ثلاثون عاما من الإهمال.. عانى منها صعيد مصر.. فقر وجهل ومرض وضعف التنمية وشبكات طرق متهالكة.. ومصانع محدودة الإمكانيات.. ودخل متدن.. كل تلك العوامل وضعت الحكومة الحالية فى مأزق كبير فرصد الكثير من الميزانيات الضخمة لم يكن متاحا الآن لتنمية مناطق الصعيد المتهالكة والتى تجد فيها بعض الجماعات الإرهابية مناخا خصبا لنشاطها بسبب تردى الأوضاع هناك. هل يساهم التقسيم الجديد للمحافظات فى تنمية الصعيد، خاصة بعد أن أصبح لكل محافظة مساحة على البحر الأحمر. فى سوهاج يوجد أربع مناطق صناعية معطل أغلبها بسبب ضعف الإقبال عليها وضعف شبكة الطرق ورغم أنها منشأة منذ عام 5991 إلا أنها لم تجن ثمارها حتى الآن فى جرجا وطهطا والحلايوة ومنطقة الكوثر الصناعية. ويعد نقص المياه ومشكلة الطاقة والطرق أهم العوامل فى تلك المناطق الصناعية هناك. وتتعثر 30٪ من مصانع المنطقة الصناعية فى أسيوط بسبب قلة العمالة هناك وضعف الموارد وعدم متابعة مشاكل المرافق هناك وكأن المحافظة معزولة عن الحضر. ففى منطقة الصفا بأسيوط أكثر من 20مصنعا متوقفا ومغلقا عن العمل بسبب المشاكل هناك والمصاريف التى يتكبدها المستثمرون دون جدوى فهجروها وأغلقوها بشكل مؤقت حتى يجد جديد ورغم أن المنطقة المقامة ل800 مصنع على مساحة 420فدانا إلا أن المستغل منها 40٪ فقط! ورغم أن محافظة قنا أخف وطأة فى المشاكل هناك إلا أن مشاكل المياه والصرف الصحى والنقل من أهم المعوقات للمنطقة الصناعية هناك وأنشأت الدولة 3مناطق صناعية على أرض محافظة قنا الأولى بمركز «قفط» وتبلغ مساحتها 595 فدانًا، والثانية بمركز نجع حمادى ومساحتها 366فدانًا، والثالثة مجمع الصناعات الصغيرة بالصالحية ومساحتها 50 فدانًا ولكن بحاجة إلى إعمار كبير هناك. نظر الدولة نحو الصعيد تكفيه العين المجردة كى تلاحظ المعاناة الشديدة فأكثر من 60٪ من المناطق هناك سكانها تحت خط الفقر وأصبحت سياسة «البطاطين والأسقف وتوصيل المياه» مسكنات انتهى مفعولها أمام الكثير من المطالب التى تحتاجها المناطق هناك. وتعد محافظات الصعيد من المناطق الأكثر فقرا فى مصر وكانت محافظة أسيوط المتصدرة وفقا لآخر إحصاء من جهاز التعبئة العامة والإحصاء وبها الكثير من القرى والمناطق الفقيرة ويتراجع الأمر تدريجيا فى التنقل من الصعيد إلى الحضر. ∎ مشاكل كبيرة تحاول وزارة التنمية المحلية حصر المناطق الصناعية فى الصعيد والبالغ عددها 63 والعمل على رفع حصار التعثر عنها خاصة الاستثمار فى الصعيد رغم وجود بعض التسهيلات فيه عن أى مناطق أخرى إلا أن هناك الكثير من المشاكل الكبيرة التى لا يمكن حلها هناك. ومن أهم المشاكل التى تعانى منها المناطق الصناعية تردى بمنظومة النقل وارتفاع تكاليفها وتحديث التشريعات المنظمة لحركة الاستثمار وتطوير البيئة التحتية واستكمال ترفيق الأراضى الصناعية بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بتوفير التمويل اللازم للمشروعات الصناعية بهذه المحافظات وإعادة النظر فى الرسوم المفروضة من بعض الأجهزة والمحليات والتى تمثل عبأ على تلك المشروعات. وأمام تدنى الأوضاع الاقتصادية فى الصعيد باتت القاهرةومحافظات الوجه البحرى وجهة للكثير من أبنائه بسبب ضعف الدخل هناك وفرص العمل القليلة وتطلع الكثير منهم لتحسين أحوالهم المعيشية مما تسبب فى زيادة الازدحام فى العاصمة والتنافس الشديد على فرص العمل خاصة الأعمال المهنية واليدوية. ∎ عمل شاق أكد أحمد عبد الحافظ رئيس قسم الاقتصاد بجامعة 6 أكتوبر أن الصعيد كان دائما محل متاجرة فقط من النظام السابق لكن لم تكن هناك تنمية حقيقية تحدث هناك خاصة أن القرى الفقيرة أصبحت أكثر فقرا والخدمات باتت منعدمة وبالتالى فإن إدخال المرافق مثل المياه والكهرباء والغاز الطبيعى كان حلما بعيد المنال فكان السخط هو المسيطر على الدولة خاصة أن معدلات البطالة هناك كبيرة ولا توجد أى تنمية أو تدريب للشباب هناك. وأشار عبد الحافظ أن الوقت الحالى يحتاج الكثير من العمل ورصد الميزانيات الكبيرة من أجل تنمية الصعيد ولكن فى الوقت الذى تعانى منه الميزانية العامة للدولة بسبب كثرة الالتزامات