سيهدأ فوران الدم يوما ما، ستهدأ أصوات القنابل والمولوتوف والآلى والرشاشات والقناصة.. متى؟ لا أعلم ولكن يقينا أن كل هذه القصص الوحشية ستهدأ.. ومن الهدوء ستولد قصص أخرى من نسيج مرهق أعيته مهاترات الخلافات والجدل السياسى الذى بالفعل فرق بين أصدقاء وأحباء وقطع صلات رحم فى عائلات.. لن أحدثكم عن خبر القبض على قياديين من الجماعة التى قسمت وشتتت مصر والمصريين، الجماعة المسمومة بفكر السيطرة والهيمنة، المغلف بالدم والكذب والخداع والفجر، لن أحدثكم عن الشهداء ولا عن قصة إنسانية لأم فقدت شابا من خيرة شباب مصر، ولا عن أسرة تشردت بفقد عزيز عليها، لن أحدثكم عن خسائر مالية واقتصادية فقدتها مصر ولا قطاعات محورية فى عصب الاقتصاد القومى كالسياحة، سأحدثكم عن قصة تدور فى كواليس أسركم أو فى جلساتكم العائلية، سأحدثكم عما حدث ويحدث لنا يوميا، سأحدثكم عن الفرقة والتقسيم والتشتت بين واحدة من أكثر الأسر المشهود لها بالترابط الوثيق.
لن أقول ماذا فعل الإخوان بتلك الأسرة التى هى مجرد نموذج بسيط لما حدث بين آلاف - إن لم يكن أكثر- بين الأسر المصرية!
لن أحدثكم بكلام مرسل عن معنى الفتنة، بل ستتحدث تلك الشابة المصرية الوطنية بمنتهى الحماس عن الواقع الذى أصاب عائلتها عن الفتنة والفرقة والشتات. المثير للدهشة أن هذه الأسرة لها خصوصية شديدة، سواء فى المنشأ أو فى رحلة الحياة المتعاقبة والتى يشترك فيها ثلاثة أجيال يقع بينهم خلاف لم تشهده العائلة أبدا طوال تاريخها، والآن الخلاف تصل حدته إلى المدى الذى تقول فيه والدة ضابط الجيش الذى جاء تكليفه فى رابعة العدوية.. (لو مات ابنى لن أقبل من تلك الأطراف فى العائلة عزاءهم فيه!).. يا الله .. إنها كما يقال حقاً: (عين الفتنة التى تصل إلى مرحلة العداء والرفض للآخر).
الراوى لتلك القصة هى الحفيدة التى تنتمى إلى الجيل الثالث لتلك العائلة، وهى فى نفس الوقت أخت ضابط الجيش سالف الذكر.
هذه العائلة هى واحدة من أكبر العائلات التى كانت يوما ما تمتلك الثروات والأملاك، ولكنهم لم يكونوا أبدا من الإقطاعيين، فقد كان الجد الأكبر هو مفتى الخاصة الملكية وقاضى العلماء حينئذ، والمفارقة أن ابنه - (جد الشابة الراوية) - قد ترك كل هذه الثروات، وحينها كان ضابطا من ضباط الثورة 1952.
واختلف مع عبدالناصر بسبب رفضه أن يتولى العسكريون حكم البلاد، وقتها أصدر عبدالناصر قرارا باعتقاله، فر جدى هاربا إلى السعودية وعاش حياة بائسة هناك وتحمل الصعاب، إلى أن ساعده وزير الأوقاف محمد المبارك وعاونه على السفر إلى سوريا واستقر جدى فى سوريا هناك سنوات طويلة والمدهش أن جدى وإخوته جميعا لم يكفروا بعبد الناصر طوال تلك السنوات الطويلة التى تجاوزت الستين عاما، بما فيها من مرار وأزمات، ولم ينقلبوا عليه.
عاد جدى وجدتى إلى مصر عام 1996 - أى أننا نتحدث عن جيل الأجداد وهما الآن تجاوزا الثمانين من العمر.
نحن من عائلة ملتزمة ومحافظة دينيا، ولكننا لم نحسب يوما على الإخوان ولا أية جماعة دينية.
جدى وجدتى من الشيوخ الصوفيين المعروفين بدروسهم وعلمهم وحضراتهم، ولديهم مريدون وحلقات دروس فى كثير من الدول العربية، وقد سلمت جدتى لأمى مسئولية الدرس، فأمى على قدر كبير من العلم والثقافة والتدين والتحضر والاستنارة.
