مشاهد مازالت تتكرر أمام أعيننا.. واقع لن نستطيع الهروب منه، حتى وإن أنكرناه فصورته مازالت تحاوطنا فى كل مكان، فى الشارع، فى التليفزيون وخلال مواقع التواصل الاجتماعى.. صور لناس منكمشين فى أنفسهم.. ملامحهم باهتة، تفاصيل وجوههم متآكلة من قسوة البرد.. يرتدون ملابس ممزقة متهالكة أملا فى إيجاد الدفء.. كثيرا ما ننخدع فيهم، عندما نراهم يفترشون أرصفة الشوارع، ونعتقد أنهم «كيس أسود ملىء بالمهملات غير المرغوب فيها».. ولكن عندما نقترب وندقق النظر نفاجأ أنهم بشر مثلنا.. ولكن برد الشتاء شردهم وأكل ما أكل منهم، بعد أن اخترق بيوتهم ودمرت الأمطار أسقف عششهم، لتتغلغل بداخلها وتقضى على ما تبقى من الحياة البسيط التى يعيشونها بصعوبة.. ولن تتركها إلا بعد أن تساويها بالأرض!!. فقد شرد البرد الكثير من الأسر الفقيرة بعد أن استوطن أجسادهم ودغدغ عظامهم الهزيلة، التى فقدت الشعور ببرد الشتاء القارس.. ليكون هو البطل الأول الذى يتصدر بداية كل شتاء.. البطل الذى لا يستقوى إلا على الضعفاء، يغتال حياتهم دون سابق إنذار، يتركهم يفترشون الطرقات وأسفل الكبارى فى ليالى الشتاء.. ولكن وعلى الرغم من ذلك، فهناك من يقف بجانبهم ويمد لهم يد العون، ألا وهى الجمعيات الخيرية، التى تسعى جاهدة فى الوصول إليهم لإمدادهم بالمساعدات اللازمة، سواء كانت مأكلا أو ملبسا أو توزيع بطاطين أو تسقيف المنازل وترميمها.. فقد قرأنا مؤخرا عن «قوات مكافحة البرد» عبر مواقع التواصل الاجتماعى.. وهى مبادرة جديدة تطلقها جمعية رسالة لمواجهة برد الشتاء بالقاهرة الكبرى والمحافظات.. تستهدف المشردين وأطفال الشوارع.. وتقدم لهم الإغاثات والمساعدات اللازمة فى الوقت المناسب.. وقد وضعت الجمعية خطة دقيقة للتعامل مع برد الشتاء من خلال حصر المناطق الأكثر احتياجا.. فقد انتهت الجمعية من تسقيف 200 منزل، من المنازل التى تضررت من سقوط الأمطار والسيول التى تساقطت مطلع نوفمبر الماضى.. كما أنهم على وشك الانتهاء من تسقيف 40 منزلا آخر من المنازل المنكوبة بمحافظات الوجه البحرى. فقد تحدثنا مع محمود الأمير-المتحدث الرسمى لجمعية رسالة- ليخبرنا أكثر عن هذه الحملة، وعن كيفية التنسيق بين الجمعيات الخيرية فى تقديم المساعدات لحماية الغلابة من برد الشتاء، فيقول: • قوات مكافحة البرد بدأت هذه الحملة منذ سنتين، عندما سمعنا بوفاة شخص من المشردين فى الشارع بسبب البرد الشديد.. اجتمع شباب الجمعية المتطوعون وعددهم 100 شاب وشابة، وقرروا أن يقوموا بعمل شىء تطوعى لحماية المشردين.. وبالفعل نزلوا الشوارع الرئيسية وأسفل الكبارى وفى الميادين والمناطق الفقيرة التى بها أطفال ومسنون وناس على قد حالها.. وقاموا بتوزيع البطاطين وملابس شتوية وأكل ساخن عليهم.. فهذه الفكرة هى فكرة شباب رسالة وقاموا بتطبيقها على أرض الواقع.. ولكى تنتشر الحملة بسرعة، أطلقناها فى شكل حملة أو مبادرة.. تجوب شوارع القاهرة الكبرى والجيزة بشوارعها الرئيسية ابتداء من الساعة التاسعة مساء وحتى الرابعة فجرا، حيث يجتمع الشباب فى مقر الجمعيات الساعة السابعة مساء ويقومون بتجهيز الوجبات والملابس والبطاطين.. وتسير كل مجموعة بسيارات الجمعية وفق خطة جغرافيا.. وجار العمل على تعميم الفكرة فى جميع محافظات الجمهورية، من خلال تشكيل فريق عمل من المتطوعين.. فإن مهمة «قوات مكافحة البرد» الرئيسية هى تقديم المساعدة العاجلة للمتشرد الذى يفترش أرض الشارع فى برد الشتاء وإمداده بالتدفئة اللازمة، سواء كانت ملبسا أو مأكلا أو توزيع بطاطين.. وستستمر هذه الحملة لحين انتهاء فصل الشتاء. وعندما قمنا بحصر عدد الحالات التى فى حاجة إلى المساعدة اللازمة، تبين أنها تصل فى اليوم الواحد ما بين 15 و30 حالة. كما توسعت الحملة أيضا لتقديم المساعدات للأشخاص المصاحبين للمرضى