«طلاب الثانوية العامة يتلقون دروسهم الخصوصية «على واحدة ونص» البيوت الشخصية!!.. عندما سمعت عن هذا المكان انتابنى الفضول الشديد كى أذهب إلى هناك وأراه خاصة بعد أن علمت أن التدريس فيه يتم بطريقة على واحدة ونصف.. أو بمعنى أدق يقوم فيه المدرس بالتدريس على الإيقاع ورتم الأغانى.. ذهبت إلى سينما «جراند مول بحلوان»، حيث يقوم مدرس الفلسفة وعلم النفس «الأستاذ عمر حامد» بتأجير قاعة كبيرة لطلاب الثانوية العامة لتلقى الدرس الخصوصى فيها.. وبمجرد دخولى السينما واتجاهى لشباك التذاكر وجدت شباكين أحدهما مكتوب عليه حجز تذاكر الأفلام والآخر حجز تذاكر الفلسفة وعلم النفس للأستاذ عمر حامد.. ذهبت لشباك التذاكر ودفعت قيمة الحصة وأشارت لى مساعدة المدرس على مكان القاعة، وبمجرد دخولى للقاعة وجدت أعداداً هائلة من الطلاب يملأون كراسى القاعة وكأنهم ينتظرون ابتداء عرض الفيلم لكن فى الحقيقة هم ينتظرون قدوم المدرس.. جلست على أحد الكراسى وبداخلى شعور لم أستطع وصفه هل هو، دهشة أم مجرد فضول وحسرة لما وصلنا إليه فى التعليم فى 2013. المهم بدأت أتفقد القاعة من حولى فوجدت القاعة مزودة بسماعات djوكاميرات المراقبة وبروجيكتور وشاشة عرض كبيرة لعرض الموضوعات عليها.. وعلى باب القاعة يقف بودى جارد لفض الخناقات التى تحدث بين الطلاب وأدت إلى فصل البنات عن الأولاد.. حيث نشب حادثة السنة الماضية بين طالبين بسبب إحدى البنات أدت فى النهاية إلى قتل أحدهما للآخر.. وعلى أساسها قام المدرس بفصل مواعيد حضور البنات عن مواعيد حضور الأولاد وهذا ما عرفته أثناء انتظارى له.. ظللت منتظرة داخل القاعة وإذ فجأة، وجدت من يفتح باب القاعة والطلاب يقفون ويصفقون له وهو يلوح لهم وكأنه فنان غنائى يحيى جمهوره قبل طلوعه على منصة الغناء!!
وهنا بدأت الفقرة الغنائية والتمثيلية، أقصد بدأت الحصة!!.. دخل المدرس بسماعة «الإيربيس» التى يضعها حول رأسه حتى يصل صوته للطلبة بسهولة ووضوح بدلا من الميكروفون الذى سيعرقل سيره داخل القاعة!!.. فى البداية بدأ بإعطاء النصائح للطلاب قائلا «إن من يصفى نيته لله سيكرمه الله فى حياته» مثلما فعل الله معى ومنها واصل فى مدح نفسه وشرح قصة كفاحه للطلبة كى تعطيهم دفعة للأمام وهذا من وجهة نظره.. ومنها دخلنا على الوصلة الغنائية.. بدأنا الحصة وبدأ المدرس ينفعل فى الغناء والطلاب يستجيبون له.. وكانت إحدى الكوبليهات فى منهجه، حيث قال بطريقة غنائية «أنا عندى جماعة أولية وعندى جماعة ثانوية محورها شخص معين محورها هدف معين»!!.. وبدأ الطلاب فى الترديد وراءه.. حيث يقول المدرس نصف الكلام ويقف ليرد عليه الطلاب بباقى الكلام.. وقتها شعرت أننى فى حفلة غنائية يتوقف المغنى عن الغناء ليسمع صوت الجمهور يردد الباقى من أغنيته.. وكل هذا بالإضافة إلى التعبيرات الجسدية التى لم يتوقف عنها، سواء عرض بالأذرع أو بالرقص.. هذا ما فعله بالضبط أستاذ الفلسفة وعلم النفس «عمر حامد».. فلا يوجد فى قاموسه العلمى كلمة المستحيل.. فعندما يزداد عدد الطلاب عن العدد المسموح لقاعة السينما.. يقوم بنقل الدرس إلى قاعة الأفراح وهذا يحدث فى ليالى المراجعات الأخيرة للمنهج.. فهو يسعى جاهدا بأى طريقة سواء بالرقص أو بالغناء ليجعل الطالب يصم ما فى ملازمه وكأنه فى الكتاب يحفظ ما يقال دون فهم!!.. وأثناء زيارتى التى وجدت بها بعض العراقيل لمقابلة المدرس وفى النهاية قام بالتحجج ورفض الحديث معى.. تحدثت مع مجموعة من الطلاب كى أعرف رأيهم فى هذا النوع الجديد من التدريس؟!!