عائلتى جد وجدة، لديهم ابنان وأربع بنات من بينهن أمى.
تلك العائلة التى مر عليها الكثير من الأزمات والكوارث والخلافات لم تتأثر يوما ولم تهتز أركانها، ولم يخدش نسيجها المترابط قط.. ولكن انقلب هذا الحال تماماً منذ عام، منذ أن تولى محمد مرسى حكم مصر، وتوالت اللعنات على مصر وعلى عائلتنا بالخلاف والانشقاقات المستمرة والتى تفاقمت حدتها منذ 30 يونيو.
أصبح جزء كبير من العائلة - والمعتمد على مصدر واحد من المعلومات والرأى - هو قناة الجزيرة يتهم صديقتى الراوية ووالدتها وكل من كان ضد مرسى وجماعته ومن كان منحازا للشعب ولرأى الشعب فى ضرورة الخلاص من الحكم الإخوانى، كانوا يرونه خائنا ويلوث يديه بالدماء، بل الأدهى هو اتهامه بأن هناك ثغرة فى إيمانه!
تقول صديقتى الراوية ردا على تساؤلى عن سبب اتخاذ جزء كبير من عائلتها يضم الأجداد والاخوال والخالات ذلك الموقف المتعصب للإخوان - رغم تلك الخلفية التاريخية والسياسية للعائلة والتى تؤكد أنهم لم ينتموا يوما إلى جماعة أو فكر الإخوان، ورغم كل الحقائق والوثائق والدلائل المعلنة والواضحة والمعاشة عما يرتكبه الإخوان من مفاسد ومظالم:
أجابتنى منفجرة من الغضب قائلة:
لعنة الله على قناة الجزيرة مثيرة الفتن ومشعلة الضغينة، وفسرت قائلة: كما قلت لك لقد عشنا سنوات طويلة فى الخارج وعائلتى ككثير من العائلات والأسر المصرية التى كانت تعتمد على قناة الجزيرة فى وقت من الأوقات على الأخبار خاصة وقت الثورة عندما كانت الجزيرة تتحدث مثل قنوات خاصة مميزة مثل أون تى فى، حيث كانت تلك القنوات فى اتجاه الثورة، بعكس التليفزيون المصرى وباستثناء قناة خاصة كانت تسير عكس التيار الثورى، وبعد ذلك وضح اتجاه قناة الجزيرة ودويلتها حتى انكشف أمرها ووضحت فضائحها المهنية خاصة من يوم 30 يونيو، والذى كرست فيه ما كرسته جماعة الإخوان وأصبحت وكأنها بوق ومتحدث رسمى ولسان حال الإخوان والتيار الإسلامى بمنتهى الانحياز البعيد حتى عن الركائز المهنية البديهية، مثل المصادر المجهولة وتسريبها معلومات غير مستندة على أى مصدر رسمى وتقديمها لتمثيليات مكتملة الأركان، مثلالفضيحة التى ظهرت فى الجزيرة مباشر مصر - أثناء أحداث مسجد الفتح، والتى تابعتها - والحديث مازال لصديقتى الراوية - أكثر من عشرين ساعة واكتشفت المسرحية التى تحاول الجزيرة تصديرها للجمهور من خلال فبركة مشاهد فى الجزء الخلفى من المسجد! وهو ما كان منافيا للحقيقة.
هذا النوع من الإعلام المغرض والفاسد والمضلل هو ما اعتمد عليه أفراد عائلتى، وصدقوا الكذبة وآمنوا بها لدرجة أنهم لا يقبلون المناقشة.
على سبيل المثال يتهموننا قائلين (بمعنى الاتهام لمعارضى الإخوان) ونحن منهم: أين جثث من ماتوا من أفراد الجيش إذا كان هناك من مات؟
وللأسف هم لا يعلمون نزاهة المؤسسة العسكرية فى عدم التصريح بأعداد شهدائها، وبنفس المنطق أسأل عائلتى: إذن .. أين جثث الأربعة آلاف الذين تم قتلهم فى رابعة والنهضة؟ ودائما الأسئلة لا إجابة عندهم عنها سوى اتهامنا بقلة الإيمان والخروج عن الطريق الصحيح واتباع الشك والضلال.
