ثورة عارمة قادها طلاب جامعة الأزهر من سكان المدينة الجامعية الأسبوع الماضى، فقد خرجوا عن صمتهم معلنين سوء الأحوال المعيشية داخل المدينة، حيث رداءة الطعام وانعدام الخدمات المقدمة للطلبة، وما هى إلا أيام ولحق بهم فتيات المدينة الجامعية، لنفس الأسباب، ورغم محاولة شيخ الأزهر احتواء الموقف من خلال لقائه مع وفد من طلاب وطالبات جامعة الأزهر لمناقشة الموضوعات المتعلقة بتحسين الخدمة بمرافق الجامعة وتعزيز النواحى الأمنيّة، وقيامه بالموافقة على معظم طلباتهم واعتبارها منطقية ومشروعة . إلا أن تلك الواقعة فتحت المجال أمامنا للبحث فى أحوال السكن الخاص بالجامعات الحكومية، فإذا كان هذا هو حال سكن طلبة وطالبات جامعة الأزهر تلك المؤسسة الدينية العلمية الأكبر فى العالم فما بالنا بالمدن الجامعية للجامعات الحكومية.
∎مأساة طالبات عين شمس
سؤال حاولت الإجابة عنه، وقررت منذ بداية بزوغ الفكرة فى عقلى الاعتماد على المعايشة الذاتية للواقع، وعدم الاكتفاء بالحكاوى والسرد فقط حتى لو كان ذلك مدعما بالصور والفيديوهات، وبما أن ذلك كان مستحيلا بالنسبة للمدن الجامعية الخاصة بالبنين، فقررت التوجه لأماكن السكن الخاص بالفتيات لأعايش التجربة عن قرب، وفى منطقة الزيتون وفى أحد الشوارع المتفرعة من شارع جسر السويس، حيث تسكن طالبات جامعة عين شمس كانت المفاجأة، فصعوبة الدخول إلى المبنى فاقت فى تخيلى صعوبة الدخول إلى مبنى البنين، وعلى البوابة الرئيسية قابلت كثيراً من الفتيات اللاتى أكدن لى كلام المشرفة بأنه غير مسموح بالدخول سوى لأقارب الطالبات، على أن يكون الجلوس فى البهو الخاص بالمدينة أو الحديقة، فالإدارة تمنع الصعود لغير الطالبات والعاملات، ورغم ذلك فسوء الأوضاع داخل المدينة جعل الطالبات يصورن ذلك الوضع المأساوى بالكلمات، حيث تقول إحداهن نحن عشر فتيات فى الغرفة الواحدة، حيث يوجد فى الغرفة خمسة أسٌرة حديدية قديمة بنظام الطابقين، ومكتب متهالك واحد، وأستطيع أن أقول لك أن الغرفة ضيقة جدا ولا يوجد بها أى متنفس للحركة، وفضلا عن أن النوم على المراتب والوسادات الإسفنجية غير مريح أبدا، إلا أن ذلك كله يهون أمام الطعام الذى يُقدم لنا يوميا، حيث تقول، الأسبوع مقسم إلى يوم لحم، ويوم دجاج، ويوم بانية، ويوم كشرى، وأخيرا يوم تونة، وفضلا عن البانيه المشرب بالزيت، والدجاج الملىء بالدم، والكشرى ذو الطعم الغريب الذى يشاع فى المدينة بأكملها أنه عبارة عن بواقى الأيام السابقة، إلا أن أكثر منظر مقزز بالنسبة لى، أنهم يضعون الأرز والخضار وباقى الأكل فى «طشت كبير» يشبه طشت الغسيل، حيث تجلس إحداهن وتتولى توزيع الأطعمة على الفتيات، أما بالنسبة للنظافة والخدمات فالجميع أكد لى أن الدادات يقمن بتنظيف الحمامات يوميا ولكنها تعود وتتسخ من جديد نظرا للكثافة العددية فى كل دور، هذا فضلا عن الانقطاع الدائم للمياه لاسيما فى الأدوار العليا، كما أن سخانات المياه فى معظم الأدوار متهالكة ولا تعمل مما يتسبب فى مشكلة كبيرة جدا للفتيات وخاصة فى فصل الشتاء، والمذاكرة داخل الغرفة مستحيلة، لذا من ترغب فى المذاكرة فعليها أن تجلس فى الممر خارج الغرف، أو على السلم بجانب القطط التى تملأ المدينة، أو إذا لزم الأمر تنزل إلى الحديقة وتتحمل البرد الشديد بحثا عن الهدوء رغم عدم وجود ضوء كاف، يبقى هنا أن أقول أن البنات تظل أقل جرأة من البنين فى مواجهة أحوال المدينة السيئة، فجميعهن بلا استثناء رفضن التصوير أو حتى ذكر أسمائهن، خشية أن تراها إحدى المشرفات فتعرف أنها من أدلت بالتصريحات.
