6 يونيو 2024.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    أسعار الأسمنت اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    ضبط 9 مركبات توكتوك مخالفة بمدينة دسوق في كفر الشيخ    تعديل المخططات التفصيلية ل5 قرى بمحافظة البحيرة    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    البيئة ونقابة الصحفيين يوقعان بروتوكولا لرفع الوعي البيئي بالقضايا البيئية المختلفة    مستشفى شهداء الأقصى: استقبلنا 141 شهيدا و380 مصابا خلال يوم واحد    إسبانيا تعلن انضمامها إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية ضد إسرائيل    إسبانيا تعلن انضمامها إلى جنوب أفريقيا فى قضية الإبادة المرفوعة ضد إسرائيل    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مركز صلاح.. حيرة مستمرة من برادلي إلى حسام مع منتخب مصر    تصل إلى 46 درجة في الصعيد.. مصر على موعد مع ذروة الموجة الحارة اليوم وغدًا    رفضت العودة له.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    جانتس يطالب بالاستعداد لقتال يمكن أن يصل للحرب مع حزب الله    وزير التعليم العالي يشهد اجتماع المجلس المصري- الأمريكي المُشترك للعلوم والتكنولوجيا    تفاصيل لقاء رئيس مجلس الشيوخ ومفتي كازاخستان    خريطة دخول الجماهير لحضور مباراة مصر وبوركينا فاسو وموعد فتح بوابات استاد القاهرة    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    تحرير 1265 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة    السعودية تتحرى هلال ذي الحجة اليوم وتعلن موعد عيد الأضحى    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    خبير فلسطينى: كل ما يتم بالغرف المغلقة يتملص منه نتنياهو ويضع العراقيل أمامه    الصحة العالمية تعلن أول وفاة مرتبطة بسلالة إنفلونزا الطيور (إتش5 إن2) بالمكسيك    منتخب السعودية يفقد تمبكتي أمام باكستان فى تصفيات كأس العالم 2026    عاجل:- إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة القليوبية للترم الثاني 2024    اليوم ختام امتحانات الدبلومات الفنية فى شمال سيناء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شوارع القاهرة والجيزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    خالد النبوي يبدأ تصوير مسلسل حالة إنكار.. تعرف على تفاصيله كاملة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    اليونيسف: 9 من بين كل 10 أطفال بغزة يفتقرون للغذاء اللازم للنمو السليم    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    جامعة الأقصر تنفذ قافلة طبية مجانية في الساحة الرضوانية بقرية البغدادي    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    531 ألف جنيه، إجمالي إيرادات فيلم تاني تاني    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة المواطن المصرى : من الزخم السياسى .. للزهق السياسى

تعودت وأنا أصعد لشقتى مساءً على سماع صوت تنقل عم محمد البواب بين القنوات الإخبارية وبرامج التوك شو حاله حال العديد من الأسر المصرية التى أصبحت السياسة شغلها الشاغل منذ قيام ثورة 52 يناير، وما فاجأنى هو تعالى صوت أغنية لسكتش ثلاثى أضواء المسرح فى هذا اليوم.. ولم تكن هذه هى المرة الوحيدة فقد تكرر ذلك ولم يعد يخرج تليفزيون عم محمد سوى صوت الأغانى، فلم أستطع تجاهل الموقف وسألته عن هذا التحول المفاجئ فأجاب: «خلاص يا أستاذة دماغنا وجعتنا من السياسة.. مش طايقين نسمع سيرتها.. الحالة من سيئ لأسوأ ومفيش فايدة.. فنروق أعصابنا بفيلم كوميدى أو أغنية قديمة أحسن».




