لم تكن مقابلة شيخ قبيلة السواركة خلف حسن الخلفات ضمن برنامج الزيارة التى قمت بها مع مجموعة من الإعلاميين والصحفيين الذين يمثلون مختلف الصحف والمجلات القومية والحزبية والخاصة لشمال سيناءوالعريش فى يونيو 2004 بدعوة من مركز بحوث ودراسات المرأة بكلية الإعلام برئاسة د.نجوى كامل وقتها للتعرف على واقع المرأة السيناوية.. لكن أحد أفراد قبيلة السواركة قال لزميلنا عبدالله أبو الحمد كبير المذيعين بإذاعة أسوان إن شيخ القبيلة يريد أن يتكلم معنا.. بعضنا تجاهل الدعوة والآخر تحمس وكنت مع الزملاء الذين قابلوا شيخ السواركة فى دوار أو مقعد القبيلة.. قال الرجل كلاما مفاجئًا وصادما عن هموم المجتمع السيناوى فى العريش والتى لم يجد كثير منها طريقا لنشره فى ذلك الوقت بعد أن امتنع معظم إن لم يكن جميع رؤساء تحرير الصحف حتى الخاصة منها عن نشرها فى ذلك الوقت. كان الامتناع خوفاً وربما اعتقادا أن الرجل يبالغ وأن التطرف والانفلات الأمنى الذى حذر منه لا يمكن أن يكون منتشرًا فى سيناء بهذه الصورة، كما لا يمكن أن تتعمد حكومات عصر مبارك عمل مسارات خاطئة لمشروعات تنمية سيناء حتى جاءت قضية خطف الجنود من قبل مجموعات سلفية جهادية لتجعلنى أعود إلى تلك المقابلة التى مر عليها نحو 9 سنوات والتى كنت قد دونت أهم ما جاء فيها فى أوراق خاصة مازلت أحتفظ بها.
∎البلطجة والتطرف فى 2004
فى البداية اشتكى الشيخ خلف حسن الخلفات أن سيناء أصبحت مرتعا للبلطجية والخارجين على القانون، حيث كان يوجد بها حسب المعلومات المتوفرة لشيخ السواركة وقتها نحو 45 ألف شخص هارب من تنفيذ أحكام بالسجن «الكلام فى 2004»، وهؤلاء يتركز نشاطهم فى عمليات التهريب «المخدرات والبشر» ومن ذلك التاريخ أى قبل نحو 9 سنوات تسبب هؤلاء فى فوضى عارمة فى سيناء وقد وصل استهتارهم بالقانون إلى أنهم كانوا يقودون سياراتهم ويتجولون بها فى محافظة شمال سيناء بدون لوحات معدنية، كما أنهم يشهرون سلاحهم علنا لدرجة أنهم ثبتوا فى إحدى المرات مأمور قسم الشيخ زويد الذى حاول منعهم من المرور بسلاحهم الآلى فى أحد الشوارع ولم يفعل لهم المأمور شيئا، كذلك قيام البعض بإطلاق الرصاص من أسلحتهم النارية فى سوق الماسورة بالشيخ زويد لإفساح الطريق حتى أصبح المواطن السيناوى لا يشعر بالأمان.
أى أن الفوضى والبلطجة وانتشار السلاح بشكل علنى فى سيناء ظواهر موجودة منذ 9 سنوات، أى فى عز عنفوان نظام مبارك وقبضته الأمنية الحديدية والتى تركها تتمادى فى سيناء حتى بدأ هو يعانى منها فى تفجيرات طابا وشرم الشيخ بعدها بقليل، وقد استمر الوضع فى التدهور حتى وصول حال سيناء إلى ما نحن عليه الآن.
