ما بين إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية عصر الأحد 42 يونيه وما بين لحظة تنصيب الرئيس الجديد ظهر السبت 03 يونيه 2102 تدخل مصر عصرا جديدا من التحول الديمقراطى وحكم الشعب.. فهذا التاريخ سيظل محفورا فى أذهان المصريين طويلا، إذ إنه التاريخ الذى جنى فيه الشعب ثمار ثورته التى قام بها فى 52 يناير 1102 وأطاح بالرئيس السابق حسنى مبارك.. وأنهى حكمه الذى استمر 03 عاما.. وأنهى بذلك أيضا حقبة مهمة فى تاريخ مصر والمسماة بالجمهورية الأولى التى جاءت فى أعقاب ثورة 32 يوليو المجيدة وحكم خلالها 4 رؤساء كلهم جاءوا من المؤسسة العسكرية والجيش صاحب الثورة الحقيقى.. واتسمت هذه الفترة بسيطرة الحزب الواحد.. وحكم الفرد.. والتى انتهت بمحاولات التوريث وترسيخ حكم العائلة على يد مبارك. 03 يونيه 2102 كان لحظة ميلاد فارقة.. وهى لحظة ميلاد الجمهورية الثانية والرئيس المدنى بحق.. وكانت تمثل أيضا نهاية المرحلة الانتقالية التى جاءت فى أعقاب تنحى مبارك فى 11 فبراير وتسليمه السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. والذى قرر منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة انحيازه إلى جانب الشعب وحماية مكتسباته وأنه - أى الشعب - صاحب الشرعية الوحيد.. وأنه - أى الجيش - ليس بديلا عن الشرعية الدستورية وأنه سيسلم السلطة فى نهاية المرحلة الانتقالية إلى سلطة مدنية منتخبة، وهو ما تحقق، وأوفى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعهده وسلم السلطة فعلا.
الغريب أنه ما بين لحظة الإعلان عن اسم د.مرسى رئيسا للجمهورية وما بين لحظة التنصيب الرسمى.. وإلقاء اليمين الدستورية تنازعت الرئيس الجديد صراعات ما بين قوى سياسية وحزبية تشده إليها وتحاول جذبه إليها وإلى مواقفها السياسية، بل حاولت أن تجعله يغلب مصالحها السياسية والفكرية على مصالح أخرى.. ربما يغلبها على مصلحة دولة القانون.. وأحكام القضاء، بل والمؤسسات الدستورية، وكان ذلك واضحا فى تصريحات قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة والجدل حول المكان الذى سيؤدى فيه الرئيس اليمين الدستورية مع أنه محدد سلفا فى الإعلان الدستورى المكمل.. الأمر الذى أدى إلى تدخل رئاسة الجمهورية لتؤكد أنها الجهة الوحيدة التى من حقها التحدث باسم الرئيس، والغريب أن حملة الرئيس الانتخابية هى بأعضائها الموجودة الآن داخل قصر الرئاسة.. وهى التى تدير شئون الرئيس حتى يتم تشكيل الفريق الرئاسى الرسمى.. ويتم تعيين المعاونين والمستشارين والمتحدثين الرسميين فى قصر العروبة. لم تكن هذه القوى الوحيدة التى حاولت ذلك بل تنازعت الرئيس أيضا قوى ثورية وسياسية ودينية، كان الصراع: هل ينحاز الرئيس إلى الشرعية الثورية والشارع بميدان التحرير.. أم ينحاز إلى الشرعية الدستورية ودولة القانون؟
والغريب أن مرسى انحاز إلى الاثنين معا.. فى محاولة لإرضاء كل الأطراف.. واحتواء كل الصراعات والنزاعات.. وتأكد ذلك ووضح فى وجوده فى الميدان عصر الجمعة، حيث أدى اليمين الدستورية أمام جموع الميدان.. وأكد على الشرعية الثورية وأنه يستمد شرعيته الحقيقية من الشعب مصدر كل السلطات مع أن القوى الموجودة فى الميدان لم تكن سوى قوى الإخوان والسلفيين وبعض التيارات مثل 6 أبريل التى انسحبت من الميدان بعد إعلان الرئاسة أن الرئيس سيقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا.. مرسى أكد فى انحيازه للجماهير أنه جاء من رحم الثورة وأنه مازال معهم.. وأنهم «ثوار.. أحرار هانكمل المشوار». واستكمالا لهذا السيناريو حاول الرئيس رفض حلف اليمين الدستورية على الهواء مباشرة وطلب تسجيلها إرضاء لقوى الثورة وأيضا الحزب والجماعة.. ولكن الجمعية العمومية رفضت وأدى اليمين الدستورية الرسمية فعلا أمام الجهة التى حددها الإعلان الدستورى.
