فى أواخر سنة 2003 قرر مجموعة من أساتذة الجامعات تأسيس مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات والمعروفة إعلاميا بحركة 9 مارس، والتى لفتت الأنظار إلى تدخل قوات المخابرات والشرطة فى الجامعات فى كل نشاط يتم داخلها، من الدعاية الانتخابية لاتحاد الطلاب إلى المحاضرات وحتى أسماء المشاركين فى المؤتمرات والندوات، واستطاعت تلك المجموعة بعد صراع طويل مع القضاء وقبل بضعة أشهر من اندلاع الثورة ضد مبارك.الحصول على حكم قضائى يقضى بإلغاء الحرس الجامعى المنافى لمبدأ استقلال الجامعات. ومع بداية الفصل الدراسى الثانى وتزامنا مع احتقال الحركة بذكرى تأسيسها الحادية عشرة، تطل الأزمة من جديد ، بصدور حكم محكمة الأمور المستعجلة بعودة الحرس الجامعى مرة أخرى للجامعات، الحكم قوبل برفض كبير - على غير المتوقع - من قبل الأوساط الجامعية حتى فى الجامعات التى عانت مرارة العنف الطلابى الذى مارسه طلاب الإخوان طيلة فترة الفصل الدراسى الأول والتى تسببت بشكل مباشر فى تأجيل الدراسة لأكثر من مرة، أسئلة كثيرة دارت فى ذهنى حول أسباب رفض الحكم، ومدى جاهزية الأمن الإدارى للتصدى لأى شغب قد يقوم به طلاب الإخوان فى الأيام القادمة، وعن مدى استعدادات الجامعة من الناحية الأمنية، وللإجابة عن تلك الأسئلة قررت قضاء يوم بصحبة أفراد الأمن الإدارى على بوابات جامعة القاهرة.
∎ تعليمات مشددة
من أهم الملاحظات التى يمكن ذكرها عن ذلك اليوم هو وجود تشديد أمنى على كل مداخل جامعة القاهرة، فمشاهدة كارنيهات الدخول لكل الطلاب هي أمر ضرورى لا يتم التساهل فيه تحت ضغط الزحام الشديد الذى قد يتسبب فى طوابير قد تمتد لمئات الأمتار، بالإضافة إلى تفتيش الأمن لسيارات أعضاء هيئة التدريس عند دخولهم دون تهاون، أما فتيات الأمن الإدارى- حديثو العهد بالمهنة - فيفتحن حقائب الطالبات ويقلبن فى متعلقاتهن الشخصية باهتمام ففيما يبدو هناك تعليمات صارمة بالتركيز على تفتيش الحقائب جيدا، علياء هى إحدى فتيات الأمن الإدارى التى تقف على الباب الرئيسى للجامعة، سألتها بينما كانت تفتش حقيبة إحدى الطالبات باهتمام عن قصة عملها كفتاة أمن تقول: تقدمت للعمل عندما تم الإعلان عن تلك الوظيفة وعندما تم قبولى استلمت عملى بداية من شهر يناير وتم تدريبى لمدة شهرين على كيفية التعامل الأمنى على البوابات، واليوم أنا أمارس عملى رسميا، أما عن المؤهلات المطلوبة لشغل تلك الوظيفة فتقول، ليس حقيقيا ما يشاع حول أننا جميعا خريجات كلية التربية الرياضية، فمعظمنا كذلك، لكن الكثير منا خريجات كليات مختلفة، وأنا شخصيا خريجة كلية التجارة جامعة القاهرة، أما عن المواقف التى قابلتها أثناء تأدية وظيفتها فتقول: معظم الفتيات يقابلن تفتيش حقائبهن بترحيب شديد، لأن ذلك ينمى بداخلهن إحساس الأمان، لكن بعضهن يتذمرن من فتح الحقائب، ويتعجبن من ذلك، فالموضوع مازال جديدا على الطالبات اللاتى يقابلن ذلك بنوع من الاستغراب، ومع ذلك فالتعليمات التى لدينا هى شرح الأمر بهدوء للرافضات، ومقابلتهن بابتسامة، سألتها هل صادفت من ضمن هؤلاء الرافضات أى فتاة تحمل ممنوعات داخل حقيبتها، قالت بالتأكيد فقد تحفظت على إحدى الطالبات اليوم تحمل صاعقا كهربائيا وسلمتها لمدير الأمن، فكل مهمتى التفتيش وضبط المخالفات وتسليمها لمدير الأمن دون أى مواجهة منى، فبعد تلك المرحلة تنتهى علاقتى بالطالبة، فهو من يقوم بسحب كارنيها الجامعى والتعامل معها، أما عن الراتب التى تتقاضاه علياء فلم ترغب أن تذكره لى تحديدا واكتفت بوصفه مبلغا معقولا خاصة أنهن مازلن فى بداية حياتهن العملية، مؤكدة أنها لاتخاف من عملها كفتاة أمن لأنها لاتؤدى سوى عملها المطلوب منها وكونها داخل أسوار الجامعة فإن ذلك أكثر أمانا لها من أى عمل آخر، أما عن قضية عودة الحرس الجامعى من عدمه فهو أمر لايشغلها بالا، حيث تقول، لا أدرى أيهما أفضل وجود الحرس الجامعى أو بقاء الأمن الإدارى لكننى أعتقد أن القائمين على أمر الجامعات سيبحثون عن الاختيار الأمثل لتطبيقه.