نعود إلى كلام شيخ قبيلة السواركة الذى أشار فيه إلى انتشارالأفكار المتطرفة فى سيناء منذ ذلك الوقت البعيد، حيث قال الشيخ: انتشرت الأفكار السلفية الوهابية المتطرفة فى سيناء بين أبناء بعض القبائل والذين اعتنقوها منذ فترة طويلة، سواء عن طريق الوافدين إليها من القاهرة ومحافظات الصعيد والدلتا أو الذين تعرفوا عليها أثناء وجودهم فى السعودية، ووصل الأمر إلى أنه عند حدوث أى خلاف فقهى فى إحدى المسائل الدينية يرفض هؤلاء الرجوع إلى الأزهر الشريف والحصول على الفتوى منه، حيث يرجعون إلى فتاوى وآراء علماء ومراجع السلفية الوهابية مثل الشيخ ابن باز حتى إنهم كانوا يرفضون الأخذ بفتاوى الشيخ الشعراوى - عليه رحمة الله - ويفضلون عليها فتاوى ابن باز.
ومن كلام شيخ السواركة يتضح أن انتشار أفكار السلفية الوهابية المتشددة فى سيناء منذ أمد بعيد وقد كان طبيعيا أن يؤدى ذلك إلى الوصول لمرحلة السلفية الجهادية التى تعانى منها شبه الجزيرة ومعها مصركلها الآن، فالسلفية الجهادية تستمد أفكارها ومرجعياتها من تنظيم القاعدة الذى كان التطور الطبيعى للفكر الوهابى المتشدد، ولا ننسى أن أحد أهم زعمائها فى مصر الآن الشيخ محمد الظواهرى شقيق زعيم تنظيم القاعدة الحالى أيمن الظواهرى.
∎ مشكلة ترعة السلام
وانتقل الشيخ خلف الخلفات فى حديثه بعد ذلك إلى مشروعات التنمية التى كان نظام مبارك يطنطن بها فى سيناء، حيث أكد الشيخ اعتراض أبناء سيناء على مسارات هذه المشروعات التى لا تخدم أحدا، وبالتالى لم تحقق الغرض الذى أقيمت من أجله وهو زرع سيناء بالبشر، فلقد كانت هذه المشروعات تستهدف توطين نحو 2,3 مليون مواطن فى سيناء، ورغم أن المشروع القومى الذى كان يستهدف جذب هذا العدد الكبير من المواطنين إلى سيناء بدأ فى عام 1994 وكان مقدرا له أن ينتهى فى 2017، فإنه بعد مرور 01سنوات على هذا المشروع وبالتحديد فى عام 2004 «وقت حديثنا مع شيخالسواركة» لم تتجاوز نسبة نجاحه 3٪ فقط، حيث بلغ عدد سكان شمال سيناء فى 2004 نحو 306 آلاف نسمة فقط، وضرب الشيخ خلف مثالاً بترعة السلام، حيث أكد أن المسار الحالى لترعة السلام بمحافظة شمال سيناء والذى كان نظام مبارك يعول عليه لتعمير المنطقة باستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية، تعبر فيه الترعة قناة السويس فى منطقة سهل الطينة رغم أن هذه المنطقة صعب إن لم يكن من المستحيل استصلاحها لأنها أرض ملحية بنسبة كبيرة جدا، حتى أن الخبراء ينصحون بغسلها من ماء البحر المتوسط أكثر من مرة، ثم زراعتها بعد ذلك بنباتات معينة لعدد من السنوات، ثم بعد خروج الترعة من سهل الطينة تتخلل مساحة كبيرة من الصحراء عبارة عن تلال رملية بها كمية من المياه الجوفية التى تساعد على زراعة النخيل، وهى منطقة بئر العبد، وهاتان المرحلتان من الترعة عبارة عن قناة مكشوفة معرضة لزحف الرمال عليها. كما أن هذا المسار قضى على مساحات كبيرة من النخيل، أما المرحلة الثالثة فى مسار الترعة فتتحول إلى أنابيب كبيرة مما يستلزم إقامة محطات رفع عملاقة بتكاليف باهظة حتى تصل المياه إلى منطقة السر والقوارير جنوبالعريش، وعندها تتوقف القناة، وتبقى المنطقة الشرقية وهى أهم مناطق سيناء وأخصبها دون مياه رغم حاجتها الشديدة إلى توصيل المياه إليها، وهى منطقة المنبطح والقسيم ووادى عمر وجنوب رفح والجورة ووادى الجميل والمقضبة والقريصة والبرث، وهذه المنطقة منخفضة عن منطقة السر والقوارير، ومن ثم فإن المياه ستسير فى الأنابيب فى انسياب طبيعى من أعلى إلى أسفل، ويرى أبناء سيناء أن المسار الصحيح الذى كان يجب أن تسير فيه ترعة السلام ولم يأخذ به نظام مبارك، بأن تخرج القناة من منطقة الشهيد أحمد حمدى وتسلك شرقا مباشرة إلى منطقة وسط سيناء وحتى منطقة السر والقوارير ومنها إلى المنطقة الشرقية مباشرة وعبر أنابيب كبيرة وخطوط منتظمة عليها كنترول محكم لتوزيع المياه على المناطق المحتاجة بما هو متاح من المياه، وبذلك نستفيد من الزراعة فى منطقة لا توجد بها آبار جوفية عكس منطقة بئر العبد التى توجد بها مثل هذه الآبار.
