أعرف الفنان الكبير نور الشريف منذ سنوات.. كثيرا ما التقينا وفى أماكن متنوعة لكننى لا أنسى لقاءين بينهما أكثر من 20 سنة.. اللقاء الأول الذى كان فى مكتبه القديم بشارع الجمهورية فى وسط البلد.. واللقاء الأخير الذى كان صدفة منذ أيام قليلة فى مول أركان بالشيخ زايد وشتان بين اللقاءين. اللقاء الأول كان مبهجا ليس فقط لأنه كان أول تعارف بيننا وأنا ألتقى نجمًا كبيرًا فى بداية مشوارى الصحفى ولكن لأننى اكتشفت خلاله أن قضاء الوقت مع هذا الفنان الرائع ينقل إليك طاقة إيجابية وتفاؤلا وحبا للحياة وخبرات تحمل كلماتها وهو يتكلم عن الفن والحياة والسياسة.. وقتها كان نور فى قمة نجوميته ونضجه الفنى.. استمعت إليه فأدركت أننى أمام فنان مثقف بمعنى الكلمة مولع بعمله وبالقراءة والمعرفة.. فنان بدرجة محارب يصر على الاستمرار فى الإنتاج رغم ظروف السينما الصعبة.. وقتها كانت الكلمات تخرج منه إلى الورق مباشرة لا تحتاج إلى صياغة أو تنميق.. كانت كل كلمة تعرف طريقها إلى الورق.. لم يكن لديه ككثيرين كلام بلا معنى.. وجدت نفسى أمام فنان رائع ولهذا تمسكت بأن تستمر علاقتى به وبالفعل بعدها التقيت به كثيرا سواء فى مكتبه أو بيته. وفى كل لقاء لى معه كنت أكتشف جديدا فى هذا النجم الكبير الذى سمح لى بالاقتراب منه ولم يتردد فى أن يلتقى بى كلما طلبت.. لم أكن أعتبر نور الشريف وقتها فنانًا أجرى معه حوارات بين الحين والآخر كنت أراه دائما أستاذا يمكن أن تتعلم من كلماته الكثير. عرفت عنه حبه الشديد للقراءة ثقافة تبهرك وتغير انطباعك عن الوسط الفنى بأنه وسط لا يقرأ، جوائزه التى كنت أراها تملأ جدران بيته ومكتبه يستحقها وتستحقه وتشهد على عطاء ونضج وذكاء وجهد، أفلامه لا تمل من مشاهدتها أبدا. ورغم كل هذا النجاح ورغم أنه كان مطلوبا دائما من شركات الإنتاج كان نور مشغولا بالسينما وأحوالها وكان يحارب من أجل أن يستمر فى تقديم السينما التى يريدها وكان يعترف أنه أحيانا يضطر إلى تقديم فيلم لا يعجبه حتى يقدم فى المقابل فيلمًا يعجبه.. هى معادلة كان يدركها ويضطر إليها. نور نوعية من الفنانين لا تتكرر بسهولة يقدم الرومانسية فيتصدر فيلم مثل «حبيبى دائما» إيرادات السينما وقتها. يتألق فى الأكشن فيصبح فيلمه «ضربة شمس» واحدا من أهم أفلام الأكشن فى ذلك الوقت.. حتى وهو يقدم الكوميديا تجد خفة دم قادرة على إضحاكك من القلب.. وعندما يقرر الغوص فى الحياة الاجتماعية فأنت أمام «العار» واحد من الأفلام التى لا تنسى. مشوار نور الشريف يحتاج صفحات وصفحات للكلام عنه ونور الإنسان أيضا يحتاج صفحات مثلها.. نور الإنسان كان رجلا شديد الالتزام بكلمته.. محبا لابنتيه إلى أقصى درجة.. كان يريد دائما أن يؤمن مستقبلهما.. كان يفكر فيهما دائما ويخشى عليهما كثيرا.. نور الإنسان الذى حارب المرض اللعين فى أيامه الأخيرة ذلك المرض الذى لا يرحم.. ولا يعرف أنه يهاجم رجلا موهوبًا لا يتكرر.. فى وقت كان يحلم نور بالاستمرار ومواصلة العطاء. كثيرا ما التقينا لكن يظل عالقا بذهنى لقاؤنا الأول المبهج أما لقاؤنا الأخير الذى كان صدفة فقد كان فى مول أركان بالشيخ زايد ذلك الصباح الذى التقيته فيه وهو يحمل بعض الأشعة ويصعد بها إلى أحد المراكز الطبية وقتها سألته عن صحته فطمأننى بكلمات قليلة لكنه بالنسبة لى كان لقاء صادما لم يكن هذا هو نور الذى أعرفه مقبلا على الحياة محبا لها، كان المرض قد سحب الكثير من رصيد البهجة لديه وكأنه كان يشعر باقتراب النهاية, نهاية الجسد لكن يا أستاذ وإن نال منك المرض ورحلت فإنه لا يوجد شىء يستطيع أن ينال مما تركته من عطاء فنى سيزداد بريقه كلما مر عليه الزمن. •