قهر المرأة فى مجتمع ذكورى أصبح هو سمة المجتمعات العربية، وأصبح اتهامها بجرم لم ترتكبه من موروثات تلك المجتمعات وترى أن المرأة هى السبب فى كل مصيبة تحل بالأسرة فهى السبب الذى أدى لطلاقها وشحن أبنائها بالأمراض النفسية وملابسها وراء تحرش الآخرين بها، حتى اختيارها لشريك حياتها غالبا ما يقابله اتهام لمجرد أنها اختارت زوجا ليس على هوى المجتمع الذى تعيش فيه - فقد يكون أكبر منها عمرا أو هى أيسر حالاً مادياً منه- أما البنات فحدث ولا حرج عن القهر النفسى الذى يعشنه يوميا سواء فى عملهن أو حياتهن الخاصة، تلك هى قضية السيناريست وسام سليمان فى رابع عمل سينمائى لها بعد أفلام «أحلى الأوقات» و«بنات وسط البلد» و«شقة مصر الجديدة»، وكعادة وسام سليمان نجدها فى فيلمها الجديد ترصد عن قرب أدق تفاصيل حياة البنات.. أحلامهن وانكسارهن والأمل فى الغد والمستقبل، فأفلامها لا مجال فيها للاستسلام. فيلم «فتاة المصنع» نستطيع القول إنه فيلم تجارى يحمل روح السينما المستقلة نظرا لاشتراك أكثر من جهة بإنتاجه أولهم المنتج محمد سمير ووزارة الثقافة، وهذا فى حد ذاته يستحق التحية لصناعة الذين لم يوفروا أى جهد وسعى لخروج هذا العمل للنور.. أحيانا المتفرج يشاهد فيلما سينمائيا ويغير حالته النفسية من الاكتئاب للإقبال على الحياة وبث الأمل فى الغد وفيلم «فتاة المصنع» من الأفلام القليلة التى تغير حالتك المزاجية للأفضل. فأنت أمام شريط سينمائى يحمل توقيع مخرج مخضرم تتملكه روح شبابية وهو يصنع أفلامه وأمام سيناريست تتفق رؤيتها ووجهة نظرها مع مخرج أفلامها، فالاثنان يرفضان فكرة استسلام شخصيات أفلامهما للواقع المرير دائما تجد بطلات أفلامهما يحلمن بالغد والأمل فى المستقبل وهذه صفات لا تتوافر إلا فى المرأة القوية.
نستطيع القول بضمير مرتاح أن بطل فيلم «فتاة المصنع» هو سيناريو وسام سليمان والإخراج الذى ترجم السيناريو لصور متلاحقة على شريط سينمائى مفعم بحيوية الشباب نفتقدها لدى كثير من أفلام المخرجين. والدليل على ذلك أن المخرج المخضرم محمد خان أسند بطولة فيلمه للوجه الجديد ياسمين رئيس، فالسيناريو مثلما قلت من قبل هو البطل وشخصياته طازجة، وبالتالى وجود نجمة لها اسم من الموجودات على الساحة لن يفيد، بل على العكس قد يضر بمصداقية أداء الممثلة سواء من الناحية العمرية لها أو من أعمالها الفنية السابقة الراسخة فى ذهن المتفرج وبالمناسبة فقد كانت روبى هى بطلة «فتاة المصنع» وبغض النظر عن أسباب عدم استقرار الدور عليها، فالمؤكد أن هذا كان فى مصلحة الفيلم لأن وجود وجه جديد فى دور فتاة المصنع سيكون أكثر إقناعاً للمتفرج، فرغم أن ياسمين رئيس لها أدوار صغيرة ببعض الأعمال الفنية المهمة إلا أنها لم تعلق مع المتفرج رغم براعتها فيما أدته من مشاهد قليلة فليس بالضرورة أن يشاهد الجمهور العملين أو الثلاثة التى شاركت فيها ياسمين رئيس بدرجة تجعله يتذكر أعمالها، ولذلك يعتبر فيلم «فتاة المصنع» هو بداية ميلادها الفنى وتستطيع بسهولة تدشين نفسها كممثلة متميزة - خاصة أنها تعتمد على الممثلة الموجودة بداخلها التى تجيد التعبير بالوجه والعين دون أن تنطق بكلمة - بين بنات جيلها باختياراتها لأدوار مهمة بغض النظر عن وهم النجومية الزائف الذى أثبتته الأيام من خلال نجمات الجيل السابق فليس من المفيد أن تتصدر الممثلة الأفيش وتقدم عملا يخصم من رصيدها.. كعادة وسام سليمان فى أفلامها فهى دائما تلتقط بطلاتها بعين الخبير من وسط المجتمع شخصياتها ناس حقيقيون يعيشون بيننا لهم عالمهم الخاص الذى لا نعلم عنه شيئا، لكنها تسلط عليه الضوء وتجعلنا ننتبه لهذا العالم ونتفاعل معه ومع شخصياته.. ياسمين رئيس «هيام» إحدى فتيات المصنع هى الشخصية