كانت القشة التى قصمت ظهر البعير لدى مثقفى مصر منذ ثورة 25 يناير هى قرار تعيين وزير مجهول الهوية لوزارة الثقافة وما هى إلا ساعات قليلة حتى كشف عن هويته الإخوانية من خلال مخطط جاء به للعصف بكل قيادات الوزارة واستبدالها بقيادات إخوانية يحمل كل منهم خطة للاستيلاء وتغيير برامج وهوية الموقع الثقافى الذى سيتولاه وبسرعة شديدة وبخطة محكمة تم الاعتصام بالوزارة ومنع الوزير من الدخول واستمر الاعتصام أكثر من 30 يوما تخللتها العديد من الأحداث المثيرة والمدهشة. بدأت تتصاعد أحداث ما يجرى فى وزارة الثقافة منذ اللحظة الأولى لتولى الوزير الجديد مهامه، والذى بدأها بتغيير مدير مكتب الوزير وتغيير رئيس الهيئة العامة للكتاب ورئيس قطاع الفنون التشكيلية ورفض الوزير افتتاح المعرض العام ال 35 للفن التشكيلى وتغيير رئيسة دار الأوبر المصريةوتغيير رئيس دار الكتب والوثائق لرفضه إخراج وثائق وأوراق مهمة خاصة بجماعة الإخوان المسلمين بطريقة غير شرعية، ومع كل ساعة تمر فى وجود هذا الرجل كانت تحدث عمليات مريبة بتغيير حتى الموظفين واستبدالهم بآخرين من حزب الحرية والعدالة فكان رد فعل المثقفين سريعا لإنقاذ الثقافة والهوية المصرية من الضياع وبدأت الخطة فى ذهاب الأديب الكبير بهاء طاهر والأديب الكبير صنع الله إبراهيم والكاتبة الكبيرة فتحية العسال للوزارة لمقابلة الوزير ثم دخل بعدهم الشاعر الكبير سيد حجاب ثم الفنان الدكتور أحمد شيحة والدكتور أحمد نوار ثم المخرج الدكتور محمد العدل والمخرج خالد يوسف ثم توالت أعداد المثقفين فى دخول الوزارة مما أدخل الشك فى موظفى الوزارة وكان السؤال: معقول الوزير أعطى مواعيد مقابلة لكل هؤلاء فى يوم واحد؟ فكانت الإجابة الصادمة نحن معتصمون بالوزارة لحين استقالة الوزير!!! وأعلن الاعتصام وبدأت أعداد كبيرة من المثقفين والإعلامين والفنانين تتوافد على المكان وتم الترتيب والاستعداد لذلك وتقسمت المجموعات مجموعة مسئولة عن الإعاشة وتوفير الطعام للمعتصمين ومجموعة مسئولة عن حماية وتأمين المكان ومجموعة مسئولة عن الإعلام ومجموعة مسئولة عن صياغة البيانات وكان للشباب الدور الأكبر فى هذه المهام ومنذ اليوم الأول بدأت احتفاليات شعر وموسيقى وغناء ورقص لفنانى الأوبرا تقام أمام الوزارة وبدأت معركة المثقفين من أجل الحفاظ على الهوية المصرية وارتفعت مطالبهم من تغيير وزير إلى تغيير النظام واستمرار الاعتصام حتى يوم03 يونيو... وبدأت التهديدات من قبل الإخوان بفض الاعتصام بالقوة وكانت بدايتها الهجوم من الأخ محمد المغير الذى غار هو ومن معه بعد أن أخذ نصيبه من الخزى والعار وبعدها جاءت لنا تهديدات أخرى بالهجوم على الاعتصام ليلا، ولكن كانت قوات الأمن المكلفة بحمايةالمعتصمين وعلى رأسهم اللواء نادر مدير قسم الزمالك وأيضا شباب الفنانين المعتصمين كانوا مستعدين لأى هجوم غادر من قبل الإخوان.. ومن المواقف التى لا تنسى عندما جاءت أخبار بأن هناك هجوما لفض الاعتصام طلب الشباب من الأستاذ بهاء طاهر والأستاذة فتحية العسال الخروج من مبنى الوزارة حفاظا على سلامتهما فرفض الأستاذ بهاء قائلا: أنا سأظل أمام باب الوزارة ولو جاء أحد لقتلى سأموت فى موقعى مثل غاندى ولن أترك مكانى وأهرب!
∎زوربا فى الشارع
بدأ الاستعداد للاعتصام بتحديد مهام كل المشاركين وبتحديد الأماكن المسموح باستخدامها فى الوزارة وبناء عليه تم نقل كل القطع المهمة من الأثاث والمقتنيات والسجاد للدور العلوى الذى به مكتب الوزير ومنع الصعود إليه واقتصرالاعتصام فى الدور الأول فقط وكانت الفعاليات المصاحبة للاعتصام من فقرات فنية تقام فى الشارع أمام مبنى الوزارة، حيث كان يقاميوميا مسرح لذلك وانتقلت أنشطة دار الأوبرا المصرية إلى شارع شجرة الدر فى حضور جمهور كبير من فئات مختلفة من الشعب. وبدون الملابس الرسمية. واستمعوا لعزف فنانى الأوبرا الكبار د. إيناس عبدالدايم والفنانة منال محيى الدين ونسمة عبدالعزيز ولغناء مروة وغناء وعزف أطفال الأوبرا وغناء الفرق الغنائية وكانت من الليالى المتميزة ليلة غناء على الحجار وكانت يوم 29 ووعد فيها أنه سيأتى للغناء مرة أخرى بعد رحيل مرسى وفعلا وعد وصدق.. وكان لباليه زوربا اليونانى الذى لم يتسع له المسرح وكان يقام على أرض الشارع صدى وإعجاب كبير من الجمهور الذى كان يحضر يوميا ويطلب باليه زوربا لكى يرقص مع الراقصين ثم يهتفون تحيا مصر أم الحضارة والفنون ويسقط حكم المرشد وأجمل شىء وسط هذا الجو المملوء بالحب والحماس لمصر تجد سكان العمارات المحيطة بالمكان تلقى علينا البونبون والشوكولاته يوميا وأحياناترسل المياه والمشروبات ويوم رحيل مرسى أرسلو للمعتصمين تورتة!!
