حين وقف الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير مقسما لليمين وسط الملايين، وجدت نفسى وقد انتابتنى حالة فرحة شبيهة بفرحتى يوم ابتسم ابنى الكبير ذات يوم وإذا بى أرى فى ذلك اليوم أول سنّة وقد شقت اللثة إيذانا ببدء التسنين. كانت فرحتى غامرة وقتها وأنا أرى هذه السنة البيضاء تنير ابتسامته، وتفسر لى سر مزاجه المتكدر فى الأيام السابقة، وسبب اعتلال جسده فى تلك الليلة السابقة لظهور أول سِنة فى فمه. وقد تجدد بداخلى هذا الشعور يوم جمعة القسَم فى ميدان التحرير، مزيج من الفرحة، وإنجلاء أسباب المزاج المتكدر، وتفسير سر اعتلال الجسد، وبهجة حلاوة الابتسامة المفصحة عن الخطوة الأولى على طريق النمو.
لقد كان تغيير الرئيس مرسى للسيناريو الموضوع له أمنيا فى ميدان التحرير إعلانا بميلاد رئيس جديد لا يسجن نفسه فى احتياطات أمنية تفصل بينه وبين الشعب، ولا يظلم نفسه بالاستسلام لحواجز تعيق تواصله مع الجماهير، رئيس من الشعب، متفاعل مع نبض الشارع. وخطاب يعبر عن أنه لا يخجل من مراجعة نفسه حول ما تم توجيهه من انتقادات لخطابه الأول. وارتجال موفق، وتلقائية غير مفتعلة، ورشاقة فى الأداء اللغوى والحركى.
كنت دائما أكرر أن ثورة مصر تميزت بأنها نموذج لا يكرر نماذج سابقة، وهذا القسَم فى ميدان التحرير جعلنى أشعر أننا ما زلنا نسير على نموذج مصرى خاص لا يكرر ما سبق من نماذج.
أدعو الله أن تستمر الأمور على خير، فنصبح نموذجا طيبا يتم الاحتذاء به على طريق النهضة، والحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
أما صور لقاءات محمد مرسى التى سبقت هذا الحلف لليمين شعبيا، فقد توقفت من بينها أمام صورته مع المجلس الأعلى للشرطة واقفين له صفا يتلقون مصافحته، وإلى جواره وزير الداخلية يقوم بالتعريف برجاله لمرسى رئيس الجمهورية، سبحان مغير الأحوال. هذا الرجل الذى صار رئيسا لوطنى كان منذ عام ونصف العام مقبوضا عليه بأمر من أمن الدولة بوزارة الداخلية، وكان يوم 82 يناير بين الهاربين من سجون مبارك مع فتح السجون فى جمعة الغضب.
ألم يخرج من قبل سيدنا يوسف من سجون مصر ليصبح من رجال الحكم فى مصر. ألم يخرج نيلسون مانديللا من السجن ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. سبحان الله يؤتى الملك من يشاء. إنها تدابير الله وحده.
كل هذا يجعل حالة عاطفية عميقة تغمرنى، حب جارف للوطن وخوف على التجربة الوليدة، وأمل، وطموح، وبهجة، وشوق للغد المشرق.
إنها حالة من فيض الوجد، حالة من المشاعر الجياشة. أشعر بحب شديد لبلدى، بإيمان عميق بأن الله ينصر من ينصره. حالة حب غامر لهذا الوطن. هذه الحالة من الحب التى تجعل الإنسان متلهفاً على أخبار من يحب، وينتابه شعور بالخوف عليه.
أشعر بعواطف جياشة تفيض من وجدانى، حالة شروع فى بكاء، لكن البكاء رافض للانهمار. وشرود للذهن، إنما يعقبه سطوع لأفكار، وتوديع للذبول، ومعانقة للأحلام، ورفض لكل ما تنبعث منه رائحة الوهن.