بالمستشفيات، التى تضطرهم الظروف للمبيت فى الشارع لحين خروج ذويهم.. فقد ذهبنا بالفعل إلى معهد الأورام ومعهد القلب، عندما علمنا بأن هناك حالات يأتون من المحافظات ومعهم أهلها ينامون خارج المستشفى فى الشارع، نظرا لضيق المستشفى بالداخل مما يضطر الأمن لطردهم خارج المستشفى.. لذلك قررنا أن نقدم لكل هذه الفئات بطانية ووجبة ساخنة وملابس ثقيلة، للعمل على حمايتهم من البرد الشديد. • حملة دفيهم أما حملة دفيهم، فتعتمد على الأسر المحتاجة التى تعيش فى المناطق النائية الفقيرة فى القرى والمحافظات، الذين لا تتحمل بيوتهم برد الشتاء.. فقد وضعنا خطة لهذا تشمل الأقاليم من الوجه القبلى والبحرى.. فلدينا خلية نحل لا تكل ولا تمل عن فعل الخير .. كما توفر الجمعية للمتبرعين صك الشتاء وقيمته 95 جنيها، تشمل: كسوة الشتاء والبطانية ووجبة ساخنة لأى شخص فقير أو مشرد.. فقد رصدت الجمعية مبلغ 2 مليون جنيه لإعادة بناء وترميم وتسقيف المنازل المتضررة جراء الأمطار والسيول التى تساقطت على محافظات: البحيرة، الغربية، الإسكندرية والدقهلية. • التنسيق بين الجمعيات حيث يتم التنسيق بين الجمعيات فى حالة الكوارث الكبيرة فقط، مثلما حدث فى نوفمبر الماضى السيول التى اجتاحت بيوت الفقراء.. فهناك فريق إغاثة دائم مشكل من بنك الطعام ومصر الخير وجمعية الأورمان وجمعية رسالة برعاية وزيرة التضامن الاجتماعى.. هذا ما حدث بالفعل فى قرية «عفونة» بالبحيرة.. حيث قمنا بعمل أسقف المنازل ودخول المياه بها.. بينما قامت جمعية الأورمان بعمل الجدران، ومصر الخير وبنك الطعام كانوا يوصلون المواد الغذائية والهلال الأحمر كان معتمدا على الإسعافات.. فالتنسيق بين الجمعيات غالبا ما يكون فى الكوارث فقط!! نسير من خلالها وفق خطة مدروسة وممنهجة بشكل مكثف.. ولكن غير ذلك كل جمعية تعمل مع نفسها. • استغلال المعونات أما عن استغلال الناس للمعونات وبيعها فى السوق السوداء، فيقول: كثيرا ما نتعرض لهذا.. وذلك لأننا ليس لدينا قاعدة بيانات موحدة، نعمل من خلالها.. وتساعدنا بسهولة فى الوصول إلى المحتاج، كما أنها ستساعدنا أيضا فى تفادى هذه الحالات من النصب.. لأنها ستظهر لنا إذا كان هذا الشخص تلقى مساعدات من أى جمعية خيرية أو لا؟!.. أيضا يجب أن يكون هناك دعم من الجهاز الحكومى أو الإدارى، يرعى هذا الموضوع وتنسق بين الجمعيات.. ويجب وضع آلية للتنفيذ ومتابعة دائمة ومستمرة.. فالموضوع فى حاجة إلى أن يكون هناك غرفة عمليات هدفها توحيد قاعدة البيانات للأسر التى تتم مساعدتها سواء فى القاهرة أو المحافظات من خلال مراكز الشئون الاجتماعية على مستوى القاهرة. • حكايات لا تنسى وعن أكثر حكايات المشردين التى مازالت عالقة فى ذاكرة المتطوعين فى حملة «قوات مكافحة البرد»: حكاية سيدة كانت نائمة بالقرب من أحد الأكشاك الموجودة بميدان العباسية، حاولنا إيقاظها لمعرفة حالتها ومحاولة مساعدتها، وأعطيناها وجبة عدس ساخنة، ولما انتهت منها قصت حكايتها الصعبة، فهى سيدة من حى الجمالية، عمرها 55 عامًا، وشكلها محترم للغاية، فسألناها: ( ليه ما بتروحيش البيت ؟ )، فأجابت: حصلت مشاكل مع مرات ابنى، فتركت لها البيت، وقررت أن أنام فى الشارع جنب الكشك ده، وأقنعت ابنتى أننى أنام عند خالتها، وكل يومين تلاتة أذهب لأختى للاستحمام ثم أرجع أنام فى الشارع تانى، أما ابنى ربنا يسامحه فلا يسأل عنى أبدًا !!!. وبشأن الجديد بالحملة، أشار إلى أنه تمت إضافة نشاط جديد إلى الحملة، يتمثل فى الذهاب إلى الناس التى تعانى من البرد داخل المنازل، وبالفعل تمت إقامة معرضين لتوزيع ملابس شتوية ثقيلة، وبطاطين، وألحفة بالمجان على 150 أسرة سورية بالتنسيق مع مسئول رابطة اللاجئين السوريين بمقر الرابطة بأكتوبر، بالإضافة إلى إقامة معرض ثالث للسوريين أيضًا بنادى حلوان العام. •