∎دورات مياة قذرة وطعام ردىء
وفى المدينة الجامعية الخاصة بالبنين لم يكن الحال أفضل كثيرا، فكما يقول أحمد سالم طالب بكلية الألسن ظللت عاما كاملا أطلب من القائمين على المدينة ثلاجة دون جدوى، فقد كانت حاجتى إليها ماسة، حيث إننى مريض بمرض السكر وأحتاج إلى وضع جرعة الأنسولين فى الثلاجة حتى لاتفسد، وكنت أضطر إلى وضعها لدى صيدلى قريب من المدينة، وحتى فكرة شراء ثلاجة على نفقتى الخاصة كانت فكرة مرفوضة بالنسبة لهم حتى حنوا علينا مؤخرا واشتروا لنا عدداً من الثلاجات، كما اشتروا بعض المراوح لأننا كنا نعانى عند قدوم الصيف، لكن رغم ذلك فالمدينة تحتاج إلى تطوير كبير حتى يمكن أن نطلق عليها مكان يصلح لأن يحيا به بشر، فالغرف متهالكة، والجدران سقط من عليها الدهانات مع الزمن، والنظافة مجرد كلمة تقال، ولكن لانرى أى مشهد من مشاهدها، سواء فى دورات المياه القذرة التى معظمها ونحن فى عام 2013 حمامات بلدى بدون قاعدة، أو فى الطعام الردىء الذى يقدم فى صحون متسخة من الأساس، وحتى العمال الذين يقومون بطهو الطعام ملابسهم قذرة وطريقتهم فى الإعداد والتقديم منفرة، ويدق أحمد ناقوس خطر حيث يقول: هناك أحد مبانى المدينة الجامعية والذى يطلق عليه «مبنى الجمهورية» فهذا المبنى عائم على المياه وتقوم إدارة المدينة حاليا بالحفر أسفله لشفط المياه مما ينذر بكارثة وشيكة.
