الشياطين يتم تقييدها فى الشهر الكريم ولكنها هذا العام تجسدت لنا على الشاشة فى هيئة لا نستطيع أن نكرهها وهى هيئة الفنان القدير يحيى الفخرانى، الغائب عنا العام الماضى يعود لنا هذا العام بونوس، الشيطان الرجيم، ونوس هو رمز الشيطان المتجسد بذكائه وقدراته الخارقة وكل الإسقاطات والإشارات فى كلامه، الشيطان بوساوسه وصراعه مع الخير بشتى الطرق لدرجة مخيفة ومفزعة، قُدم هذا الترميز للشيطان فى الأساطير الإغريقية. تدور الأحداث حول أسرة مصرية يختفى منها الأب لسبب غير معلوم تاركا زوجة وأربعة أبناء فتتولى زوجته المسئولية كاملة بينما الأب لا يعرف طريقه أحد. وبعد عشرين عاماً يظهر أحد أصدقاء الوالد فيُخبرهم أن لوالدهم إرثاً ضخماً، وعليهم إيجاد والدهم من أجل إقناعه بإمضاء الأوراق الرسمية المطلوبة لأخذ تلك الأموال، لأنه يرفض وبإصرار الحصول على الورث ولسوء ظروفهم المادية يبدأون فى الحلم بالثروة التى لا يحول بينهم وبينها سوى إمضاء والدهم للدرجة التى تنسيهم خبر ظهور والدهم والعثور عليه ولا يفكرون سوى فى الحصول على الأموال، ويبدأ ونوس بالضغط على كل منهم بطريقته وحسب احتياجاته، فمنهم الباحث عن المال والآخر الباحث عن الشهرة والابنة المغيبة التى تؤمن بالخرافات والسحر ويدعم هو هذا الإيمان بداخلها، المعالجة مأخوذة عن مسرحية فاوست للأديب الألمانى جوته، يقوم الفخرانى بدور الشيطان، الذى قام بإغواء الأب بالماضى، فترك أسرته وسار خلف أحلامه وأهوائه مُرتكباً للآثام والمعاصى، ظهرت أسرة ياقوت فى أول مشاهد الحلقة الأولى وهم يتابعون فيلم «سفير جهنم» والذى جسد فيه الفنان يوسف وهبى دور الشيطان. لا أستطيع وصف أداء الفنان يحيى الفخرانى بكلمات قليلة فطوال السنوات الماضية وعام بعد عام يكون أكثر إبهارا وتوحدا مع الشخصية التى يقدمها بشكل عجيب، الفخرانى الذى لم أكرهه طوال عمرى ولا يملك أحد سوى أن يحبه، لم نكرهه أيضا وهو شيطان بل أنتظر وجوده لمشاهدة نظراته وإيماءاته وطرقه فى إقناع ضحيته برغباتهم التى يخشون الإفصاح عنها وتزيينها فى أعينهم. فى ونوس يعود الفنان نبيل الحلفاوى للشاشة بعد غياب فى أداء مبهر حتى فى أدائه الصامت فى أول حلقتين ولكن الجمهور كان يفتقد حتى نظرات نبيل الحلفاوى، ظهر الحلفاوى بدور ياقوت الأب الذى ترك أبناءه وسار وراء نداء الشيطان وارتكب الكبائر، إلا أنه يندم ويُقرر التوقف عما هو فيه، هائما على وجهه راجيا الصفح من الله، وهذا ما لا يريده ونوس الذى يلجأ للى ذراعه عن طريق أبنائه ليعيده إلى الخطيئة وماضيه الملوث. حنان مطاوع التى تتألق عملاً بعد الآخر وتتقمص أدوارها وتتوحد مع الشخصية لدرجة مرعبة فهى تقدم دور الابنة المطلقة التى اهتزت ثقتها فى نفسها وتعانى مع ابنها المريض فيثير ونوس كراهيتها تجاه زوجة طليقها الجديدة وابنها ويقنعها بضرورة اللجوء إلى الدجل والسحر الأسود لتحصين نفسها وابنها المريض. الفنانة هالة صدقى هى الأم ورمانة الميزان فى هذه الأسرة بعد غياب الأب والتى تحاول أن تلملم شتات الأسرة بكافة الطرق وتحاول تحصينهم من أنفسهم ومن شيطانهم ومن وسوسة ونوس ولكن أعتقد كان من الممكن الاستغناء عن نبرة الصوت العالى فى معظم مشاهدها التى كانت تبلغ إلى درجة الصريخ فى المنزل طوال الوقت بشكل مثير للتوتر، كما أن هناك مأخذً على مصمم أزياء العمل فى ملابس الأم، التى لم أشعر ناحيتها بالألفة، فهى ترتدى ملابس لم أستطع تمييز هل هى ملابس أم وجدة أم لشابة فى منتصف العمر وكذلك طريقة تصفيف شعرها المنسدل طوال الوقت حتى وهى تقوم بالأعمال المنزلية فى المطبخ أو تقطع الخضروات على السفرة أو حتى فى مشاوير السوق التى تتجول فيها بشعرها المنسدل، أفقدنى هذا الشعور بالمصداقية تجاهها خاصة أنها من منطقة فقيرة وطبقة تحت المتوسطة ولديها ابن يعمل سائق تاكسى. محمد شاهين الابن الانتهازى الذى استطاع أن ينسى أباه الغائب فى لحظة مقابل ما سيحصل عليه من أموال بل أيضا استطاع مواجهته ومحاولة التعدى عليه بالضرب، محمد شاهين رغم تواجده كل عام فى أكثر من عمل إلا أنه يتوهج فى عمل دون الآخرين، فيجب عليه أن يعتمد على الكيف وليس الكم. رغم صعوبة تقديم حبكة ومعالجة لرواية معروفة إلا أن المخرج والمؤلف استطاعا فى بداية العمل فرض حالة من الغموض على المتفرج تجعله يظل يخمن أصل ونوس وأصل حكايته إلى أن تتضح الأمور وقدراته مع الوقت. • نيكولا معوض يلعب دور الشيخ فاروق، وهو فنان ومقدم برامج لبنانى فى عمله الأول فى مصر، اتسم أداؤه لدور فاروق الشيخ الطامع فى الشهرة وهو ليس لديه ما يؤهله ليصبح داعية دينى، قدم نيكولا الدور بهدوء وسلاسة شديدين وبلهجة مصرية متقنة رغم أنه عمله المصرى الأول إلا أنه لا يمكن أخذ أى خطأ عليه فيما يخص هذا الجانب. ورغم صعوبة اللهجة المصرية إلا أن نيكولا اجتهد كى يتعلمها قدر المُستطاع، وتدرب عليها كثيراً، ومن المُفترض أن تمر الشخصية التى يلعبها بالعديد من التحولات لننتظر كى نرى كيف سيتعامل مع تلك المعطيات الجديدة، وهل سيُحسن لعب الشخصية أم لا! •