طريقة غنائية جديدة سهلة وبسيطة
تقول إحدى الطالبات - ندى محمد-:
درس الفلسفة وعلم النفس من الدروس المفضلة لدىَّ، رغم صعوبة المادة لأنها تعتمد على الحفظ الشديد.. لكن المستر لا يحسسنا بذلك لأنه يساعدنا على حفظ المادة من خلال الأغانى.. فالمستر يقوم بتلحين المادة ثم يقولها لنا ونحن نرددها وراءه.. ونظل طول وقت الحصة نتعامل بالأغانى.. فلا يتركنا المستر إلا ونحن حافظين للدرس.. وكل حصة يقوم بامتحاننا حتى لاننسى ما حفظه لنا!! وهذه بالنسبة لى أسهل طريقة فى حفظ مادة بهذه الصعوبة.. فكلمات المادة دائما تتردد فى ذهنى وأجد نفسى أقوم بقولها بطريقة الغناء مثلما يفعل معنا المستر سواء فى البيت أو فى المدرسة وأحيانا أقوم بفعل الحركات التى يقوم بها المدرس.. فصورة المدرس وطريقة أسلوبه فى تدريس المادة دائما فى ذهنى ولذلك لا أجد صعوبة فى هذه المادة.. بل أعتبرها من أسهل مواد الثانوية العامة والفضل يرجع للمدرس الذى يبذل مجهودا كبير فى توصيل المعلومة لنا بهذه الطريقة الغنائية الجديدة السهلة والبسيطة.. ولذلك لم أشعر فى مرة بأنه درس خصوصى على الإطلاق لأن الجو لا يوحى لى ذلك قاعة سينما والأضواء و«الدى جى».. فهو يحاول أن يخرجنا من أى ضغوط نفسية وتوتر حتى نستطيع الانسجام معه فى الدرس وتقبل المادة..
تغيير جو مع أصحابى
تركت ندى لأتحدث مع أحمد كمال فوجدته يقول لى: درس الفلسفة بالنسبة لى يعتبر تغيير جو مع أصحابى، وبما إن القاعة كلها ولاد لأن الأستاذ لا يحب الاختلاط، فبنكون على راحتنا أو بمعنى أدق نفعل ما نريده مع الأستاذ.. نقوم بالرقص والغناء وهذا ما فعلناه من قبل فى قاعة أفراح، حيث كان عدد الطلاب وقتها أكبر من قاعة السينما!!.. وفى هذا اليوم قمنا بالرقص فوق تربيزات القاعة وفوق سماعات الدى جى.. وظللنا نغنى ونرقص أنا وكل المجموعة أثناء الدرس مع الأستاذ ونردد وراءه الكلمات وعندما يتوقف عن الكلام كى يرى إذا كنا مركزين معه أم لا فيجدنا نكمل باقى الجملة وراءه، فيصفق لنا بحرارة ويكافئنا بأغنية شعبى نرقص عليها.. فأرى أن هذه الطريقة تساعدنا كثيرا على الحفظ خاصة لطلاب الثانوية العامة الذين لم يجدوا وقتا للمذاكرة بسبب كثرة المواد الدراسية وكثرة مواعيد الدروس.. وعلى الرغم من كل ذلك فإنه مسيطر ويجعل الحصة تسير بشكل حازم.. فعندما يجد المدرس طالباً فاشلاً وغير مجتهد يقوم بطرده على الفور من الحصة.. فلا نخرج من الحصة إلا ونحن صامين الدرس.. وبالتالى لا أجد صعوبة فى هذه المادة لأنها لاتأخذ منى لا وقت ولا مجهود فى المذاكرة وهذا ما نريده كطلاب فى المرحلة الثانوية!!
الضحك والتسلية
هاجر أسامة ترى أن ذهابها للدرس للضحك والتسلية فقط فتقول: من أهم أسباب ذهابى للدرس هو الضحك والتسلية.. فطريقة المستر فى إلقاء الدرس مضحكة للغاية وجديدة بالنسبة لى.. فعلى الرغم من الاستفادة التى أحصل عليها من خلال الدرس فإننى فى كل مرة بأتعب من كثرة الضحك على أسلوب المدرس وطريقته فى التعبير.. لكن هذا لا يضيع من مجهوده.. فهو يبذل مجهودا كبيرا كى يحفظنا المنهج ولكن بطريقة جنونية!!.. فالدرس بالنسبة لى حالة جديدة تخرجنى من ضغوط وتوتر باقى الدروس ويغير لى مود المذاكرة.. كما إنه يجعلنى مقبلة على دراسة باقى المواد بهذه الطريقة الغنائية!!
