بترقب شديد وبعد حالة من تجمد نشاطه السينمائى لظروف خارجة عن إرادته، دخل «ناصر عبدالرحمن» عالم الدراما التليفزيونية من خلال «جبل الحلال»، مشروع تأخر لحوالى 17عاما ولكن «كل تأخيرة وفيها خيرة» أبو هيبة فى جبل الحلال عرض لنا بأسلوب أقرب ألى الشعر منه إلى سيناريو عمل تليفزيونى حالة إنسانية متفردة لمنصور أبو هيبة ذلك الرجل الأسطورى المليء بالتناقضات ولكنك لا تملك سوى أن تحبه وتتعاطف معه، نموذج للخير والشر وإسقاط لحالة التخبط التى نعيشها، معركة الحلال والحرام، الخير والشر، من يمتلك الجذور ومن لا أصل له، عبيد الأرض وأسيادها كلها أمور تطرق إليها جبل الحلال، ويظل السؤال أبو هيبة أسطورة أم واقع؟ بعد فيلمه «كف القمر» ابتعد ناصر عن السينما لظروف عديدة، افتقدناه وافتقدنا قلمه ولكنه عاد مع أبو هيبة فى ملحمة إنسانية نسج خيوطها بإبداع وانسيابية شديدين ناصر عبدالرحمن:
«جبل الحلال» من أين بدأت فكرة تقديم عمل عن تلك الحياة التى لا يعلم معظمنا عنها شيئا، خاصة أن المشروع قائم منذ عام 97 عاما؟ ما يؤكد أن النشأة لها تأثير فى المخيلة فأنا أول فيلم كتبته كان «المدينة» وكان يدور حول نقل سوق روض الفرج وأنا أصلا نشأت فى روض الفرج وثانى فيلم كتبته كان «أبو هيبة» أبويا كان لديه محل فى سيدنا الحسين فى شارع اسمه «الصنادقية» وهى بالمصادفة يوجد بداخلها زقاق المدق والسكرية وفى آخر الشارع يوجد خان الخليلي، وطوال الوقت تباع حولى أوراق البردى والتماثيل الفرعونية ومحاط بهما طوال الوقت، وفكرت أن أكتب فيلما عن الآثار، خصوصا إذا اكتمل الضلع الثالث فى المثلث بجذورى الصعيدية فى سوهاج من منطقة الكوامل التى يوجد بها جبل مساخة الذى ذكرته فى المسلسل وكانت هناك روايات عن محاولات عديدة لدخول الجبل وسرقة الآثار منه وشاهدت بنفسى بانيو فرعونيا فى زياراتى لتلك المنطقة، كل تلك العوامل شكلت شغفى بهذه المنطقة والغموض المحيط بها، عام 97 قابلت الفنان محمود عبدالعزيز عن طريق المخرج محمد ياسين وقدمت له فكرة أبو هيبة ولم يكن فيلم المدينة قد عرض بعد، وجدت اهتماما شديدا بالفيلم وتشجيعا منه لإنهاء السيناريو وكان عملا صعبا جدا وقتها وتفاصيله كثيرة وكانت فكرته تقوم على اكتشاف أبو هيبة للآثار فكان يختار بين الإعلان عنها أم بيعها إلى أن يقرر أن يعلن عنها، ومع الوقت توقف مشروع الفيلم لظروف إنتاجية بسبب تكلفته العالية، وأعتقد أن هذه طبيعة أى عمل يدور حول الآثار وتلك المناطق الصعبة فهذا يتطلب تكلفة إنتاجية عالية، ومع مرور الوقت نسيت المشروع، ولكن ظل التواصل بينى وبين الفنان محمود عبدالعزيز من وقت إلى آخر فى المطلق ولم نتطرق إلى موضوع أبو هيبة، إلى أن كلمنى منذ عام تقريبا وقال لى «عايزين نعمل أبو هيبة» وذهبت إلى مكتبه على اعتبار أننا سنقدمه كفيلم وتطورت الفكرة إلى أن نقدمه كمسلسل، وقال لى إذن كيف سنحول عملا من ساعة ونصف إلى ثلاثين حلقة، ومن هنا جاءت فكرة خلق حدوتة أخرى يقوم عليها المسلسل بجانب الفكرة الأساسية فكانت فكرة السلاح والآثار وعلاقته ببناته وقدمت المعالجة على هذا الأساس وتقابلنا أكثر من مرة بعد هذا معه ومع المخرج عادل أديب.