لم يكن هذا هو حال عم محمد فقط، فبعد هذا الموقف بعدة أيام ذهبت للميكانيكى لإصلاح عطل فى سيارتى فسمعت حديثا بينه وبين زبون آخر يشتم فى السياسة والكلام فى السياسة ويقول: «حلفت لا أتكلم ولا أتفرج على برنامج فيه رائحة السياسة فقد شبعت كلاما.. فكله كلام فى كلام ولا مكان للأفعال ولو استمررنا فى الكلام أو السماح لأحاديث السياسة إما سننتحر أو سنصاب بالجنون.. تكرر الحوار عندما ركبت التاكسى فى طريق عودتى من عند الميكانيكى عندما تركت له سيارتى ولم أكن ركبت تاكسى منذ فترة، وما أذكره بعد الثورة مباشرة أن كل سائقى التاكسى الذين ركبت معهم كانوا دائمًا ما يبهرونى بثقافتهم السياسية ونقدهم ومناقشتهم لكلام السياسيين والنخب فى برامج التوك شو، وما حدث فى هذا اليوم أننى وجدت السائق بعد استماعه لنشرة الأخبار على إحدى محطات الراديو ما أن علم أنه سيتم إذاعة برنامج سيتم فيه استضافة رئيس أحد الأحزاب الحديثة إلا وغير المحطة فورًا وقال لى معلقًا: «مش كده أحسن؟! إحنا خلاص زهقنا من «أم السياسة» واكتأبنا إحنا عايزين ناكل ونلبس ونعلم ولادنا ومش الكلام اللى بنسمعه ليل نهار هو اللى هيحقق دا إحنا تعبنا سنتين من «الرغى السياسى» لما اتخنقنا من وقت الثورة والمحصلة إيه؟! ولا حاجة».انتقلت من هذه الشريحة البسيطة إلى الشريحة المتوسطة لأ تفقد حالها مع السياسة ومع الكلام فى السياسة.
∎ مافيش سياسة
«طول النهار برامج خناقات بين ما يسمونهم «النخبة» والنتيجة الصفر»، هكذا بدأت معى السيدة نيهال محمد ربة منزل حديثها وتضيف: «الناس تعبت كل الأخبار «لا تسر عدو ولا حبيب»، نسمع إيه؟ وليه؟ كنا متحمسين بعد الثورة ولا نتكلم إلا فى السياسة حتى فى البيت مع زوجى والأولاد وبعد فترة وجدنا أن أحلامنا بوجود حرية وعدالة تبخرت وحل محلها حزب تحت اسم «الحرية والعدالة»، ولكن أبعد ما يكون عن المعنى أصبحت الآن أحول القناة فورًا إذا وجدت أى شىء يخص السياسة وأهرب لتمثيلية تركى أو فيلم أبيض وأسود واتفقت وأسرتى على ذلك حتى لا نصاب بالضغط والسكر.
المهندس سيف عبدالعزيز يوافقها الرأى فيقول: أى جلسة فى كافيه أو زيارة لصديق أو حتى قعدة أمام التليفزيون مع زوجتى وأولادى كانت تدور حول السياسة وفجأة زهقنا و«قرفنا»، فنحن نتكلم وفى الآخر نصدم بما يتنافى مع أى مبدأ من مبادئ قيام الثورة وأهدافها، لذا قررت أن أنسى السياسة وأحول اتجاهنا لأى شىء «يفيد».هل بالفعل زهقنا كمصريين من السياسة؟ هل استسلمنا؟ هل انتقلنا من الزخم السياسى لحالة من الزهق السياسى؟ أسئلة طرحتها على نفسى وعلى نخبة من أصحاب الرأى وعلماء الاجتماع.
