يحتفل العرش البريطانى، الذى أسسه وليم الفاتح عام 1066 ميلادية، خلال شهر سبتمبر القادم بتخطى الملكة إليزابيث الثانية (89 عامًا) الرقم القياسى لتبوؤ هذا المنصب (تُوجت عام 1952) والذى كان إلى الأمس القريب مسجلاً باسم الملكة فيكتوريا التى تولت الأمر لمدة 64 سنة، من عام 1837 إلى 1901. • إليزابيث الثانية.. واسمها فى شهادة الميلاد.. إليزابيث (نسبة إلى والدتها) أليكسندر (نسبة إلى والدة جدها جورج الخامس) مارى (نسبة إلى جدتها لأبيها) .. تعرف أنها ابنة أسرة معمرة، ويعرف شعبها أنها من أسرة لا يتنازل الجالس من أبنائها فوق العرش، عن عرشه لمن يليه فى الترتيب إلا لأسباب صحية! ليس من بينها التقدم فى العمر. وحين قالت جلالتها فى واحدة من المناسبات القومية أنها تعتبر «وظيفتها ممتدة إلى نهاية حياتها» أدرك المتابعون لشئون الأسرة المالكة ومؤرخوها أنها لن تتنازل عن العرش لابنها ولى العهد الأمير تشارلز (يبلغ من العمر 67 عامًا)، وقَبل منها شعبها ذلك دون ضجر أو ملل. • إليزابيث الثانية.. حين ولدت فى 21 شهر أبريل عام 1926، عن طريق عملية قيصرية، لوالدها الأمير ألبرت دوق يورك الذى أصبح فيما بعد الملك جورج السادس (1936 - 1952).. ولم يكن لها مكان متميز بين ورثة العرش على أيام جدها جورج الخامس (1910 - 1936) لأن ترتيبها فى ذاك الوقت كان الثالث (بعد عمها ووالدها) وكان من المحتمل أن يُرزق أبوها بصبى يحتل مكانتها، ولكنه رزق ببنت ثانية بعد ذلك بأربع سنوات سميت مارجريت. • الحب له أحكامه.. تولى عمها العرش باسم إدوارد الثامن بعد وفاة الجد، ولكنه لم يجلس عليه طويلاً لأنه وقع فى غرام السيدة واليس سمبسون دوقة وندسور، ولما هام بها عشقًا وقررا الارتباط معاً كان عليه أن يختار بين العرش وبين الاقتران بمحبوبته! لأن الكنيسة الإنجليكية تُحرم بشدة مثل هذا الزواج. لم تستمر حيرة إدوارد الثامن طويلاً لأنه فضّل جوار محبوبته على البقاء جالساً فوق العرش رغم أبهته وألقه من ناحية ورعايته المعنوية من ناحية أخرى لشئون الإمبراطورية البريطانية التى لا تغيب عن أراضيها الشمس. وسرعان ما تنازل عنه لأخيه عن هذه وتلك بعد حوالى أحد عشر شهراً فقط من تتويجه ملكاً عقب وفاة والدهما. • قدر لم يكن فى الحسبان.. أصبح والد إليزابيث ملكا باسم جورج السادس، وأصبحت هى ولية عهده لأنه لم ينجب صبيا بعد أختها مارجريت.. تلقت تعليمها المعتاد لواحدة من بنات الأسرة الملكية فى بيت جدها، لكن برامج تعليمها وتثقيفها بعد تولى أبيها المسئولية اختلفت كثيرا بما يتوافق مع مركزها الجديد.. وشكل القصر الملكى «جمعية الفتيات المرشدات» التى ضمت الكثير من بنات الأسر الأرستقراطية فى بريطانيا خصيصاً لكى تتمكن إليزابيث من الاختلاط بدائرة أوسع من بنات جيلها وتعدد من دائرة معارفها خارج محيط القصر.. هذه الجمعية وسعت من نشاطاتها إبان سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) وكان لها دور فى التقريب بين فئات الشعب البريطانى وتوفير برامج تثقيفية للفتيات والسيدات ساعدتهن على القيام بدور إيجابى خاصة خلال الفترات التى كانت تتعرض فيها الجزر البريطانية للقصف الجوى وتشح فيها المواد الغذائية التى كانت تصرف مقاديرها الشحيحة بالكوبونات.. عندما بلغت سن 17 انخرطت فى خدمة فرقة المشاة المدنية، وهناك تعرفت على سبل أكثر تنوعاً لخدمة المجتمع كوجه من أوجه إعدادها لتولى المسئولية.. وبعدها بعامين انضمت للخدمة الإقليمية لرعاية المرأة العاملة.. ولأجل زيادة جرعات تدريبها وتنويع مصادر معارفها أصدر مجلس العموم مجموعة من القرارات التى سمحت لها بأن تكون ضمن خمسة مستشارين يقومون بتسيير أمور الدولة «فى حالة تعرض والدها لحالة عجز» تعوقه عن القيام بواجبه كملك للبلاد». • أول تعهد قبل الجلوس على العرش.. كانت إليزابيث فى رحلة إلى دول أفريقيا الجنوبية عام 1947 مع والديها، وفى أثنائها احتفلت بعيد ميلادها الحادى والعشرين، وبصفتها الرسمية وجهت رسالة باللاسلكى إلى أبناء وطنها ولشعوب مجموعة الكومنولث التى كانت آنذاك تتبع التاج البريطانى قالت فيها: «أعلن أمامكم أننى سأكرث حياتى كلها سواء كانت عمراً طويلاً أو قصيراً، لخدمتكم جميعا كعائلة كبيرة ننتمى إليها كلنا، ولخدمة إمبراطوريتنا العظيمة». • مشاكل عائلية قبل عقد