جاء مقتل شاب السويس على يد ثلاثة ملتحين ليضع قضية «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» المزعومة فى واجهة الأحداث، فهل يكون لمثل هذه الهيئة مكان فى الشارع المصرى؟.. خاصة مع ظهور العديد من الصفحات التابعة لهذه الجماعات المتطرفة على الفيس بوك وتويتر، وما يصدر عنها من تصريحات متطرفة تؤكد على رجعية فى الفكر، وفهم خاطئ لمبادئ الدين، وكان من هذه التصريحات ما صدر مؤخراً عن مجموعة أطلقت على نفسها اسم هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمصر، أنها ستبدأ فى استخدام العصى الكهربائية لكل من يخالفها فى الفكر أو المنهج. وأضافت الهيئة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، ردا على ما حدث لشباب القليوبية، أنها ستبدأ فى استخدام العصى الكهربائية فور الإفراج عنها من مصلحة الجمارك؛ وكان مجموعة من الشباب التابعين للهيئة قد تعرضوا للضرب من سيدات بمحافظة القليوبية، بعد أن اقتحموا محلات لتصفيف الشعر وهددوا العاملات بها لتركها.
هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يعرفها المصريون بارتباط وجودها بالمملكة العربية السعودية، التى توجد فيها هيئة ''قانونية'' مماثلة تابعة لنظام الحكم الإسلامى المتبع هناك، أما فى مصر فقد فوجئ المصريون منذ أشهر قليلة بظهور صفحة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، تعلن إنشاء هيئة مماثلة غير حكومية مؤلفة من شباب «متطوع يريد نصرة شريعة الله - كما يعتقدون»، وفى الأشهر الأخيرة تناقل المصريون على استحياء العديد من الروايات عن تلك الهيئة.
لكن تلك الروايات لم تلق صدى كبيرا فى الشارع ، إلا أن مقتل شاب السويس على يد ملتحين، قال مسئولون إنهم ينتمون إلى تلك الهيئة، سلط الضوء على وجود أمثال تلك الجماعات؛ وقوبلت فكرة وجود هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» أو أشكال مماثلة لها فى مصر بردود فعل متباينة فى الشارع المصرى.
فكل هذه الحوادث «القليوبية والشرقية والمنصورة» تؤكد على وجود الجماعة على الأرض، وكان هذا ظاهرا عندما قام أفراد منها بقتل اثنين من الأهالى بدعوى أنهما يعملان فى فرقة موسيقية، وحيث إن الفن حرام وفقا لبعض معتقدات الجماعة، لذلك قاموا بالقصاص من الشابين بقتلهما بالرصاص، مع ارتداء أفراده لثاما على وجوههم على طريقة عصابات المافيا، ثم ظهر فرع جديد للجماعة فى السويس، والأيام القادمة ستفسر عن جماعات وتنظيمات أكثر كلها تتخذ من العنف والترهيب سبيلا للسيطرة وفرض السطوة والاستيلاء على الحكم.
وفى ذات الوقت وجدنا تراخياً فى تنفيذ القانون وتطبيقه؛ فلم نجد ردود أفعال قوية من أجهزة الدولة والأمن، ومؤسسات الرئاسة والحكم، ولم تضرب هذه الأجهزة بيد من حديد على ما وصفه البعض ب«الجماعة الإرهابية أو«جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، وبالرغم من القبض على مرتكبى جريمة السويس إلا أن الشارع المصرى لم يشعر بالأمان، ومخاوفه تتزايد يوما بعد الآخر، وقد أكد لنا عدد من رجال القضاء والقانون أنه لا حل للقضاء على هذه الجماعة إلا باستخدام وتفعيل سلاح القانون، وهذا يعتبر الاختبار الأول للرئيس الجديد الدكتور محمد مرسى، الذى أعلن مرارا عن احترامه للقانون والدستور والدولة المدنية، ونحن الآن نطالبه بتحقيق ما وعد به وأن يكشف النقاب عن حقيقة هذه الجماعة عن طريق أجهزة الدولة والتعامل مع قادتها بحزم حتى يعود الأمن للأسر المصرية التى أصبحت تخاف على أبنائها من أى تحرشات عنيفة من قبل ملتحين أو ملثمين ممن لا يفهمون أمر الدين ولا يعترفون بالقانون لما حدث لهم من عمليات غسيل المخ التى مارسها معهم قادتهم وجماعاتهم الجهادية والتكفيرية.
