«لا صوت يعلو فوق صوت المرشد» عبارة كنا قد سمعناها فور خروج الإخوان إلى النور فى هيكلهم السياسى صاحب الذراع المسماة بالحرية والعدالة ليتجدد الحوار مع صعود الدكتور مرسى إلى كرسى الرئاسة، حول من يقود دفة الحكم، الرئيس أم المرشد؟! فما بين تصريحات مرسى باستقالته من الجماعة واستمرار عضويته بالحزب فقط وبين حقيقة البيعة التى لم يحل نفسه منها بعد والتى تسقط نفيه بعلاقته بالجماعة وتخوفات من إعلاء مصلحة الحزب على مصلحة الوطن.. تساؤلات مشروعة لتصريحات غير واضحة يكشف عنها النقاب سياسيون وقيادات سابقة بالجماعة. إن عدم تقديم الدكتور محمد مرسى لاستقالته من «الحرية والعدالة»، يعنى أننا أمام حكم الإخوان، وبالتالى لا مجال للحديث عن التوافق الوطنى والمصالحات الوطنية، ومشاركة الأحزاب والقوى السياسية فى صنع القرار. هكذا يقول الدكتور رفعت السيد أحمد، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز يافا للدراسات، مضيفاً:
لا شك أن انتماء الرئيس لحزب من الحقائق الديموقراطية ولأننا لسنا فى أمريكا إنما نحن فى بداية تجربة ديموقراطية حيث الحالة فى مصر مختلفة تماما لأن الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس حزب شكلى ينتمى لجماعة سرية.
∎ وهل الإخوان جماعة سرية؟
- نعم الجماعة سرية بمعنى أنها ليست تابعة للدولة ولا أستطيع التحقق من مصادر تمويلها أو معرفة جميع البيانات التى تتعلق بها، لذلك فكان على الرئيس طمأنة الناس بشكل أكثر موضوعية وذلك بإعلان استقالته الحقيقية من الحزب والجماعة. فالجماعة عليها علامات استفهام عديدة والحزب كذلك لأننا لسنا أمام حزب طبيعى مثل الأحزاب السياسية فهو حزب ورقى شكلى وذراع سياسية لجماعة سرية تعمل من غير ترخيص رسمى حتى لو خرج منها الرئيس فهذا لا يضفى عليها الشرعية.
∎ وماذا عن إمكانية انفصال الرئيس عن الجماعة؟
- الرئيس والجماعة لن يقبلوا بذلك، فالرئيس حتى لو تحدث بلهجة وطنية مصرية فهذا ليس أكثر من مادة للاستهلاك الإعلامى لأنه لا يعقل أن ينفصل شخص قضى هو وأسرته وأفكاره ما يقرب من ثلاثين عاما أو أكثر داخل تنظيم لجماعة لم تخرج للعلن سوى منذ قليل. وهذا يعنى أنه كان وسيظل إخوانيا وسيظل التأثير والتأثر بالإخوان موجودا مهما تبدلت اللغات واللهجات، وبالتالى فنحن أمام حكم إخوان ولا شك فى ذلك مع استحالة خروج الرئيس من هذا التنظيم.
وأضاف موضحا: استقالة الرئيس من حزبه كانت أحد الوعود التى أعلن عنها الدكتور مرسى قبل إعلان فوزه فى الانتخابات الرئاسية، لذلك كان على القوى السياسية والحزبية التى سارعت إلى لقائه أن تطالبه أولا بالاستقالة من الحزب لإثبات استقلاليته، أو أن يعلن بشكل واضح أن مواقفه وقراراته ستخرج من الحزب ومكتب إرشاد الجماعة بدلا من حالة عدم الشفافية فى قيادة دفة الحكم. أما عن رؤيته للمشهد الحالى فيقول د. رفعت: نحن أمام صراع سلطة بين الإخوان والعسكر لأنهما القوتان الوحيدتان المنظمتان بينما الشعب هو الأداة التى يستخدمها الاثنان فى ميادينهم، لكن عندما يتحول الشعب إلى رقم حقيقى منظم ليس بمشتت كما نراه الآن فسوف أستطيع أن أقول بنجاح التجربة.
∎ الاستقالة لإعلاء الوطن
يقول الدكتورعبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الاشتراكى إنه فى أى دولة ديمقراطية لا يتم منع الرئيس من ممارسة حقوقه السياسية المتمثلة فى الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية لكنه لا يتولى مواقع قيادية فى هذا الحزب ولا يوظف منصبه لتمكين هذا الحزب فى أجهزة الدولة، أما عن كونه مجرد عضو فى الحزب فلا مانع من ذلك، بينما فى مصر التى تقف على أعتاب الديموقراطية فعلى الدكتور مرسى بصفته رئيسا للجمهورية أن ينحى الحزب جانبا وذلك بتقديم استقالته من الحزب حتى لا تتداخل القرارات وتتعقد بين انتمائه للحزب وقراره السياسى، وحتى يكون على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأحزاب بعيداً عن مصالح حزب الإخوان ومكتب إرشادها، باعتباره رئيساً لكل المصريين.