∎ ضحكة الطفل
الشاعر العظيم الخال «الأبنودى» له تحليل لما آل إليه الوضع لدى المصريين ولحالة الفتور والزهق من السياسة فيقول: «أرجو ألا يزعجنا التشبيه الذى سأٍقوله فأنا أرى الجماهير كالطفل حين يبتهج لا يبقى مكانًا لإحساس آخر وحين يحدث ما يغضبه ينتقل فجأة من لحظة السعادة المطلقة إلى التعاسة الكاملة نافيًا ومتجاوزًا ما بين الحالتين والطفل ليس لديه رصيد من التجارب التى تجعله يحتمى بها حين تلم به الأحزان، ليس معنى هذا أن الجماهير ليست لها تجربة بل على العكس لها تجربة «حياتية» تتعلم منها أما بالنسبة للسياسة فالشعب المصرى وبالذات بعد قيام ثورة 25 كانت السياسة لديه هى محبة الرئيس وتأييده والخروج لدعمه وليست السياسة بمعناها الذى نعرفه كعلمٍ معقدٍ ومكثف ومتراكم..
وما حدث بعد ثورة يناير أن ظهر فى الأفق «قوس قزح» بألوانه الرائعة أمام أعين البسطاء وتفائل الناس تفاؤلاً أشبه بضحكة الطفل وحين نجح من خانوا الثورة واستطاعوا خطفها وظهر على ملامحهم أنهم لا يعرفون شيئًا عن الجماهير ولا يهمهم الجماهير فى قليل أو كثير، ما تهمهم السلطة و«تفويرها» والاستيلاء عليها من كل جانب من جوانبها فى وقت قصير جدًا، ووجدت الجماهير أن حياتها ازدادت حرارة وعنتًا وغلبًا فانكمشت هذه الانكماشة التى نراها بالذات بعد أن انكشفت ملامح الوجه غير الإنسانى الذى كان مختبئا عن الناس حين كان الإخوان والسلفيون خارج السلطة» وهنا قاطعته متسائلة وهل من الطبيعى هذا الانكماش وإلى متى سيستمر؟! فأجاب: «هذا الانكماش هو الكآبة والإحباط الرهيب واليأس الناتج عن غياب التجربة السياسية التراكمية التى تقى الجماهير من الوقوع فى كل ذلك، لذا فقد بدأت الناس تنصرف عن حلمها وتركت للطليعة التى تسكن أواسط المدينة أن تظل وتستمر فى «تشاغباتها»، والسلوك بنفس الطريقة السابقة ضد حسنى مبارك وجماعته من معارك ومظاهرات وتكون محصورة عليهم لأن الواقع ليس فقط منتصف المدينة فمصر مترامية الأطراف ولا نعرف عنها شيئًا خارج أسوارها بشبر واحد، وأعتقد أن هذه التجربة المريرة التى مررنا بها كان الأولى والأجدر أن تفيضنا وتجعلنا نكتشف أننا بدون قواعد جماهيرية ونلعب فى الهواء الطلق وأن أناشيدنا وخطبنا وتحليلاتنا تضيع فى هذا الهواء ولا تؤدى الهدف منها سوى إعلان أننا أناس شرفاء وكأننا لا نثق فى ذلك».
∎ إنه القلق و«القرف»
الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يرى أن المواطن المصرى لم يفقد اهتمامه بل هو يشعر بالقلق وهو شعور سياسى ويرجعه لعدة أسباب قائلاً: «لقد صنعنا شيئًا جيدًا جدًا هو ثورة 52 يناير ولا أظن أن هناك شخصا لديه شعور بالمواطنة يرى أن هذه الثورة لم تكن ضرورية لأن الجميع يشعر بالفساد الذى كان لابد من أن يزول، ولكن ما حدث لدى المواطن البسيط هو «سقف توقعات عالٍ جدًا»، فقد تصور الشعب بعد الثورة أن الحال سينقلب فورًا وتكمن المشكلة ليست فقط فى سقف التوقعات ولكنها أيضا لم تكن محددة أو دقيقة فالشعب به شريحة تزيد على 04٪ تعانى الأمية وتسلم بالغيبيات فراجت مقولات غير واقعية مثلا عن حجم ثورة مبارك المهربة للخارج، وكذلك عن القدرة على استرجاعها سريعًا وما يتبع ذلك بالنسبة على حياة المواطن مباشرة من الضنك إلى الرغد، وبالطبع هى لم تكن رؤية واقعية ولكن أى شخص لديه وعى سياسى يعلم أن بناء نظام جديد سيأخذ وقتًا طويلاً جدًا».