من أكثر المشاهد التى أسعدتنى أثناء تلك الاحتفالات هو وجود الأمن بيننا يؤمنا ويحتفل معنا ويستمتع بالفقرات الفنية وأتذكر جنود الأمن المركزى وهم وسط الجمهور يغنون ويهتفون معهم وهم سعداء بالفنانين
∎مظاهرة نادى الجزيرة
بدأت الاستعدادت ليوم 30 / 6 وفى صباح الأحد امتلأت الوزارة بأعداد كبيرة من الفنانين والمثقفين ولم يغب فنان عن المشهد من كل الأعمار وبما أن المسيرة ستخرج من شارع شجرة الدر وزعت على كل امرأة جوز من القباقيب وكتب عليها (ارحل) وتقدمت المسيرة عربة بميكرفون عليها الفنانون سامح الصريطى وأحمد عبدالعزيز وخالد صالح ومجموعة من شباب الأوبرا وهم يتبادلون الهتاف والأغانى مع صوت طرقعة القباقيب وأخذت تسير وسط شوارع الزمالك وانضمت إليها مسيرة نادى الجزيرة ومسيرة الكيت كات وحتى وصلت أمام ميدان سعد زغلول أمام دار الأوبرا توقفت المسيرة عن السير فقد امتلات شوارع القاهرة والميادين بالشعب المصرى تطالب برحيل مرسى ورحل مرسى وانتصرت إرادة الشعب.
ومن الأشياء الطريفة التى اتذكرها أن أكثر المسيرات انتظاما وتأمينا كانت مسيرة نادى الجزيرة وعرفت السبب أن كل متظاهر دفع 100 جنيه للمشاركة شاملة التأمين عن طريق رجال متخصصة وأيضا وجبة خفيفة ومشروب لزوم المسيرة والهتاف ويسقط يسقط حكم المرشد!!
∎انتهاء الاعتصام
بعد رحيل النظام وبدء تشكيل الوزارة اتفق المثقفون على إنهاء الاعتصام وأصدروا بيانا قالوا فيه: «نود أن نؤكد فى هذا البيان أن الشعب المصرى حاضر دائما واستبعاده من المشهد السياسى هو انتقاص من قدرات الدولة المصرية القادرة على هزيمة أى عدوان على استقلال قراراها فى الداخل والخارج.. فشعب مصر العظيم مازال يقف ثابتا وشامخا ومرابطا فى الشوارع والميادين بصدره العارى.. تتقدمه جماعة المثقفين المصريين من أجل إقامة الدولة المصرية المدنية الحديثة.. فى مواجهة أى اعتداء على إرادة الشعب المصرى من أى قوى فاشية وظلامية تريد أن تعود بنا إلى الوراء.. فلا خضوع ولا استسلام لأى ابتزاز من أى نوع.. وكفانا اتخاذ قرارات بأياد مرتعشة.. فنحن أقوياء بشعبنا العظيم الذى غير مجرى التاريخ.. فالكلمة الآن للشعب المصرى.. وإرادته هى مصدر قوة للدولة المدنية الحديثة». وبعد تولى الدكتور صابر عرب الوزارة اجتمع مع وفد من المثقفين المعتصمين.
حيث أكد عرب أن دور وزارة الثقافة لن يقتصر فى المرحلة الحالية على ما كانت تقوم به سابقا، فالظرف التاريخى بعد 03 يونيو يحتم على وزارة الثقافة بمثقفيها أن تلعب الدور الأهم فى المرحلة المقبلة مثلما بدأت منها شرارة البداية فى 30 يونيو، وأضاف: إن المشروعات التى توقفت خلال الفترة السابقة سيتم استكمالها ولن تطفأ أنوار المسارح وستعود المهرجانات ومعارض الكتب وحفلات الأوبرا مرة أخرى.
وقد ناقش الوفد عددا من القضايا الثقافية المطروحة على الساحة، منها استقلال القرار الثقافى المصرى حيث إن الثقافة المصرية مستهدفة بمحاولة تجريف الثقافة واستبعاد المثقف المصرى، من المشهد السياسى، وطرح المثقفون فكرة إقامة حفلات بالأوبرا والمواقع الثقافية والمسارح التابعة للدولة لتأصيل فكرة الهوية الثقافية المصرية من خلال الأزهر الشريف ووزارة التربية والتعليم، كما طرح المثقفون فكرة إقامة مؤتمر ثقافى حول مستقبل الثقافة فى مصر، على أن يكون الرئيس الشرفى للمؤتمر الروائى الكبير بهاء طاهر.
وتطرق اللقاء إلى المشروعات المعطلة منها المسرح القومى بالعتبة وكذلك عدد من قصور الثقافة والتى توقفت الأنشطة بها، وإقامة معرض فيصل للكتاب، والذى كان يقام كل عام فى شهر رمضان، كما ناقش الحضور توقف فعاليات الوزارة خلال شهر رمضان.
حضر اللقاء، محمد العدل، فاطمة المعدول، محمود قابيل، فتحية العسال، أحمد شيحة، مجدى أحمد على، سامح الصريطى، خالد يوسف، عصام السيد، محمد بغدادى، كريم عرفة، محمد هاشم، وعدد من شباب المعتصمين.