∎ قبلة الحياة
هذا الرأى يخالفه محمد بشدة وهو أحد أفراد الأمن الإدارى الذين يقفون أمام البوابة، حيث يقول: أعمل منذ عام ونصف فى هذه المهنة، واجهت خلالها العديد من المخاطر، لا سيما أثناء فترة الفصل الدراسى الأول، حيث كانت تظاهرات الإخوان على أشدها، لذا فمن الطبيعى أن أكون أكثر شخص يتمنى عودة الحرس الجامعى حتى يزيل الحمل عنا، لكن الحقيقة لا أتمنى ذلك، لأن عودته معناها إعطاء قبلة الحياة مرة أخرى للعنف الإخوانى الذى سيجدها فرصة لتجديد تظاهراته بل وسيستقطب معه طلابا آخرين رافضين لعودة الحرس الجامعى، ثم ما تلبث أن تتم مواجهات تنتهى بمزايدات ومتاجرة على قناة الجزيرة وهذا ما يتمناه الإخوان فى هذه المرحلة، فأنا فى اعتقادى الشخصى أن وجود الشرطة خارج أسوار الجامعة، وتدخلها عن اللزوم هو أقصى ما تحتاجه الجامعات الآن لتفويت الفرصة.
∎ كسر روح الشباب
وفى أثناء حديثى مع محمد لمحت دكتورة ليلى سويف عضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات تمر من البوابة، سألتها عن رأيها فى عجالة فقالت: الحكم سياسى بالأساس أكثر منه قضائيا لسبب بسيط، وهو أن محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة بالفصل فى هذه الأنواع من القضايا، وإنما هو اختصاص مجلس الدولة ، كما أن دخول الشرطة الحرم الجامعى فى هذا التوقيت سيؤدى لتفجر الوضع مع الطلاب، لأنه سيفسر من قبل الطلاب على أنه محاولة لكسر روح الشباب بداخلهم وهو ما لن يتم قبوله إطلاقا.
∎ تدريبات مكثفة
ومن جانبه يقول العقيد ياسر مناع نائب رئيس الأمن الإدارى بجامعة القاهرة، إن أفراد الأمن الإدارى داخل الجامعة وعددهم 075 فردا قد تلقوا تدريبات مكثفة طيلة فترة إجازة نصف العام، وقد تم تقسيم التدريب إلى قسمين، القسم الأول تم داخل الجامعة بمركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بواسطة أساتذة متخصصين وبعض الخبراء الأمنيين الذين يحملون شهادات تدريب دولية ويقومون بتدريس كتاب له رقم إيداع دولى يهتم بالتركيز على كل ما يخص تنمية الحس الأمنى ومشاكل إدارة الأزمات وأسلوب تأمين الجامعات وتأمين الوثائق والمنشآت، وتم التدريب على الشق النظرى والعملى أيضا بواسطة مدرب إعداد بدنى للدفاع عن النفس، أما القسم الآخر من التدريبات فتم بإشراف من وزارة الداخلية بواسطة مركز تنمية موارد بشرية تابع للوزارة وتم لمدة أسبوع، وعدد العناصر التى تلقت هذا التدريب هو 120 عنصرا فقط، أما عن تجربة ممارسة الفتيات للعمل فى الأمن الإدارى فيقول: بدأت الفتيات فعلا فى مباشرة العمل بالأمن الإدارى على البوابة الرئيسية والمنافذ الجانبية، وعلى بوابة المكتبة المركزية، فقد تلقوا ذات التدريب تقريبا الذى تلقاه البنين وفى الحقيقة هم أقدر الناس على التعامل مع الفتيات ليس فقط فيما يخص تفتيش الحقائب، لكن أيضا فى الكشف عن وجوه المنتقبات والتحقق من شخصياتهن، وهو أمر كان الرجال يواجهون صعوبة به فى السابق، أما عن الفكرة التى أطلقها دكتور جابر نصار عن تعاون الطلاب مع الأمن فى حفظ أمن الجامعة،عن طريق تجنيد عدد منهم للعمل جنبا إلى جنب مع أفراد الأمن على بوابات الجامعة خلال ساعات محددة باليوم الدراسى، فقال: لا تعليق لى على الفكرة سوى أنها غير صالحة للتطبيق.
وعن حكم محكمة القضاء المستعجل بعودة الحرس الجامعى يقول: ننتظر القرار من قبل المجلس الأعلى للجامعات، فهو من سيحدد آليات تطبيق الحكم، وهل سيكون تأمين الداخلية من خارج الجامعة أم من داخلها .