ويضيف الدكتور نافعة أن السبب الثانى هو النخب فيقول: لقد تصارعت النخب التى صنعت الثورة ولم تتوحد، وللأسف فقد وحدتنا الكراهية وفرقنا الحب وهو ما كتبته فى إحدى مقالاتى بمعنى أن كراهية النظام القديم هى ما وحدتنا فى ميدان التحرير، ولكن لم يستطع حب الوطن أن يجمعنا على قلب رجل واحد ولم تتمكن النخب السياسية من إقامة نظام بديل يحقق آمال الشعب، وتصارعت فصائل المعارضة مما أدى لوصول الإنسان المصرى بالقلق والشعور بالغربة والنفور من السياسة بمعناها الضيق لدى المواطن لأنه كان يريد سياسيين يحبون الوطن ويعلون مصلحته على مصالحهم الحزبية وهو غير موجود فى الواقع، فكانت النتيجة الطبيعية النفور والشعور بالقلق بل «بالقرف» وتساءل «هل هذا هو ميدان التحرير؟ هل هذا ما كنا نشعر فيه بالفخر ونأمن على أولادنا وبناتنا بالبيات فيه؟ هل هذا المكان هو ما كنا نأمل أن يكون مزارًا ومكانًا شاهدًا على عظمة ثورتنا؟ لقد تحول لمكان للبلطجية ووكرًا للجريمة والمخدرات، فالطبيعى هذا القلق والخوف.. ولكن فى نفس الوقت مع كل هذا القلق أظن أن الشعب المصرى لن يعود كما كان قبل 52 يناير ولن يفقد أبدًا اهتمامه بالسياسة كما تعلو بعض الأصوات بأن الشعب «خلاص سكن وفقد اهتمامه بالسياسة»، وما يحدث الآن وهو فى مصلحة المواطن تساقط الأقنعة..
أقنعة الإخون والسلفيين والحدود التى تفصل بين الدين والسياسة وبدأ إدراك أن ليس كل من يتكلم بالتعاليم الدينية غرضه الدعوة وأن التحدث بالدين من منظور سياسى ليسن له القدرة على حل المشكلات وإدراك أن هناك مساحة للدين ومساحة للسياسة ولا يجب الخلط بينهما، وإنما هى وسيلة للوصول للمطامع الحزبية والسياسية وتوظيف الدين لذلك، ومن الناحية التاريخية فجماعة الإخوان المسلمين كانت تعيش فى الظلام ولم يكن الإنسان العادى يدرك هل مشروعهم دينى أم سياسى ولكن الدعاة الحقيقون هم مشايخ الأزهر وتساقط كل يوم الأقنعة وهو ما يدفع الإنسان للقلق والانتظار وهو يختلف كثيرًا عن الخنوع والاستسلام.
∎ علم الاجتماع يحلل
الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس له رؤية فى حال المواطن المصرى الآن وما يظهر عليه من عزوف عن المناقشات السياسية ويحلل ذلك قائلاً: «الناس مصابة بدرجة عالية من خيبة الأمل فى النظام القائم ولم تعد ترى فيه إلا كل الهزل، لذا ففى رأيى لم ينقطع المواطن البسيط عن الحديث فى السياسة وإنما استبدله بالانتقاد بإطلاق النكات على رموز النظام وأفعاله وأقواله «الخايبة» وعدم الحديث المباشر فى السياسة إنما هو رفض الاعتراف بما هو قائم لأنه لا يستحق منهم حتى مجرد الاهتمام واستبدلوه بأسلوب مقاومة إيجابى هو السخرية وكأن لسان حالهم يقول: «ليس هناك الآن ما يسمى سياسة».
