تغير الزمان، ولم يتغير الحال فى مصر التى لم يعد الاتفاق فيها على شىء سوى الاسم والعَلَم، تغير النظام، ولم تتغير الأزمات التى لا تكاد تنتهى حتى تبدأ من جديد، عاد الثوار والمواطنون إلى الشوارع والميادين، معلنين غضبهم تجاه الأداء الحكومى والرئاسى المخيب للآمال. وانتقل الغضب هذه المرة إلى الضباط والأفراد والأمناء الذين خرجوا عن صمتهم، وقرروا إغلاق أقسام الشرطة فى 15 محافظة، وتعليق عملهم فى مديريات الأمن بمحافظات أخرى، إضافة إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مدينة الإنتاج الإعلامى رافعين لافتات ''لا نريد أن نكون فى مواجهة مع الشعب''.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى ظهور بعضهم عبر الفضائيات بالزى ''الميرى'' ليعبروا جميعا عن رفضهم أداء مهامهم الشرطية بسبب الزج بهم فى مواجهات مع الشعب، والمطالبة بعدم توريطهم فى هذه المواجهات، إضافة إلى إعادة تسليحهم بما يتناسب مع المهام الصعبة التى يؤدونها. فى البداية قال «ط. ر» - ضابط شرطة: هناك أسباب رئيسية ومهمة وراء غضب الضباط والأفراد والأمناء، السبب الأول هو أنهم وجدوا أنفسهم فى مواجهة مباشرة مع مثيرى الشغب، ومستخدمى الأسلحة الثقيلة بدون تسليح، فحدث احتقان بين صفوفهم، مطالبين بإعادة تسليحهم بما يضمن لهم الحماية الشخصية أثناء تأمين المظاهرات أو أثناء تأمين المنشآت العامة والخاصة، مشيرا إلى أن السبب الآخر هو اتهام الشرطة بانحيازها لفصيل سياسى دون غيره، وأرى أن هذا الاتهام غير صحيح لأنه لا يحق للشرطة أن تنتمى لأى فصيل أو تدافع عن وجهة نظره، دورنا فقط هو تأمين المنشآت وحماية المواطنين، حسبة الحزب الحاكم لا تخصنا.
وأكد أنه لن يتم تنفيذ أى تعليمات غير نمطية تنفيذا لسياسة الرئيس مرسى خاصة هذه الأيام التى أصبح فيها الصوت عاليا والضباط لن يتجرعها الصمت، أى أن الضباط إذا جاءتهم تعليمات مخالفة لما يفترض عمله فلن يقوموا بعملها، معلنا أن وزير الداخلية لم يجرؤ حتى الآن على اتخاذ أى قرار لصالح الإخوان.
وأوضح أن الشرطة تتحمل أكثر من طاقتها لأكثر من عامين وما زالت صامدة، وتقوم بدورها، ولو أن أشخاصا آخرين فى الحكم غير الإخوان كانت الشرطة ستقوم بنفس الدور، منبها إلى أن ما حدث يوم 82 يناير لن يتكرر مرة أخرى، لكن هناك سؤالا مهما لا أعرف إجابته حتى الآن وربما تجيب عنه الأيام القادمة وهو «من المستفيد من إسقاط الداخلية؟».
وعاد ليستكمل حديثه مستنكرا مسألة استخدام الشرطة كدروع بشرية لتأمين المظاهرات بدون تسليح، كاشفا النقاب عن عدم مبادرة الشرطة بالهجوم على المتظاهرين بل يدافعون عن أنفسهم بأجسامهم أمام بنادق الخرطوش والآلى التى تطلق الرصاص الحى.
وخلص إلى التأكيد على أن القانون يسمح للضباط وأفراد أمناء الشرطة بالتسليح فيما تمنعهم الوزارة من ذلك، مبينا أن سلب التسليح منهم مخالف للقانون، وهو ما أدى إلى إعلان ثورتهم على الداخلية فى الفترة الأخيرة.
∎ مخاوف إحلال وتبديل الشرطة
والتقط أطراف الحديث ''وائل زكريا'' - أمين شرطة وعضو الائتلاف العام لأمناء وأفراد الشرطة قائلا: لن نتنازل عن مطالبنا، والمتمثلة فى إعادة تسليح أفراد الشرطة لمواجهة المولوتوف والخرطوش فى مأموريات فض التظاهرات، إضافة إلى تسليحهم بشكل حديث للتصدى للبلطجية وأرباب السجون الذين يستخدمون أسلحة حديثة وبنادق آلية، وتغليظ عقوبة التعدى على أفراد الأمن، ومنحهم صلاحيات للتعامل مع المعتدين عليهم، إضافة إلى إقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وتطهير الوزارة، ووقف أخونتها.