إذن نشأتك الصعيدية هى سبب تعلقك بهذا الجزء الساحر من مصر، واستدعيته أثناء كتابة العمل؟ فكرة الصعيدى النازح للقاهرة جذابة جدا وإذا نظرت إلى كل أعمالى بداية من المدينة وحتى جبل الحلال ستجدين أن كل شخصيات أعمالى عن صعيدى يعيش فى القاهرة لأن هذا ما عشته وأهلى وأمى ومعظم أقاربي، فالصراعات التى تدور داخل أى شخص عنده جذور من بلد فى صعيد مصر غالبا المدينة تغير فيه خاصة المناطق القاسية فى ناحية الجبل التى تؤثر على طباعهم فيكونون أكثر قسوة مقارنة بالمستقرين ناحية النيل، ستجدين هذا الصراع فى شخصيات أعمالى بداية من على فى فيلم «المدينة» حتى ياسين فى كف القمر الذى قرر أن يسير وراء قلبه حتى لو كانت حبيبته راقصة، وكذلك أبو هيبة. «الشمال» أصبح أسلوب حياة
شمال أبو هيبة له قانون منذ بداية عرض برومو المسلسل أثارت هذه الجملة انتباه الكثيرين، هل فعلا الشمال ممكن أن يكون له قانون؟ فكرة الحلال والحرام هى موضوع المسلسل بالأساس والعجيب أننا لا نجد أى شخص متلبسا بجرم ما سواء قتل أو سرقة أو غيرهما إلا ويبرر لنفسه كل ما فعله، وهذا موجود داخل أى شخص حتى عندما يعاكس فتاة فيقول «النظرة الأولى لي» ومن يشرب الحشيش يبرره بأنه هواء وغير مؤذ وهكذا طوال الوقت هناك مبررات للغلط، إذن الشمال أصبح أسلوبا وأصبح له مبرراته وجبل حلال كل واحد فينا غير مفروز ومبنى على خطأ وبدون مبادئ، وهذه هى فكرة المسلسل «جبل حلال كل واحد فينا»، أبو هيبة مثلا يتاجر فى السلاح ولكن لا يعطيه إلا لمن يظن أنه يستحقه وهذه هى وجهة نظره وهذا ما يفعله كل واحد فينا يبرر أخطاءه ليتسق مع نفسه ومع ما يدور حوله.
المعالجة كانت أصلا لفيلم هل كان من الصعب تحويلها إلى مسلسل من 30 حلقة ؟ تمسكت بأبو هيبة «بأيدى وأسناني» كان هو الأساس أردت أن أتحدث عنه ويتكلم هو عن نفسه وبدايته وحياته وكان هذا سهلا ولم يجهدنى ولكنى تعبت فى الشخصيات الموجودة حوله والعالم المحيط به خاصة أسرته، فأبو هيبة فى الفيلم كان وحيدا تماما فى مكان شبه مهجور وليس لديه علاقات نسائية إلى أن وقع فى حب فتاة، ولكن فى المسلسل اختلفت المسألة فكانت هناك زوجة وبنات وورث وخلافات حوله، ومن ثم بدأت الخيوط تظهر وتتشابك.
احتوى العمل على إسقاطات سياسية عديدة مثل شخصية الغجرى «كين»؟ بالطبع تعمدت هذا طوال الوقت خاصة الإسقاط فى العلاقة بين كين وأبو هيبة وهو الصراع بين من لديه الجذور وعديم الجذور والهوية وبين صاحب المكان وبين من يحاول الاستيلاء على المكان وزعزعة أمنه وأمن أهله، هذا غير القوى الخارجية التى تحقق مصالحها بتجارة السلاح وتستفيد من الظروف السيئة فى المنطقة للتربح. لكل واحد فينا جبل حلاله وحرامه عام 97 كيف تماشت الإسقاطات السياسية فيه مع ما نعيشه فى 2014؟ علمنا أستاذ محسن زايد أن أى تيمة نكتبها لها علاقة بحادثة ما مرتبطة بتوقيت معين فإن هذه التيمة تموت بانتهاء الحدث وأصبحت كالموضة، مثلا كتناول الثورة فى عمل فنى فهناك أكثر من زاوية لو تناولتها من جانب نفسى كالمشاعر والغيرة والحب فأنا هنا تناولتها من جانب غير مرتبط بتوقيت معين، هذا ما قدمته فى جبل الحلال وجعله هذا معاصرا.
الجمل الحوارية فى «جبل الحلال» كانت أقرب للشعر، هل تعمدت ذلك أم أن الأفكار والأحداث هى التى فرضت ذلك عليك؟ لغة الصعيد نفسها موحية جدا وكلامهم أقرب للشعر وجملهم تحمل الحكم، لو رجعت إلى فيلم «كف القمر» ستجدين أن كلماتهم كلها حكم فالصعايدة، لديهم هذه اللغة، فهذا ليس استعراضا لقدراتى فى الكتابة بقدر ما هو أمر واقع فى الصعيد، بالإضافة إلى أننى أثناء قراءتى لرسائل الفراعنة وجدتها جميعا أقرب للشعر الفلاح الفصيح وكتاب الموتى وغيرهما من نصوص.
معظم أعمالك استشرفت بحدث بعينه كيف كانت رؤيتك فى جبل الحلال؟ يكفى أننى أقدم بطلا يعمل فى أعمال ممنوعة ولكنه مضطر أن يستمر فيها فقط لكى يكون موجودا، وهذا واقعنا الآن، نحن الآن مجبرون تماما أن نستمر، بالإضافة إلى أن الشر والمؤامرات فى حياتنا أصبحت على المكشوف وبدون استحياء، كما أن صراع أبو هيبة «جوة وبرة» مثل الصراع الذى نواجهه نحن الآن فى مصر فى الداخل والخارج.
ما الجديد لديك للسينما للعودة لمرحلة الخطوبة «السينما»؟ أقدم فيلما جديدا إنتاج السبكى بعنوان «أتعشت» وآخر بعنوان «أرض النعام» والثالث اسمه «بهية».
ماذا عن «برج حمام»؟ مشروع لفيلم لى مع «خالد يوسف»، ومازال مؤجلا حتى الآن بعد أن بدأنا الإعداد له منذ فترة لانشغالات المخرج.