أبكى لموقف جدتى وهى شيخة الطريقة الصوفية التى لها مريدون كثيرون وهى ترسل إلينا رسائل الاحتساب والحزن لمعارضتنا حكم الإخوان، وفى نفس الوقت ترسل لمريديها فى جميع البلاد العربية ضرورة الاعتماد فقط على قناة الجزيرة للحصول على الحقيقة، وتقول لهم صراحة من لا يقف منكم مع الإخوان فهذا يعنى فراق بينى وبينكم.
ولا أنسى موقف خالتى عندما اتصلت بأمى لتخبرها عن وفاة ابنة البلتاجى وردت أمى قائلة: ذنبها وذنب من ماتوا من الأبرياء والضباط فى رقبة من أثاروا الفتنة وحرضوا على العنف والقتل والدم والدفع بأبناء الوطن إلى ذلك المصير.. قالتها أمى بمنتهى الإصرار: دم الأبرياء والشهداء فى رقبة الإخوان المجرمين.. فما كان من خالتى إلا أن أغلقت التليفون فى وجه أمى ولم تعاود الاتصال بها حتى الآن.
لم يتصل أحد من عائلتى التى طالما حسدنا الناس على قوة ترابطها وصلة رحمها المتينة للاطمئنان على أخى الضابط فى مهمته العسكرية فى رابعة العدوية إن كان حيا أم ميتا، يقينا منهم بأن الضباط لا يموتون!
بمنتهى الحزن والحسرة تقول صديقتى الراوية: قناة الجزيرة أقنعتهم أن الإخوان مع الإسلام وأصبحوا يرددون مضمونها أن معارضى مرسى والإخوان هم ضد الشرعية والشريعة.
لا أصدق أن عائلتى التى تضم علماء وأطباء ومثقفين وأصحاب تاريخ وثقافة وفى مجالات عديدة ومميزة هم من تابعى الإخوان لمجرد أنهم رفضوا ألا يستقوا معلوماتهم إلا من قناة واحدة وهيأوا عقولهم لهذا الفكر وصدقوه صدق اليقين ومن عارضهم فهم ضدهم وضد الإسلام.
كيف يصدقون هذا وجميعهم من بيت وأصل واحد وتربية وثقافة دينية وخلفية اجتماعية واحدة وكيف ينشأ ذلك التغير فى سنة واحدة ويتضاعف فى شهور قليلة، كيف لهذا الإعلام الخبيث وقناة الخبيثة أن تفرق وتثير الفتنة لهذه الدرجة؟!
تقول الحفيدة الراوية: لهذا وبشكل موضوعى وعقلانى جداً وبعيدا عما حدث لعائلتي من شتات وتقسيم.. أناشد وأطالب كل القانونيين والإعلاميين والحقوقيين بضرورة مقاضاة قناة الجزيرة دوليا وإغلاقها بحكم القانون، ليس فى مصر فحسب، بل فى جميع الدول العربية والأجنبية أيضاً لأنها تقوم بتخريب الأمن الاجتماعى إن جاز التعبير.
بمنتهى الحسم والجدية تقول صديقتى الراوية الشابة: أقسم بالله وحبى لمصر أننى على استعداد أن أبيع سيارتى وما أملك من مصوغاتى القليلة، وهذا ما أمتلكه للمساهمة فى تلك القضية الدولية ضد قناة الجزيرة التى أفسدت ترابط عائلتى وأقسم أنها أفسدت الكثيرين من قناعات الناس فى بلدى وزرعت الفتنة وهذا إرهاب لا يقل جرما عن إرهاب القتل والترويع.
قناة الجزيرة التى خصصت قناة مباشرة لرصد ما يجرى فى مصر، ولم تخصص من حديثها ومهاتراتها الإعلامية مجرد خبر عن أمير دولتهم أو حتى خبر عما يجرى فى تلك الدويلة القطرية.
رغم ما يبدو من بساطة الحدث وسط أحداث الدم والعنف والأخبار المتتالية عما ترتكبه الجماعات الإرهابية، فإن ذلك التصدع العائلى والشرخ الذى أصاب جدران تلك الأسرة ما هو إلا نموذج واحد من بين جدران كثيرة تشققت أو مازال يخفيها جلل الأحداث فى كثير من العائلات المصرية التى تشكل موقفها بسبب قناة الجزيرة أو بسبب قناعات أخرى سيطرت وهيمنت وضللت.. ولكن اليقين الأكبر أن التاريخ يسجل المواقف والحلقات المفقودة فى دائرة السياسة تتضح وترابط بفعل الزمن والتاريخ.