تواجه البلد الذى اختاره، ليتمسك بكل حدس أو ظن لأن يكون المستقبل أفضل. شخصيات كثيرة اختارت مصر وطنا ثانيًا، لبناء مستقبل لهم ولأولادهم، لم يتركوا مصر فى أحلك الظروف يعايشونها ويعيشون فيها،على الحلوة والمرة، وإذا كان لمن غادروا مصر من أولادها ألف حجة للخروج، فمن اختارها وطنه الثانى خلق بيديه ألف حجة للبقاء تحت سمائها وبجانب نيلها. من هؤلاء المنتج والموزع اللبنانى «صادق الصباح» ابن السياسى والبرلمانى اللبنانى السابق «أنور الصباح». يحكى صادق عن بداية عائلته فى القاهرة فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، عندما قرر والده ترك السياسة وهمومها ولو لفترة، واتجه مع اخوته لتأسيس شركة للتوزيع السينمائى، أسموها «الشركة اللبنانية المصرية للتجارة والإنتاج السينمائى، وكان أول فيلم يقومون بتوزيعه «الخطايا» بطولة عبدالحليم حافظ، بعدها توجهت العائلة إلى القاهرة فى أوائل الستينيات، وأنشأوا شركة للإنتاج السينمائى، لينتجوا ما يقرب من 500 فيلم، منها العديد من الأفلام المشتركة ما بين نجوم مصريين ولبنانيين. الحرب اللبنانية والفيديو ويكمل صادق الصباح قصة انتقاله مع عائلته إلى مصر ويقول: فى أوائل السبعينيات ومع بدايات هجرة بعض السينمائيين المصريين إلى لبنان وسوريا، وبداية الدخول فى سوق الفيديو، وكانت البداية فيلم «خلى بالك من زوزو»، لكن مع اندلاع الحرب اللبنانية قرر أعمامى الاستقرار فى مصر. لم يترك والدى السياسة بشكل نهائى، تولى وزارة الصناعة والنفط والموارد المائية، فى عهد الرئيس سليم الحص فى أواخر السبعينيات، ومع ذلك كان تقريبا شبه مقيم فى مصر، وكبرت الشركة وأصبح آل الصباح هم من أكثر المنتجين والموزعين الذين وزعوا الأعمال الفنية المصرية فى كل الدول العربية، ولا سيما فى الخليج، بداية من ظهور الفيديو فى منتصف السبعينيات، حتى عصر القنوات الفضائية. كانوا قبلها فى السعودية ودول الخليج يحصلون على نسخ الأفلام المصرية، ال 16 مل من خلال عرضها فى سينمات خاصة، حتى ظهور شرائط الفيديو التى ظلت فى ازدهار حتى منتصف التسعينيات. بدايتى أنا شخصيا كانت فى هذا الوقت فى منتصف السبعينيات ووقتها كانت الحرب فى لبنان حرب طائفية طاحنة وعملت فى مجال الفيديو. وأنتج أهلى أفلاما مصرية كثيرة فى الثمانينيات والتسعينيات، مثل فيلم «جرى الوحوش»، وفيلم «حب لايرى الشمس»، ولكن بعد مرض أحد أعمامى، ضعفت الشركة وقمت أنا بالاستقلال نهائيا، وعملت فى توزيع الأفلام والبرامج والحفلات وبعد عشر سنوات بدأت فى إنتاج المسلسلات والأفلام. الأجزاء المحذوفة • هل واجهتك أى مشاكل عندما قررت أن يكون عملك فى مصر من خلال شركتك الخاصة؟ أبدا لم تواجهنى أى مشاكل على الإطلاق، بفضل علاقاتى الواسعة، خاصة أن أهلى كانوا موجودين من زمان فى مصر. منذ أنشأت شركتى للإنتاج والتوزيع، حرصت على البعد عن أى شيء يخص الدين أو السياسة لأبعد نفسى عن المشاكل. • لكن رغم هذا تحمست لفيلم مولانا وقمت بتوزيعه رغم ابتعادك عن الدين والسياسة؟ تحمست لفيلم مولانا بعد أن شاهدته فى عرضه الخاص، وجدت أنه يناقش ويفسر الكثير من اللغط الذى يدور حولنا، من خلال رجل دين مسلم يحاول أن يكون منفتحا على الجميع، الفيلم به رسالة رغم تعرضه للهجوم من قبل شيوخ سنيين فى لبنان، إلا أنه فى النهاية تم عرضه، مع قطع بعض اللقطات، بينما فى دول الخليج لم يعرض إطلاقا وتقبلت ذلك بصدر رحب. الأوقات الصعبة • فى ثورة يناير كنت متواجدا فى القاهرة.. هل فكرت فى ترك مصر خلال هذه الفترة؟ قبل الثورة دار حديث فى الوسط - أقصد الناس الذين كنت أجلس معهم من فنانين وغيرهم - عن التوريث وما يدور فى مجلس الشعب، لكن لم يكن يخطر على بال أى منا أن مبارك يتنحى عن الحكم، ولغاية 28 يناير كنا نمارس عملنا عادى جدا، ونصور.. لم أترك البلد وشعرت أنى لو تركتها فى هذا الوقت، سأكون كمن أكل خيرها ولا يصبر على ما تمر به من أوقات صعبة، كنت أشعر داخلى أن أمرا جللا سيحدث، وهى لحظات كان يجب أن أعيشها مع أحبابى وأصحابى من الفنانين، كانوا يأخدونى لنتجول حتى فى أوقات حظر التجول، ونرى الناس فى ميدان التحرير وحوله، فطبعا وقف الشغل وكنت وقتها أصور مسلسل الشحرورة، ورجعنا مرة أخرى فى فبراير للتصوير. لم أفكر لحظة أن أترك مصر، كان لدى يقين أن كل ما يحدث سيمر، لقد رأيت فى لبنان الحرب، وبات عندى خبرة فى استقبال الأوقات الصعبة، لكن كنت مؤمنًا من داخلى أن الحياة ستستمر، رغم أن البعض حولى فضل ترك مصر، وكانوا يلوموننى ويقولون «أنت قاعد هنا ليه»! قد يكونوا قد فرحوا عندما هاجروا، لكنى هنا مبسوط وعايش وحاسس أنى بخير. • وماذا عن ثورة يونيو؟ - كنت مسافرا لدبى، ولما سمعت عن نزول الناس قطعت الرحلة، ورجعت فورا، كنت أرغب فى أن أعيش ما سيحدث، وكنت أنزل مع زوجتى مع الناس للشارع، سعيدًا جدا وأذكر أنى مشيت معها على أرجلنا من الزمالك حتى التحرير. صعود وهبوط • خلال عشر سنوات من الإنتاج الدرامى والتليفزيونى، أنتجت الكثير من الأعمال التى جمعت أغلب النجوم فى مصر والعالم العربى.. اليوم تمر مصر بصعوبات ومشاكل اقتصادية هل تأثرت بها؟ - أغلب تعاملاتى أجريها بالدولار وبعد تعويم الجنيه، كانت فترة صعبة رغم أنها خطوة صحيحة اقتصاديا، تأثر عملى بالغلاء ومشاكل المحطات التليفزيونية، وأصبح هامش الربح أقل يعنى بعد ما كان 30 فى المائة أصبح الآن لايتعدى 5%، لكن بشتغل رغم كل الظروف، وفى تاريخ الشغل صعود وهبوط من وقت للآخر. مصر بلدى وأصدقائى وملاذى، وأكبر دليل أن ابنى سيتجوز ويعيش فيها، هو وأولاده، ولم نشعر يوما أننا فى غربة أبدا تحت شمس مصر أم الدنيا.•