∎عينك على مدينتك
وفى جامعة القاهرة كان الوضع أكثر مأساوية، كما أنه أكثر تنظيما فى نفس الوقت فهناك مجموعة من الطلبة قرروا أن يرصدوا الانتهاكات التى تحدث لهم ولزملائهم فى المدينة ليواجهوا بها المسئولين، وكان هؤلاء الشباب هم أعضاء حركة (عينك على مدينتك)، وعن تلك المطالب وسبل تحقيقها يقول محمد حسنين المنسق العام للحركة ومسئول عن لجنة التغذية بالاتحاد، دخلت المدينة منذ عام 2010 ومنذ ذلك التاريخ الوضع يزداد سوءاً، فالرعاية الصحية بالمدينة سيئة جدا، والطبيب المعالج بالوحدة الصحية بها كان حتى وقت قريب طبيب نساء وتوليد قبل أن نفتضح أمره ونطلب تغييره ليأتوا لنا بآخر لايفرق كثيرا عنه، فالطبيب الجديد يجلس على مكتبه وبجواره صندوق ملىء بالأقراص والحبوب، وأى شكوى تأتى له من أى طالب لايحرك ساكنا، فقط يقلب بيده داخل الصندوق ليخرج حبة أو قرص ليعطيها للطالب دون تدقيق فى نوعية الدواء ومدى ملاءمته للحالة الصحية التى أمامه، أما بالنسبة للإسعافات الأولية فهى معدومة، فزميلنا محمد جمال والذى سقط من شرفته منذ حوالى شهرين ليلقى حتفه ظل ينزف لمدة تزيد على الساعة قبل أن تأتى سيارة الإسعاف بعدما فارق الحياة، لذا فنحن نطلق عليها سيارة نقل موتى فهى تفتقر لأى شىء يدل على أنها سيارة إسعاف، فلا يوجد بها حتى لمبة إنارة ولا أى مستلزمات إسعافات أولية لذا فإن من أهم مطالبنا هو إحضار عربة إسعاف مجهزة بالإضافة إلى إقالة مدير عام المدن وإقالة مدير الشئون الهندسية ومدير عام المطاعم، كماأننا نحلم بتقديم غذاء آدمى للطلبة وإنارة الملاعب حتى يستفيد منها الطلبة، وعن أسباب طلبهم باستقالة كل هذه القيادات يقول، لكل واحد من هؤلاء قصة تقصير وواقعة فساد مثبتة لدى بالمستندات، فهناك بلطجية يقفون على بوابة المدينة يبيعون المخدرات على مرأى ومسمع من الجميع ومدير عام المدن يعلم ذلك جيدا، ولايزالون حتى الآن يمارسون نشاطهم بكل حرية، وعلى صعيد آخر فإن مبنى رقم 12 قد دخل فى الصيانة العام الماضى، وكنا قد توقعنا تجديده بالكامل، حيث صرف عليه مبلغ مليون ونصف، ولكننا بعد دخولنا للعام الدراسى الجديد بأسبوع واحد فوجئنا بأن الأدوار رشحت منها المياه، كما أن الدهانات غير مطابقة للمواصفات، حتى أبواب الغرف المتهالكة والتى كان من المفترض تغييرها، تم تغيير مائة باب فقط من أصل ربعمائة وخمسين بابا، كما لم توضع مراوح فى الغرف كما كان مقررا، وإذا كان التغيير شكليا وغير حقيقى فنحن نتساءل أين ذهبت الأموال التى أنفقت على تجديد المبنى، لذلك ثورنا على الظلم وذهبنا للقاء د.حسام كامل رئيس جامعة القاهرة، ووعدنا بإصلاح حال المدينة ورفع كفاءة الوحدة الصحية وتخصيص عربة إسعاف للمدينة من قصر العينى أو القصر الفرنساوى بما أنهما مستشفيان جامعيان ولكن ومع الأسف لم تتحقق الوعود.
∎صراصير فى المطبخ
وعن التغذية يقول، الطعام بالمدينة سيئ جدا، والصراصير تملأ المطبخ بشكل مقزز، كما أن الطهاة لا يطهون الطعام جيدا فنأكل الدجاج بدمه كما أنه له طعم غريب، وقد تحدثت مع مدير المطعم ومدير عام المدن ومسئول ملف التغذية، وعرضت عليهم الأمر وطلبت منهم إصدار قرار بضرورة تنظيف المطبخ بعد الانتهاء من وجبة العشاء، حيث إن العمال يغلقون المطعم فى المساء دون تنظيفه مما يتسبب فى زيادة الحشرات به، ولكن دون جدوى، كما طالبتهم بمراعاة آدميتنا فى طريقة تقديم الطعام الذى يوضع فىجرادل حديد يغطيها الصدأ من كل اتجاه، كما تحدثنا فى مشكلة عدم وجود كراسى كافية داخل المطعم مما يجبر غالبية الطلبة على الأكل وهم واقفون، مع العلم أنه فى بداية العام الدراسى تم توريد ألف كرسى جديد للمطعم لكنهم سرعان ما اختفوا، كما أنه أيضا تم توريد سماعات للمطعم بمبلغ أربعة وستين ألف جنيه وهو رقم مبالغ فيه جدا.