لكن كان هناك وجهة نظر أخرى لدى الطلاب الذين حضروا معه بعض الحصص ولم يكملوها بسبب الطريقة المزعجة التى يدرس بها.. تحدثت أيضا مع هؤلاء الطلاب كى أعرف وجهة نظرهم فى رفضهم الشديد لهذا النوع من التدريس.
مش لازم أفهم
وجدت خلود أحمد تخبرنى قائلة:
هذا النوع من التدريس سيئ جدا.. لأنه يعتمد اعتماداً تاماً على الحفظ.. وهذا ما يقوم به المدرس.. فطوال وقت الحصة يقوم الأستاذ بتحفيظنا.. وإذا سأله أحد الطلاب عن توضيح جملة لم يكن يفهمها، دائما يكون رده احفظها كده زى ما بقولها لك، مش لازم تفهمها!!».. فنحن كطلاب الثانوية العام نرفض هذا النوع من التدريس.. كما أن المدرس عندما ينفعل أثناء الدرس تخرج منه ألفاظ سيئة لا يشعر بها.. فأنا لا أؤيد هذا النوع بالمرة.. لأنه لا يضيف لى، بل سيأخذ منى إهدارا للوقت وللمجهود.. لذلك قررت عدم الحضور وقمت بالحجز عند مدرس آخر يستطيع أن يوصل لى المعلومة بطريقة الفهم وليس الحفظ الذى يمحى دماغ الطلاب تماما.. كما أن عدد الطلاب الكبير يجعله غير مسيطر على الحصة بشكل قوى.
حصة واحدة تكفى
أما محمد على فيقول: حسيت إنى فى فصول محو الأمية «كأنى قاعد فى كتاب».. المدرس يقول الكلام والطلاب يرددونه وراءه مثل البغبغان دون فهم.. فمقولة «حافظ مش فاهم» تنطبق عليهم.. فالطلاب يذهبون إليه بغرض الترفيه والتسلية والغناء والرقص وليس من أجل العلم والتدريس.. كما إنه يضيع وقتًا كبيرًا فى التكرار والإعادة ليحفظ الطلاب وكثير من الطلاب ينامون فى الحصة بسبب ما يقوم به من «عرض».. فالدرس عبارة عن فقرات تبدأ بالنصائح وفى الوسط الغناء والرقص والفقرة الأخيرة مدح فى نفسه، وهذا فى حالة إذا كانت المجموعة متفاعلة معه.. فنحن فى مرحلة تحديد مستقبل وهذه مرحلة حاسمة فى حياتنا إما نكون أو لا نكون.. وطريقة هذا الأستاذ فى التدريس ستجعلنا لا نكون بالمرة!!.. لذلك لم أتحمل سوى حصة واحدة فقط.. وتركته على الفور.
أصيب بالصداع والتوتر..
بينما محمود حسن يقول: فى كل مرة كنت أذهب فيها إلى الحصة أعود إلى البيت وأرتمى على السرير وأنام طوال اليوم.. بسبب الصداع الذى يصيبنى خلال الدرس والضوضاء والصوت العالى.. بالإضافة إلى صراخ المدرس 24 ساعة طول الوقت فى الميكرفون وانفعاله أثناء الحصة فكل هذا يصب فى أذنى.. فللحظة شعرت وكأننى فى «مورستان» لا أحد يسمع صوت الآخر.. لذلك قررت الانسحاب من الدرس نهائيا.. لأن ذلك يحدث لى توترًا وإزعاجا كبيرا.. كما أن هذا النوع من التدريس الجديد لا يناسب طلبة الثانوية العامة.. فهم يريدون الهدوء حتى يستطيعوا التركيز والفهم خلال شرح الدرس.. فطريقته تصيبنى بالصداع والتوتر.
أنهيت حديثى مع الطلاب والتعجب والدهشة يدوران بداخلى.. هل لهذه الدرجة أصبح المعلم الفاضل الذى كنا نكن له كل الاحترام والتقدير وترتعش الأرض عند دخوله الحصة، أصبح هو الآن يرتعش بنفسه على واحدة ونص للطلاب بالرقص والغناء ليساعدهم على حفظ المواد الدراسية.. وماذا ستخفى لنا الأيام من إبداعات مدرسى الثانوية العامة للطلاب؟!!