الرئيسية فى السيناريو ويدور فى فلكها أو عالمها مجموعة من النساء سواء داخل منزلها - «الأم» سلوى خطاب أو «الخالة» سلوى محمد على أو الجدة - أو زميلات عملها بالمصنع نحن نراهن على طبيعتهن سواء فى الهمسات الخاطفة بين بعضهن البعض أثناء العمل أو فى الاستراحة أثناء تناولهن الفطور بعد قيام إحداهن بتولى مهمة إحضاره أو نظراتهن للمدير الجديد «هانى عادل»، وكل واحدة منهن تمنى نفسها بالفوز به، وبلا تفكير تندفع هيام فى محاولة منها للإيقاع به فقد اعتقدت خطأ أن الحب لا يشترط فروقا، فما المانع أن يحب المهندس «هانى عادل» عاملة المصنع؟! لذلك لم تجد حرجا فى فرض نفسها عليه وعلى والدته ببعض المشاهد الكوميدية التى صاغتها مؤلفة الفيلم بحرفية. ومن خلال شريط سينمائى مُمتع يأتى المشهد الذى يحول حياة ياسمين رئيس «هيام» لجحيم سواء فى عملها أو فى أسرتها عندما تكتشف مشرفة المصنع وجود اختبار الحمل بالمصنع لتتجه أنظار الاتهام لكل من فى المصنع إلى «هيام» لمعرفتهم بعلاقة هيام بالمهندس.. ونرى ظلم المحيطين بهيام سواء من أسرتها أو من زميلات المصنع، رغم أنها عذراء بختم ربها كما كشف الطبيب لأسرتها بالمستشفى.
ويخرج خان بالكاميرا للأزقة التى تسكنها فتيات المصنع.. ضيق الحارة لم نشاهده من قبل فى عمل سينمائى بهذه الروعة التى صورها خان.. نحن نشاهد ياسمين رئيس «هيام» وزميلتها فى المصنع تكادان تسلمان على بعضهما باليد من خلال شرفتى منزلهما المقابلين لبعضهما، وأيضاً مشهد سيرهن فى الحارة ومعاكسة شباب الحارة لهن. ومشهد هيام المتكرر وهى فى الفرن بالحارة لكى تأتى لجدتها بالخبز ولا تسلم من توبيخها.
حتى ملابس فتيات الحارة ومصنع الملابس كان فى غاية التوفيق من قبل مصممة الأزياء.
أسرة هيام كما صاغتها وسام سليمان مليئة بالتفاصيل الصغيرة المثيرة بداية من علاقة سلوى خطاب أم هيام بزوجها الذى يصغرها ومرورا بخالتها سلوى محمد على المطلقة وانتهاء بالجدة القاسية التى تقص شعر هيام بعد أزمتها العاطفية، ولا تخلو تلك التفاصيل من الكوميديا المرتبطة بسمات الشخصيات نفسها. مثل مشهد ذهاب سلوى خطاب «عيدة» إلى جدة ابنتها لأبيها عندما قصت لها ما حلمت به وأن زوجها المتوفى ظهر لها بالفيلم وهو فى سيارة سوداء كبيرة يسأل عن أمه فى إشارة إلى أن الجدة ستتوفى قريبا كعقاب لها على قصها شعر ابنته ياسمين رئيس «هيام»، لنرى الرعب فى عين الجدة.
سلوى خطاب تستطيع دائما خطف عين المتفرج فى كل دور تلعبه، وقد سبق لها لعب دور الأم لكن مع محمد خان كان تألقها بمذاق مختلف، أيضا سلوى محمد على رغم تميزها فى أدوارها السابقة إلا أن دور خالة ياسمين رئيس «هيام» كان له خصوصية فهى المرأة المطلقة التى تعمل فى سنترال خاص صباحا وتتعرض لتحرش من صاحب العمل فى المساء خادمة فى بيوت الأثرياء ودائما هى مُتهمة أمام ابنتها المراهقة وتربطها علاقة وطيدة بابنة شقيقتها ياسمين رئيس «هيام» وتفشى لها بسر عملها بالبيوت وتستقطبها للعمل معها، لكننا نشاهد هيام فى أحد المشاهد بعد صدمتها فى الشخص الذى أحبته تدين خالتها وتقول لها: «انتى اللى علمتينى الخدمة فى البيوت وجعلتينى أتعامل مع المهندس صلاح ووالدته كخادمة».. تحية للمخرج محمد خان فبحرفية شديدة استطاع توظيف أغانى السندريللا سعاد حسنى داخل أحداث الفيلم فهى لسان حال بطلة الفيلم ياسمين رئيس فكل حدث يمر بها لابد أن تجد الأغنية التى تتوافق مع حالاتها ويحسب للمخرج مجهوده فى اختيار تلك الأغانى وكأنه يهدى فيلمه لروح سعاد حسنى، خاصة أن بعض أغانى سعاد حسنى نادر توافرها وأيضا جانبه التوفيق فى اختيار زميلات هيام فى المصنع خاصة صديقتها المقربة وهى ابتهال ابنة الفنان سامح الصريطى وهى من الوجوه الطازجة المبشرة .