وعندما سألت الدكتور سمير نعيم عن صحة ما يقال إن الشعب المصرى سكن ولن تحركه أى قوة ثانية إلا بعد عشرات السنين، وأنه استسلم للوضع رفض ذلك جملة وتفصيلاً وبرر ذلك قائلاً: «ليس من الضرورى أن يتحرك الناس جميعًا المهم أنه لا تزال هناك حركة، فمجرد وجود حملة لجمع ملايين التوقيعات لإجراء انتخابات مبكرة دليل على وجود تحرك ففى تفسيرى لم يعد هناك خوف وما كان يقال عن قوة الإخوان بدأ فى التلاشى بدليل قتل القيادى الإخوانى فى الشرقية، ومع رفضنا لكل أشكال العنف إلا أن ذلك يظهر أن هناك تمردًا واختفاء الخوف من الإخوان رغم وجود زوار الفجر ورغم القتل والسحل، وطالما كان هناك تحرك من جانب الإعلاميين والناشطين، فهذا دليل على عدم استكانة المصريين وأنهم لم يتخلوا عن السياسة وإن اختلف الأسلوب.
∎ استراحة المحارب
توافقه الرأى الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس فتقول: «لا نستطيع أن نعمم حالة إحباط البعض من السياسة والهروب من الحديث عن الواقع السياسى المصرى اليوم فمازال هناك قطاع مهموم يتابع لحظة بلحظة خاصة من أصحاب الرؤى والرأى الذين لم يستسلموا للإحباطات ومهما كانت الرؤية مضطربة فعندهم يقين بأن الفرج قادم رغم كل التراكمات السلبية التى تحدث وكل موقف يحدث يكون بمثابة القشة التى تقصم ظهر البعير فى يوم من الأيام»، وتقسم الدكتورة نادية رضوان المصريين لعدة شرائح يتوقف عليها رد فعلهم تجاه احباطات فترة ما بعد الثورة فتقول: «هناك شريحة من الناس أعصابها تعبانة دخلت معترك السياسة مؤخرًا كانت قبل ذلك ليست لهم رؤية أو كما يطلق عليه «حزب الكنبة» هؤلاء هم من رأوا أن الوقت طال والمعوقات والضحايا زادت وليس هناك نجاحا سريعا يجنونه أو يشعرون بنتائجه».
الشريحة الثانية ممن أضيروا فى لقمة العيش وهى الطبقات الفقيرة والتى تصل إلى 58٪ أو 09٪ من الشعب المصرى وقلت راحتهم بسبب خوفهم على مستقبل أولادهم هؤلاء لا يمكن أن يستسلموا ولكنهم يتحملون وهدأوا لفترة أشبه ما تكون «استراحة المحارب».أما الجزء الباقى فهم من قال فيهم كارل ماركس: «الدين أفيون الشعوب» وهم المتطرفون دينيًا الذين لا يريدون جنيًا الآن بل ينتظرونه فى الآخرة ولسان حالهم يقول: «اعطوا للنظام فرصة ويؤمنون بهذا النظام إيمانًا شديدًا».
وفى رأيى فإنه فى المجمل مهما كان العدد الذى يتحرك قليل أو غير منظم إلا أن الشهداء والعنف ضد المرأة ومشاهد السحل لم تجعل أسبوعًا يمر دون أن يرفع الناس أصواتهم وتتعالى الهتافات ضد الظلم وهذا هو المهم، وهذا هو ما يجعلنى أرفض فكرة أن الشعب المصرى استسلم أو خضع. فثورة 52 يناير نفسها لم تبدأ إلا بأصوات قليلة فى بدايتها من مفكر ومناضل وقلم حر إلى أن فُجرت عن طريق الفيس بوك كذراع للبطل الأساسى وهو الكلمة الحرة وليس معنى أن نشاهد فيلما عربيا أو نسمع أغنية أننا استسلمنا وإنما هى كما أطلق عليها «استراحة المحارب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.