التى تضعها فوق عاتقها سيحتاج الأمر إلى بعض الوقت من أجل البدء فى تنمية حقيقية فى الصعيد خاصة أن الوضع الحالى والمتردى ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتم معالجته سريعا. وأضاف عبد الحافظ أن نظر الدولة الآن نحو مناطق الصعيد يعد من أهم عوامل حل المشكلة الكبيرة التى تعانى منها بسبب غياب المستثمرين عن الذهاب إلى هناك بسبب المشاكل الكبيرة وحتى مع وجود تسهيلات فى الاستثمار فى المناطق الصناعية فهناك الكثير من المشاكل التى تعانى منها والتى تجعل أى تسهيلات لا تقارن أمامها. وعتبر عبد الحافظ مناطق الصعيد بمثابة الكنز الذى بحاجة إلى استغلاله فكل محافظة تشتهر بصناعة معينة أو زراعة خاصة بها وبالتالى فإن ذلك يعد من أهم عوامل جذب الاستثمار هناك. ∎ طرق متهالكة أكد الدكتور جمال هيكل أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية أن فكرة اللجوء إلى المناطق الصناعية فى الصعيد أمر جيد ولكن لن تجدى فى ظل تردى منظومة النقل هناك. وشدد هيكل على ضرورة الاهتمام بشبكات الطرق هناك لأن المستثمر الذى يرغب فى إقامة مصنع أو نشاط اقتصادى هناك يعلم تماما أن السوق فى الصعيد محدود للغاية نظرا لتدنى مستوى الدخل فيكتفى أبناؤه بشراء احتياجاتهم الأساسية والضرورية فقط وبالتالى فإن تنوع الأسواق هناك أمر غير طبيعى لأن المستهلك نفسه له مواصفات خاصة لا تتسق مع ما يرغب فيه المستثمر لذا فلابد من نقل المنتجات من المناطق الصناعية فى الصعيد إلى الأسواق فى القاهرة ومناطق الوجه البحرى كى يحاول تحقيق ربح وهنا فإن منظومة الطرق عليها عامل كبير فى الاستثمار هناك ومع كثرة الحوادث التى تشهدها الطرق فإن المخاطر الاستثمارية فى الصعيد ترتفع بشكل كبير وتكلفة اللجوء إلى شركات التأمين ستضاف إلى تكلفة الإنتاج وبالتالى فإن الامتيازات التى سيحصل عليها المستثمر فى الصعيد ستقل طالما ارتفعت تكلفة المنتج نفسه وداهمته المخاطر. وأشار هيكل أن الاستثمار فى الصعيد وإن كان هناك فى العهد الماضى كلام على ورق إلا أن التفات الدولة حاليا نحو تلك المناطق المتطرفة والقرى البعيدة عن العمران يؤكد الاهتمام بالعناصر البشرية وإدراكها بأن عليها دور فى الدخول فى منظومة التنمية لأن الاستفادة من المجهود البشرى مهم للغاية لأن الدولة لن تشهد أى تقدم طالما أن غالبية القوى البشرية معطلة ولا تعمل. وأوضح هيكل أن الصعيد به الكثير من الثروات والمناطق السياحية وارتفاع درجة الحرارة هناك سيفيد فى بعض الصناعات وسيتيح استخدام الطاقة الشمسية والتى تحتاج إلى درجة حرارة كبيرة تساهم فى تحويلها إلى طاقة كهربية. وأضاف هيكل أنه يجب أن تكون هناك خطة واضحة لتنمية الصعيد ومحددة الأهداف وبها رقم مالى مناسب حتى يمكن محاسبة المقصر لأن الصمت أكثر من ذلك على تلك المناطق سيزيد من الفجوة بين أهالى الصعيد والمناطق المتحضرة. واختتم هيكل حديثه بأن هناك مشروعًا من بعض رجال الأعمال يهدف إلى اهتمام كل عدد منهم بمحافظة معينة ولكن هناك بعض الغموض بحاجة إلى توضيح بهذا الخصوص. ∎ اقتصاديا لا يكفى أكد سعيد عبد الخالق وكيل وزارة التجارة الداخلية السابق أن محافظات الصعيد الأفقر على مستوى مصر ولابد من تنميته ليس فقط من الناحية الاقتصادية ولكن من الناحية الثقافية والاجتماعية لأن كل جانب يكمل الآخر. وأشار عبد الخالق أن حكومات سابقة وضعت الصعيد ضمن أهدافها ولكن للأسف لم يتحقق ذلك وباتت قليلة الحظ فى التنمية وكان هناك مشروع فى الماضى تحت اسم 1000 قرية الأولى بالرعاية ونحتاج إلى متابعة تلك المشروعات وتقييمها فى نهاية المطاف. وأكد عبد الخالق أن تنمية مناطق الصعيد أمن قومى لأن الوضع المتردى لن يستمر طويلا وسيسفر فى النهاية عن انفجار حالة الغضب نتيجة التجاهل المستمر لتلك المناطق ورغم وضع الصعيد ضمن حسابات الحكومة، إلا أن الحديث على الورق لا يكفى والتنفيذ على أرض الواقع هو الأهم فى المرحلة المقبلة لاسيما أن العمل على تنمية تلك المناطق خير دليل على مواجهة الإرهاب الذى ينمو فى مناطق الجهل والفقر والمرض لأن تلك المشاكل هى البيئة الطبيعية لظهور الفكر المتطرف.