.. ثم تلى ذلك أداؤه القسم لثالث مرة فى جامعة القاهرة فى حفل تنصيبه.. وكان ذلك أمام المجلس التشريعى المنحل بقوة القانون وحكم المحكمة الدستورية فى محاولة للتعبير عن عدم رضائه عن حكم الدستورية.. واعترافا منه بشرعية المجلس، والغريب والمخالف للأعراف والبروتوكولات أن د. الكتاتنى - رئيس مجلس الشعب المنحل - جلس فى الصف الأول بجوار رئيس الوزراء مع أنه ليس ذا صفة حسب قواعد البروتوكول فى الوقت الذى غادر فيه شيخ الأزهر منسحبا من الاحتفال احتجاجا على معاملته بدرجة أقل وهو حسب البروتوكول بدرجة رئيس للوزراء.
لم يكتف د.مرسى رئيس الجمهورية المنتخب بذلك، بل كانت الخطابات الثلاثة التى ألقاها فى الدستورية وجامعة القاهرة والهايكستب فى احتفال القوات المسلحة خير دليل على تلك الصراعات والنزاعات فى داخله.. فقد ألقى الخطابات على طريقة لكل مقام مقال.. حيث قال فى جامعة القاهرة إن على المؤسسات المنتخبة أن تعود إلى مكانها.. وتعود القوات المسلحة إلى ثكناتها وتقوم بدورها الطبيعى ومهمتها الأساسية.. وكان ذلك فى تلميح واضح بعدم اعترافه بحل مجلس الشعب.. وفى الوقت نفسه فى خطابه أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الهايكستب أكد ضرورة وجود القوات المسلحة لتأمين الجبهة الداخلية إلى جانب دورها فى تأمين الجبهة الخارجية مؤكدا بذلك على استمرار بقائها ضمن مؤسسات الحكم.
رئاسة الجمهورية تداركت ما فهم من خطاب مرسى أمام جامعة القاهرة.. وأكد المتحدث الرسمى أن حديث الرئيس عن عودة المؤسسات المنتخبة لايعنى أنها ستعود رغما عن حكم المحكمة الدستورية.. ولكنها ستعود وفقا للقانون وإذا تعذر ذلك فعن طريق إجراء انتخابات جديدة.. وهو ما يعنى أن خطابات مرسى الثلاثة كانت فيها من المواءمات السياسية وإرضاء جميع الأطراف واحتواء كل الأطياف والقوى السياسية والثورية أكثر مما كان فيها خطط عمل للمرحلة المقبلة.
فى النهاية.. وبالتأكيد فإننا بدأنا بالفعل مرحلة جديدة.. وأمامنا تحديات أكبر وملفات ثقيلة وشديدة الخطورة والصعوبة.
ولكن فى المقابل فقد أكد د.مرسى فى حواراته خلال الأسبوع الماضى سواء كانت مع رؤساء الأحزاب أو رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين أنه لامجال للتصادم أو التخوين.. لأنه فى النهاية علينا جميعا أن ننصهر فى بوتقة واحدة وأن نتجه للعمل من أجل إرساء دولة المؤسسات.. نعم.. فالبداية الصحيحة لنهضة أى دولة وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فيها هى إعلاء دولة القانون واحترام أحكام القضاء.. وتحقيق دولة المؤسسات الدستورية الشرعية فهى الأساس والبداية الحقيقية.. لذلك نحن متأكدون تماما أن الرئيس الجديد سينحاز إلى هذه القيم وأنه سيعلى مصلحة الوطن والأمة والشعب الذى جاء به رئيسا مدنيا منتخبا فوق أى مصلحة أخرى حتى ولو كانت مصلحة الجماعة التى ينتمى إليها فكريا.. أو مصلحة الحزب الذى مازال عضوا فيه وملتزماً برؤاه السياسية.. لأنه أصبح منذ 03 يونيه 2102 رئيسا فعليا لكل المصريين.. وأمامه الكثير من الاختبارات الصعبة والملفات التى ستتراكم عليه فعليا بدءا من اختياراته لنوابه وللحكومة وللوزراء.. ومرورا بالتزامه بالقواعد المنظمة للحياة السياسية والشرعية الدستورية.. وكذلك احترام القضاء ودولة القانون، وكذلك عدم تدخله فى الدستور الجديد بما يحقق مصلحته أو مصلحة جماعته وحزبه.. وانتهاء بإعلاء مصلحة الشعب صاحب الشرعية.. والمصدر الوحيد لسلطات الدولة.