ظهرت حالة غريبة فى الشارع المصرى يومى الاستفتاء على الدستور 14 و 15 يناير.. حالة مليئة بالفرحة والبهجة والسرور.. حالة كنا قد افتقدناها وسط الأحداث الدامية التى ألمت بالبلد وبعثت بداخله شيئاً من الخوف والرعب والكآبة، التى ظلت تلاحق الشعب فى نزوله الشارع.. لكن رغم التهديدات والوعيد التى صرحت بها الجماعة الإرهابية، فإن الشعب المصرى نزل وشارك فى الاستفتاء.. بل وحوله من حق دستورى إلى «عرس دولى» بكل ما تحمله الكلمة من معان حيث الرقص والزغاريد والأغانى التى ملأت أرجاء الشوارع المصرية.. لكن السؤال الأهم الآن هو، هل ما فعله الشعب يعتبر اشتياقا للفرح أم إنه هستريا وكبت من الخوف، أم تمهيد ورسالة للسيسى كى يترشح رئيسا للجمهورية؟!!.. أسئلة كثيرة سنجيب عنها فى السطور القادمة. الأستاذ صلاح عيسى- المؤرخ والكاتب الصحفى- يقول: أشكال الفرح والغناء التى شاعت أثناء إدلاء المواطنين بأصواتهم فى الاستفتاء.. كانت تعبيرا عن الشعور أولا بالنصر.. لأن الاستفتاء على الدستور هو أول خطوة من ثلاث خطوات لم يكن أمامنا سوى مدة زمنية قصيرة 6 أو 7 شهور لتنفيذ خارطة المستقبل.. الجانب الثانى إن فى واقع الأمر نزول المواطنين كان شكلا من أشكال التحدى لمحاولة الإخافة والإرهاب وأشكال العنف التى مارسها تيار جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من خلال ال 6 شهور السابقة.. فإن المواطنين فى الغالب الأعم قظموا غيظهم ورغبتهم فى التصدى لهم كى لا تتفاقم الأمور وتركوا أمر مواجهتها للشرطة والقوات المسلحة.. وكان الاستفتاء على الدستور مناسبة جماهيرية يتاح فيها للمواطنين أن يتدفقوا إلى الشوارع وإلى لجان الانتخاب.. وكان تحققهم لذلك ونزولهم برغم هذه الحملة من حملات التخويف.. تعبيرا عن أن حشودهم انتصرت على هذه المجموعات الإرهابية القليلة.. وقد ظهر ذلك من خلال بعض المشاهد للمواطنين الذين توقفوا أمام إرهاب الجماعة وتصدوا لهم.. لأنهم أدركوا أن نزولهم للاستفتاء سيجعل هذه الخفافيش تختفى وتعود إلى مساكنها.. وهذا فى تقديرى مبررات لحالة الفرح العارمة التى عاشها المصريون فى يومى الاستفتاء. دكتور عمار على حسن - باحث فى العلوم السياسية - يتابع ويحلل المشهد: فرحة الناس كانت من منطلق إدراكهم أن هذه المحطة فاصلة بين عهدين وإنها تتويج للثورة «ثورة 30 يونيو» وإقرارهم بها وانتصار لخارطة الطريق وإحراز نصر كبير على جماعة الإخوان وإثبات إرادة الشعب وتأسيس جمعية جديدة.. فكل هذه المعانى مع اختلافها كانت موجودة فى الأذهان بغض النظر عن وسائل التعبير عنها.. هناك من عبر عنها كتابة وهناك من عبر عنها شفاهة عن طريق حديث معين أو حوار وهناك من تبادل الرأى فى مقاه حول نفس الأفكار.. والنساء عبرن بطريقتهن بالزغاريد والرقص وغيرها.. لكن كل ما فى نفوس الكل، هى كل هذه المعانى حتى لو عجزوا عن التعبير عنها مثلما يعبر عنها الساسة والمثقفون والنشطاء.. لكن التعبير الجسدى هو أحد أساليب التعبير.. لأن اللغة الجسدية تكاد تكون هى الأغلب من اللغة المنطوقة.. فحين يريد الإنسان أن يعبر عن فرحة أن مصر تنتصر وتعبر مرحلة وتؤسس لشرعية جديدة وتؤكد أن هذه ثورة.. وتقول للعالم كله أن إرادة الشعب المصرى هى التى ستنتصر فى النهاية.. كل هذه أسباب تؤدى الى الفرح.. فإن أشكال استخدام وسائل البهجة والفرح كانت وثيقة فى الثورة المصرية منذ لحظة انطلاقها فى ثورة 25 يناير حيث وجدنا فى ميدان التحرير السخرية والنكات ووسائل التعبير الفنى تتعانق مع الهتاف والصراخ والشعارات الزاعقة والحديث عن الثورة وسقوط الشهداء والجرحى فكل ذلك يتواجد ويتعانق فى الوقت ذاته.. وهذه هى طبيعة وحقيقة الشعب المصرى. الأستاذة فريدة الشوباشى - كاتبة صحافية - تقول: إن الفرحة والبهجة التى ملأت الشوارع المصرية تعتبر شعورا طبيعياً.. لأننا عشنا سنة كئيبة فى حياتنا.. كان كل ما يقدمه لنا الإخوان هو الكآبة التى تحض على الكراهية والتدمير.. حتى الخطابات الرئيسية كانت مليئة بالدماء والانتقام!!.. وهذا لم يكن معروفا عن الشعب المصرى، لأن الشعب المصرى شعب عريق وحضارى.. والحضارة دائما سلو الإبداع والابتكار والفن والجمال والتعبير والشعر والموسيقى وكل الأشياء الجميلة التى كانوا يسعون لمحوها.. فالناس شعرت أنها تخلصت من كابوس حقيقى.. لأنها كانت حضارة منحطة وحقيرة قامت بتحقير المرأة التى كرمها الله.. وبالتالى ظهر هذا فى الاستفتاء فقد شاركت فيه المرأة المصرية ونزلت لتعبر عن فرحتها بعد حكم دام سنة حقرها فيها وكان يتعامل معها بشكل متدن لأغراضه الدنيئة هم وحلفاؤهم السلفيون.. ومن حقها أن تفرح أنها عبرت من هذا المخطط الشرير الذى كان يجعل المجتمع المصرى يعمل بنصفه فقط.. ثم توضح قائلة: إن السيسى لا يملك إلا أن يترشح.. فإن جيشنا جيش محترم ومخلص ولو لم يكن مع السيسى لما كان انحاز للشعب.. فإن جيش منحاز للشعب.. فهو لا خلاف عليه فقد قام بتوحيد المصريين ونحن الآن فى حاجة إلى أن يأتى رئيس يقوم بتوحيدنا حتى نستطيع أن نخرج بمصر من هذه النكبة اقتصاديا وسياسيا.. وبالتالى من يحقق لنا مشروع الانطلاق بمصر نحو الآفاق العليا هو السيسى وهذا من وجهة نظرى.