∎ رفض
وكان عدد من الأحزاب والقوى السياسية والليبرالية قد أعلنوا عن أن جماهير الشعب المصرى رُوعت بأنباء الجريمة التى راح ضحيتها أحد أبناء مدينة السويس على يد عصابة إجرامية من المهووسين الذين يُطلقون على أنفسهم اسم «جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، وقد اعترفت هذه الجماعة الإرهابية بارتكابها هذه الجريمة الهمجية، فى بيان لها يحمل البيان رقم (01)، بحجة تواجده، فى الطريق العام مع امرأة أجنبية، غير معترفين أن هذه الفتاة خطيبته أو قريبته؛ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحادث ولكن الجماعة فى بيانها أعلنت استمرارها على القيام بهذا السلوك الهمجى فى المستقبل مع كل من يأتى سلوكاً مخالفاً ''لأفكارهم بالتأكيد''. ورغم مخالفة هذا كله للدستور والقانون وامتناع المجلس العسكرى عن التدخل لإيقاف هذا الأمر الذى قد يوقع البلاد فى كوارث حقيقية للدفاع عن النفس والأهل والمال، خاصة بعد انتشار وتهريب كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والصواريخ العابرة للمدن وكذلك اختفاء الأسلحة الصغيرة والبيضاء وبيعها عن طريق عصابات متخصصة، وإقبال العديد من فئات المجتمع وطوائفه على شرائها، خاصة ونحن الآن نعيش فى مناخ يُعادى الحرية والفكر والإبداع والحوار، وتسعى فيه التيارات الدينية للسيطرة على الحكم واختطاف الدولة. فى ظل هذه الظروف التى نعيشها والتى تشغلنا عن كشف المؤامرات الخارجية ضدنا؛ خاصة أن العالم الخارجى الآن ينظر لما يحدث فى مصر مترقبا للانقضاض عليها فى لحظات الضعف، ومع كل هذا إلا أن بعض الشباب من المنتمين لتيارات معينة؛ ومعلومة للجميع بتاريخها الملوث بدماء المصريين، يظن هؤلاء الشباب أن وقتهم قد حان، ودورهم الواجب عليهم القيام به من فرض الطاعة على كل مصرى قد وجب، ونظرا لأن الغاية تبرر الوسيلة فالقتل أصبح متاحا لهم على كل من يخالفهم الرأى أو يرفض لهم أمرا، أو حتى لا يلتزم بمبدأ السمع والطاعة الذى تربى عليه أبناء هذه الجماعات؛ وظن العديد من هؤلاء الشباب السذج الذين يستخدمون حنجرتهم وهراواتهم وأسلحتهم البيضاء والثقيلة أنهم يستطيعون تغيير الأحوال بالعنف، ولكنهم لا يعلمون أن الكبار من قادتهم الإسلاميين يتخذونهم وقودا ووسيلة لهدفهم فى الاستيلاء على الحكم ولى الذراع والتوجيه بل أمر النظام القائم بما يريدون لصالح مخططات تخصهم تم وضعها مسبقا.
∎ القانون وقال المستشار جابر عبدالحميد خليل رئيس محكمة جنايات دمياط إن القانون أمر لابد منه، فهو الذى ينظم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، مضيفا: أنه لا يتسنى لمجتمع من المجتمعات مهما كانت درجة ثقافته أن يتخلى عن وضع قواعد يمكنه من خلالها تسيير أموره، أو أن يقوم أفراده بتطبيق القانون بطريقتهم الخاصة، وقال إن ما يحدث الآن فى الشارع المصرى تعدٍ صارخ على أحكام القانون، نتيجة لحالة الفوضى التى عشناها طوال الأيام الماضية. وأضاف رئيس محكمة جنايات دمياط إن أى أفعال تصدر من تلك الجهات غير المعلومة لنا حتى الآن، والتى تعطى نفسها مسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ما هى إلا «بلطجة» وخروج عن القانون، لأنه ليس من حق أحد التدخل فى شئون الآخر وإلا اعتبر هذا التدخل نوعاً من التعدى على حرية الفرد وغير مقبول تحت أى مسمى، لأن هناك قانونا يحكمنا جميعنا، أما هم فلم يوكلهم أحد.
∎ إكراه
ويتفق معه فى الرأى المستشار محمد منسى ويضيف: إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من ثوابت الدين، ولكنه ليس بهذا الشكل الفظ الذى يقوم به هؤلاء المتطرفون، وقد جاء فى القرآن «ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، ويقول مما لا شك فيه إن الإكراه على فعل أمر؛ مثل الكثير من أعمال العنف التى سمعنا عنها؛ هى من الأعمال العنيفة التى لا يقبلها عرف ولا دين ويعاقب عليها القانون.
وأضاف قائلاً: كل من يحدث له إكراه أو عنف فى أمر يتعلق بنفسه وعرضه وماله عليه أن يقوم بعمل محاضر ضد هؤلاء حتى يتمكن رجال القانون من ضبطهم ومحاكمتهم بشكل يتناسب مع ما اقترفوه من جرائم الترهيب والتخويف وربما القتل كما سمعنا فى الأيام الماضية، وأوضح أن الرادع الأساسى فى هذا الأمر هو الضرب بيدٍ من حديد على كل الخارجين عن القانون، وكل من يسعون إلى إشاعة الرعب والخوف لفرض أفكار وهابية لا علاقة لها بصحيح الدين من قريب أو بعيد. ومع تزايد أحداث العنف والخوف التى جاءت مصاحبة لظهور تيار الإسلام السياسى فى الشارع المصرى، ووصوله إلى سدة الحكم، ومع حالة الخوف المنتشرة، والتى أرعبت الجميع لجأ كل شخص إلى حمل وسائل حماية لنفسه خاصة به؛ وقد بدأ هذا بالفعل حيث بدأ الشباب والفتايات فى حمل أشياء للدفاع بها عن أنفسهم.
وردا على ذلك وحول إمكانية توفير الأمن فى الشارع للسيطرة على مثل هذه الجماعات الدينية المتطرفة أكد الخبير الأمنى اللواء فؤاد علام أن الدور الأمنى وحده ليس كافياً للسيطرة والقضاء على الجماعات الدينية المتشددة، فهذه المجموعات تعتنق أفكاراً لا تتفق مع صحيح الدين ولذلك هناك حاجة ملحة لإجراء حوار فكرى مجتمعى مع هؤلاء لتغيير أفكارهم وتصحيحها. وأوضح أن الأزهر والعلماء وحكماء الأمة يقع على عاتقهم جزء كبير من مسئولية تغيير مثل هذه الأفكار والمعتقدات التى يؤمن بها أفراد هذه الجماعات، كما شدد علام على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذا الأمر.
واستنكر علام ما يقال بشأن وقوف الأمن وراء مثل هذه الحوادث، مؤكداً أن من يروجون لهذا الأمر يدفنون رءوسهم فى الرمال ولا يريدون مواجهة الحقيقية.