فيما رأى ''محمد عمر'' - أمين شرطة بقسم قصر النيل: أن الاحتجاجات والإضرابات امتدت إلى جهاز الشرطة بقوة فى الفترة الأخيرة بسبب عدم تسليح الضباط وأفراد وأمناء الشرطة أثناء أداء المهام الشرطية، وتسليمهم ''طبنجات'' عفا عليها الزمن حتى أصابها الصدأ بينما تجبرنا الوزارة على حملها والتعامل بها، إضافة إلى إبعاد الضباط والأفراد والأمناء عن صلب عملهم وهو العمل الشرطى، وتكليفهم بخدمات غير مبررة، ناهيك عن خشية جميع العاملين فى الجهاز الشرطى من إحلال وتبديل جهازهم الشرطى لاستكمال مشروع أخونة أجهزة الدولة.
وأضاف: الواقع يؤكد أنه لا توجد خطة لتطوير وزارة الداخلية داخليا بعد الثورة، والأسباب عديدة منها عدم بقاء الوزير فترة زمنية كافية فى الوزارة لتنفيذ فكره وإحداث التطوير المطلوب من ناحية، وإنهاك قوى الوزارة يوميا فى مشاكل ليست طرفا فيها من ناحية أخرى.
وبشأن اتجاه الضباط والأفراد والأمناء الأخير بإغلاق الأقسام والإضراب عن العمل بسبب الزج بهم فى مستنقع السياسة عبر مواجهات مع الشعب، نفى اللواء محمد إبراهيم فى تصريح خاص لصباح الخير أن تكون الأجهزة الأمنية طرفاً فى المعادلة السياسية، مؤكدا أنها أداة الشعب لا سواه، وتنحاز انحيازا كاملاً له، وتعمل فى سبيل تحقيق أمنه واستقراره، كما أنها لن تكون أداة بطش أو عدوان فى مواجهة أبناء الشعب.
وأضاف: إن قوات الشرطة ستواصل أداء رسالتها فى حفظ الأمن فى إطار كامل من الشرعية والقانون، داعيا جميع القوى الثورية والسياسية الالتزام بآليات الديمقراطية، وعدم الزج بالوزارة فى أى معادلة سياسية، والتعبير عن آرائهم فى إطار من السلمية.
وشدد اللواء محمد إبراهيم على أن رجال الشرطة جنوداً وأفراداً وضباطاً، تحملوا ما تنوء به الجبال، وواصلوا التضحيات، وقدموا الشهداء بنبل وبسالة، فى سبيل أداء رسالتهم السامية، وإيماناً منهم أن أبناء شعبهم يستحقون ذلك، منبها إلى حرص رجال الشرطة على سلامة أشقائهم وأهلهم من أبناء الشعب الذين ينتمون إليه وهم جزء أصيل منهم.
∎ ادعاءات الأخونة
وعن أنباء إغلاق أقسام الشرطة فى 51 محافظة، أوضحت وزارة الداخلية فى بيان لها أن جميع رجال الشرطة جنوداً وأفراداً وضباطاً عازمون على مواصلة تحمل مسئولياتهم مهما تكبدوا من تضحيات فى سبيل أداء رسالتهم السامية فى حفظ الأمن، ويتطلعون حال أدائهم لرسالتهم مساندةً شعبية مخلصة تُعزز جهودهم وتُثمن تضحياتهم.
وأشار البيان إلى تأكيد الوزارة على قيامها بكامل واجباتها التى كفلها لها الدستور والقانون فى حماية مقدرات الوطن مهما كلفها ذلك من جهود وتضحيات من خلال استخدام جميع الصلاحيات المخولة إليها فى إطار إنفاذ القانون لدرء الاعتداء على المال والنفس، محذرة من أى محاولات لترويع المواطنين أو استخدام العنف ضد القوات والمنشآت.
وعما يتردد بشأن أخونة جهاز الشرطة، أوضح مدير الإدارة العامة للإعلام والعلاقات اللواء عبدالفتاح عثمان: جهاز الشرطة جهاز وطنى، يعمل وفق منظومة أمنية، فى إطار إنفاذ القانون دون النظر إلى عقيدة أبنائه أو انتماءاتهم السياسية، ونحن نؤدى عملنا فى ظل تلك المنظومة، متسائلا: هل يجوز أن نطلق على من يحمى المعبد اليهودى أنه يهودى أو من يؤمّن وفدا سياحيا أنه ملحد، مبينا أن هذا الادعاء بأخونة جهاز الشرطة لا يتفق مع نمط الواجب الذى نقوم بأدائه لحفظ أمن المواطن وتحقيق الأمان للكافة على ربوع هذا الوطن.