أما عن مشكلة الدجاج بالتحديد فقد علمنا أنه دجاج مستورد وليس بلدى ولأننا نطمح أن نأكل طعاما صحيا ذهبنا كأعضاء للحركة إلى المهندس أشرف عواجة مدير عام الجمعية الزراعية بالجيزة وأعلن استعداده التام لتوريد دجاج بلدى من إنتاج كلية الزراعة، وبتكلفة أقل بكثير مما تتكبده المدينة فى الدجاج المستورد، وعندما ذهبنا للمسئولين فى المدينة وعرضنا عليهم الأمر رفضوا بشدة، مما يشير إلى وجود شىء غامض فى المسألة.
∎وقائع فساد
حصلت «صباح الخير» على نسخة من مستندات خاصة بالمدينة الجامعية لجامعة القاهرة تشير إلى وجود شبه فساد إدارى داخل المدينة، وذلك بخلاف الكم الكبير من المكاتبات والاستغاثات التى أرسلها الطلبة لرئيس الجامعة ومدير الإسكان وعدد آخر من المسئولين والتى لم يهتم بها أحد على الإطلاق، ومن تلك المستندات مكافآت استثنائية لعدد من الموظفين بالمخالفة للقانون، فهناك مذكرة وقع عليها رئيس الجامعة بالاعتماد، وكانت تحوى استثناء الأستاذ طارق محمد كامل تيرانة المعين بتاريخ 2032010 من القرار الذى يقضى باحتساب حافز الجامعة بعد ستة أشهر من تاريخ استلام العمل، وبالفعل تم هذا الاستثناء، كما توجد مذكرات أخرى تطالب رئيس الجامعة بصرف مكافأة شهرية لنفس الشخص بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه من حافز المدن الجامعية، وأخرى تطالب رئيس الجامعة بصرف ألفى جنيه شهريا له خصما من الموازنة، وجميعها ذيلت بتوقيع رئيس الجامعة، كما يصرف له أيضا مبلغ 2500 جنيه شهريامن التعليم المفتوح، وفى إطار المخالفات المادية أيضا هناك مذكرة تطالب الدكتور عادل زايد نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب بصرف مكافأة تشجيعية لمجموعة من المشرفين على أعمال صيانة تمت فى المدينة، المضحك فى الأمر أن إجمالى المكافآت بلغ ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسين جنيها فى حين أن أعمال الصيانة نفسها لم تتكلف سوى مائتين وخمسة وعشرين جنيها!!
أما بخصوص المخالفات الإنشائية فهناك خطاب موجه من مشرف المبنى الذى تم تجديده مؤخرا إلى مدير الإسكان والذى تكلف مبلغ كبير جدا وكان من المفترض أن يُسلم إلى المدينة بحالة ممتازة، إلا أن شكوى المشرف تتلخص فى أن المقاول لم يتمم أعماله بالمبنى، فقد تم استلام المبنى وبه مشاكل بالصرف الصحى، بالإضافة إلى عدم تركيب زجاج فى بعض الغرف وكشافات فى البعض الآخر، كما أنه لم يتم جلى بلاط المدينة ولم يتم الإصلاح فى الغرف كما كان مقررا، والأهم من ذلك كله هو حدوث ترشيح يظهر فى أسقف دورات المياه، والسؤال هنا أين ذهبت كل هذه الأموال طالما الوضع فى المدينة يبقى على ما هو عليه رغم ادعاء التصليح والتجديد؟