هذا هو رأى ابن سيناء المواطن العادى الذى له خبرة فى كيفية تعمير الأرض لأننا فى حاجة إلى تعمير المنطقة الشرقية الحدودية بنقاط تعمير وإن كانت صغيرة، حيث إنها ستشكل حصنا منيعا من البشر على حدودنا مع إسرائيل، وهو ما تفعله الدولة الصهيونية على الجانب الآخر من الحدود، حيث أقامت نقاط تعمير زراعية على الحدود مقابل وادى عمر «منفذ العوجا»، وكل من يزور تلك المنطقة يرى الفارق ويعقد المقارنة المحزنة، فلماذا لم تقم حكومة مبارك بهذا العمل وتوصل المياه إلى المنطقة الشرقية فتعمر أجزاء غالية بالبشر ويتحقق مشروع أو حلم توطين ملايين المصريين فى سيناء.
وما قاله شيخ قبيلة السواركة قبل 9 سنوات أكد عليه الخبراء والمتخصصون بعدها بسنوات مثل المهندس حسب الله الكفراوى الذى أكد أن مسار ترعة السلام الحالى جاء بعيدا عن المكان المحدد فى دراسات الجدوى التى تمت فى عهده.
وأرجع الكفراوى فشل الاستمرار فى ترعة السلام إلى مرورها فى منطقة سهل الطينة، والذى تصل فيه الملوحة لدرجة أعلى من ملوحة البحر الأبيض المتوسط، وتحتاج إلى خمس سنوات غسيل، وقال الكفراوى إن نظام مبارك كان يعلم ذلك ومع هذا حفر الترعة فى مسارها الحالى.
∎ لا حياة لمن تنادى
ولم يستمع أحد من رجال ومسئولى نظام مبارك لما يقوله شيخ قبيلة السواركة وتجاهل جميع محافظى شمال سيناء فى عهد مبارك - الذين التقى بهم الرجل - تحذيراته ومطالباته بتعديل مسارات مشروعات تعمير سيناء حتى رحل الشيخ خلف حسن الخلفات عن الدنيا فى يونيو 2009 وانطبق عليه قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ..
لكن لا حياة لمن تنادى
ولقد أوقدت لو أشعلت نارا ..
لكنك تنفخ فى الرمادى
وبعد الشيخ خلف ظل أبناء قبيلة السواركة ومشايخها يحذرون مما حذر منه شيخهم الراحل، خاصة انتشار الإرهاب والتطرف فى شمال سيناء وازدياد نفوذ الجماعات التكفيرية حتى دفع أحد أهم مشايخها حياته ثمنا لهذا الموقف عندما اغتالت هذه الجماعات الشيخ خلف المنيعى أحد كبار مشايخ السواركة وابنه محمد عقب حضوره مؤتمرا جماهيريا فى قرية المهدية للتضامن مع الجيش فى وجه جماعات التكفير والإرهاب فى 11 أغسطس 2012 الماضى.
فسيناء وبخاصة شمالها تعانى منذ أيام مبارك من البلطجة والانفلات الأمنى وانتشار الأفكار المتشددة وغياب مشروعات التنمية الحقيقية، وبالتالى فشل زرعها بالبشر لتظل شبه الجزيرة مرتعا خصبا لكل من يريد أن يضر بحاضر ومستقبل هذا البلد.