الدكتورة هدى زكريا - أستاذ علم الاجتماع السياسى - تقول: المواطنون الحقيقيون هم من ظهروا يوم الاستفتاء.. ولم يكن هناك خوف من نزولهم.. بل من كان خائفا هو الإعلام.. فقد لعب دورا فى بث حالة من الخوف للمواطنين ونشرها دون قصد.. لذلك عليه أن يفيق من هذه الغيبوبة ومن محاولته لفرض مستواه المتدنى على المستوى الرفيع للشعب.. فالشعب لم يكن لديه مخاوف الإعلام ولا الارتباك الذهنى ولا الارتباك الفكرى ولا الرغبة فى الفرقعة.. فقد كان حاسما أمره وتصرف على أن هذه حقيقة أمره.. وبالتالى عبر عن فرحته عن طريق الرقص والزغاريد والأغانى.. فالرقص منتج ثقافى حضارى.. وهذه كانت صدمة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، لأنهم لم يتوقعوا هذه الجموع التى نزلت وبالتالى لم تكن هذه مفاجأة بالنسبة لى.. إنما أرجو أن ما فعله الناس فى هذه اللحظة يتناوله الإعلاميون بعمق.. لأن هذه تعتبر رسالة أيضا للسيسى تقول نحن ننتقل بيدنا إلى مرحلة من الاستقرار وقد عثرنا على بطلنا.. فإن حالة التفاعل التى أتت بالبطل هى رسالة للاستفتاء وللسيسى وللاستقرار.. وبالتالى نستطيع أن نرى من خلالها المرحلة المقبلة واضحة الملامح. دكتور نبيل القط - استشارى الطب النفسى - يقول: لدىَّ بعض النظريات والأفكار.. أولها أنه كان يوجد رعب شديد فى السنة التى حكم فيها الإخوان وخوف على المستقبل وخوف على الحياة الشخصية للناس.. فيوجد طلاقة حالتين مع بعض، الأولى هى الحالة العامة وهى الخوف على البلد وعلى المستقبل.. والثانية طلاقة الحالة الشخصية والحالة الخاصة وهو الخوف على المجال الخاص والشخصى للناس.. لذلك أتصور أن هذا عمل حالة من البهجة عند الناس لأن الاستفتاء يمثل أول مرحلة شرعية قانونية فى 30 يونيو.. ويعتبر أيضا أول سلمة حقيقية لنقل المجتمع من 25 يناير إلى 30 يونيو.. بينما الفكرة الثانية هى أنه يوجد حشد إعلامى يسوق بشكل قوى جدا منذ فترة للاستفتاء ويحشد الناس عليه عاطفيا وبالتالى من الممكن أيضا أن يكون هذا أحد الأسباب.. أما الفكرة الثالثة فهى أنه يوجد شىء اسمه «الأنا الأعلى» فيها مجموعة القواعد والقوانين التى تحكم تصرفاتنا والمبادئ العليا التى نخضع لها.. فكان لدينا «أنا أعلى» أيام الإخوان مظلماً وكئيباً، يحرم الفرحة ويهدد الفرحة والخروج عن المألوف وكان يستعمل الدين لتخويف الناس.. تم استبدال هذا «الأنا الأعلى» بأنا أعلى آخر يقول «أنتم فى عيوننا وأنتم حبايبنا».. فإن «الأنا الأعلى» الجديد حول الشعب إلى نوع ما من النقوص الطفولى.. والمتعارف عن الطفولة هى أنها مرتبطة بالفرحة والبهجة.. فإن الأنا الأعلى القديم «الإخوانى» كان يجعلنا بالغين راشدين عاقلين هادئين خائفين .. لكن «الأنا الأعلى» الحديث جعلنا اعتماديين.. بمعنى أن الاستفتاء سيحل لنا كل شىء، لذلك فنحن لسنا خائفين على أنفسنا.. فعندما يقال «أنتم حبايبنا ونور عنينا» هنا يضع الشعب فى حالة الطفولة الاعتمادية.. وبالتالى يجعل الناس تشعر بالفرح بدون إحساس بالمسئولية المباشرة.. فهى تفرحه لأنها فى حالة طفولية!!