القران.. لفت زوج المستقبل، الأمير فيليب مونتباتن أحد أبناء عمومتها من الدرجة الثالثة، نظرها لأول مرة عام 1934.. لكنها أعجبت به عندما قابلته للمرة الثانية بعد ذلك بثلاث سنوات ضمن زيارة لها إلى القاعدة الملكية البحرية بمدينة Dartmouth التى كان ملحقاً بطاقمها كضابط يعمل فى خدمة قوات صاحب الجلالة.. فى ذاك الوقت.. لم يكن الإعجاب كافياً لكى يتحقق الارتباط.. فهى لم تتعد الثالثة عشرة بعد.. وأخواته البنات متزوجات من نبلاء يحملون الجنسية الألمانية وعلى صلة وثيقة بالنازية التى كانت تبغضها أوروبا كلها فى تلك السنوات.. فوق ذلك كله كان وضعه المالى سيئًا بعض الشيء. • الحب يصنع المعجزات.. تخلى الشاب الوسيم عن ألقاب الإمارة التى كان يحملها من دولتى اليونان والدنمارك، لكى يكون ولاؤه بالكامل لبريطانيا.. وتحول مذهبيا من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية إلى الكنيسة الإنجليكية.. انخرط بشكل أوسع فى خدمة الأسطول البريطانى وشارك العديد من المعارك التى خاضتها سفنه خلال الحرب العالمية الثانية.. بعدها بدأ الحبيبان فى تبادل الرسائل الغرامية حتى أعلنت خطبتهما رسمياً فى يولية 1947. قبل حفل الزواج الذى عقد فى دير وستمنستر يوم 20 نوفمبر 1947 بلا إسراف لأن الاقتصاد البريطانى لم يكن قد تعافى بعد من ويلات الحرب، حتى إن العريس لم يتمكن من دعوة العدد الأكبر من أقاربه المنتشرين فى أنحاء عديدة من أوروبا، أنعم والد العروس عليه بلقب «دوق إدنبرة» ومنحه صفة «صاحب السمو الملكى». رزقت إليزابيث بطفلها الأول تشارلز فى أواخر عام 1948 وبعده بعامين رزقت بابنتها آن.. ولم يمنعها ذلك من القيام (كولية للعهد) بنشاطات متنوعة لتوسيع نطاق تعارفها على متطلبات الحكم فى قابل الأيام. وفيما بعد، لما اضطرتها ظروف تدهور صحة والدها خلال عام 1951 إلى تحمل جانب من المسئولية، لم تبدأ من الصفر وحلت محله فى الجولة الملكية التى كان قد خطط للقيام بها لزيارة كينيا ومنها إلى كل من نيوزلندا وأستراليا.. وقبل مغادرتها أولى محطاتها أبلغها زوجها بوفاة والدها أوائل فبراير 1952، فعادت معه إلى لندن للمشاركة مراسم دفنه ولوضع ترتيبات حفل تتويجها بالمشاركة مع رئيس الوزراء ونستون تشرشل. • أول حفل تتويج يشاهده الشعب.. لم تتخير إليزابيث لنفسها اسمًا ملكيًا كما فعل كل من سبقوها.. وقررت أن تحتفظ بلقب «وندسور» كعنوان لعائلتها استجابة لنصيحة تشرشل، بدلاً من أن تحمل اسم عائلة زوجها «مونتباتن».. ووافقت على أن تنقل مراسيم الاحتفال بتتويجها يوم 2 يونية 1953 على الهواء عبر شاشات التليفزيون إلى أفراد الشعب لأول مرة، مما حَبب أبناء المملكة المتحدة فيها وفتح قلوبهم لها، وهيّأ لها فيما بعد المكانة الاجتماعية الأثيرة التى تتمتع بها لدى غالبيتهم بمختلف توجهاتهم السياسية حتى اليوم. وقبل نهاية العام سافرت مع زوجها فى جولة حول المستعمرات البريطانية لمدة ستة أشهر، كانت الكاميرات المصاحبة لهما تنقل على فترات متتابعة إلى مواطنيها فى المملكة المتحدة ما يجرى لهما من استقبال وترحيب، الأمر الذى زاد من شعبيتها. هذه الشعبية نمت وتوسعت مع الأيام لأنها أدركت فى وقت مبكر العائد الحقيقى لقيمة التواصل مع أبناء شعبها ليس فقط اتساقاً مع واجبات وظيفتها الملكية.. لكن أيضاً استجابة لضرورات التلاقى مع الرأى العام الشعبى كلما تعرضت أسرتها لصدمة إنسانية.. كما حدث فى منتصف عام 1997 على أثر وفاة الأميرة ديانا مطلقة ولى عهدها وأم أول حفيدين لها.. وقبل ذلك عندما انفصلت ابنتها الأميرة آن (مواليد 1950) عن زوجها، وبعدها عندما أقدم ولداها الأمير أندرو (مواليد 1960) والأمير إدوارد (مواليد 1964) على تطليق زوجتيهما. الأكثر من ذلك .. أنها وافقت عام 1968 على أن تقوم الكاميرات بتتبع حياتها اليومية وتنقلاتها الروتينية وأدائها لمتطلبات وظيفتها. وبعد عام كامل من هذه التجرية الفريدة، شاركت إليزابيث الثانية مع بعض أفراد أسرتها وعدد من مستشاريها ومن تثق فيهم من إعلاميين وفنانين، فى اختيار الكثير من اللقطات التى صنع منها الفيلم الوثائقى المعروف باسم Royal Family / رويال فاميلى - الأسرة الملكية الذى قصد من ورائه إعطاء نظرة أكثر قرباً لحياتها الشخصية عندما عرض على شاشات التليفزيون لأول مرة منذ 46 عامًا.•