أما عن إمكانية قرار الدكتور مرسى بالانفصال عن الجماعة فيقول شكر: الانفصال من الناحية السياسية قد يحدث بينما وجدانيا وعاطفيا فهذا لا أعتقد بحدوثه تماما مهما كانت الظروف وهذا للأسف ما سيؤثر على قرارات الرئيس التى لابد أن تكون فى حيادية تامة دون تغليب انتمائه السياسى على مصلحة الوطن وعلى العموم فهو حتى الآن موضع اختبار لتتكشف النوايا.
∎ لا انفصال
لا يشكك الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى النظام الديمقراطى فى كل دول العالم والقائم على التعددية الحزبية ولا يحظر على رئيس الجمهورية الانتماء إلى حزب سياسى لكن فى مثل الأوضاع الانتقالية التى فى مصر له رأى آخر فيقول: ربما يكون من الأفضل أن يكون الرئيس مستقلا. حيث إن محل الخلاف الآن هو إعلان الرئيس استقالته من مكتب إرشاد الجماعة وكذلك من الحزب، حيث إن تضارب التصريحات بعد ذلك هو ما أربك الموقف حيث إعلانه أنه لايزال عضوا بحزب الحرية والعدالة وأعتقد أنه الآن هناك مناقشات ومداولات وخلاف حاد داخل الجماعة حول علاقة الرئيس بالحزب وحول استمراره من عدمه، كذلك حالة من التساؤلات حول نتائج استقالته وهل ستعنى تحرره من الجماعة وأفكارها بوجه عام وليس من الحزب فقط، خاصة إذا وجد التفافا جماهيريا حوله من الساسة والمثقفين وذوى الرأى وأهل الخبرة، فحالة الضبابية هذه تزعج أفراد الجماعة خوفا من أن «يفلت الرئيس من أيديهم».
∎ وهل هذا ممكن؟
- من الصعب أن يحلوه من ذلك، فمبدأ الانفصال عنهم غير وارد كما يظهر فى تصريحاتهم بين الساعة والأخرى ما يؤكد على تبعية كل منهما للآخر من تصريحات إخوانية بالحديث نيابة عن شخص الرئيس وكأن مداولات القرارت تتم بينهم. فحتى إذا كان الرئيس ينتمى لحزب فعليه أن يكون رئيسا لكل المصريين فإذا تعامل بطريقة حزبية ضيقة فسيخسر نفسه وحزبه وشعبه. كما أن هناك إشكالية أكثر خطورة حيث الخلط ما بين الحزب والجماعة، فقادة الجماعة لا يتوانون عن المطالبة بمطالب سياسية مثل مطلب خيرت الشاطر الذى ألح فيه سابقا عندما بدأ باقتراح تشكيل حكومة جديدة غير حكومة الجنزورى رغم أنه ليس عضوا بالحزب وغير ذلك ما يخص تصريحات محمود غزلان والمرشد نفسه.
∎ حكم المرشد والشاطر
يؤكد د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أن المرشد هو من يعتلى العرش وليس من يجلس بالقصر الجمهورى ثم أضاف قائلا: وفقا للقانون والدستور ليس هناك ما يمنع أن ينتمى الرئيس لحزب سياسى، ولكن التقاليد فى أمريكا وفرنسا أن يستقيل الرئيس المنتخب من قيادة الحزب ويجمد عضويته به إلى حين عودته كأحد الأعضاء. لذلك فكان على مرسى أن يجمد عضويته فى الحرية والعدالة طوال مدة رئاسته للبلاد، كحد أدنى إذا رفض تقديم استقالته بشكل كامل، حفاظا على انتمائه الحزبى لكن الجوهر فى القضية ليس الحزب إنما فى رئيس خاضع خضوعا تاما للجماعة وسيكون هو صوتهم ويدهم، ولعل المشهد الفارق هو ما حدث من فوق منصة التحرير عند أداء اليمين حيث إن رجال الحرس الجمهورى هم جميعا من الجهاز السرى للإخوان ووجوههم معروفة للجميع وهذه رسالة وجهت لمن يعرف ليتأكد من حضور جماعة الإخوان المسلمين ومما ستحمله الأيام القادمة.
∎ ولكن هل يستطيع الرئيس أن يقرر الانفصال عن الجماعة؟
- الرئيس رجل تربى داخل هذه الجماعة وتشبع بأفكارهم ومبادئها ولا يمكن أن ينفك عنها، وهى لن تتركه فكيف يسمح بأن يذهب كل هذا الإعداد والتجهيز هباء، وهم يعلمون جيدا أن مساندتهم ودعمهم لن يستطيع أحد تقديمه له بنفس الكم والكيف الذى يفعلونه. لذلك فليس هناك أدنى شك فى أن ينفصل عنهم، فنحن أمام حكم «رياسة» المرشد أو بمعنى أدق خيرت الشاطر وليس الرجل الذى نراه فى قصر الرئاسة.
∎ المرشد.. والخليفة المنتظر
كان أغرب ما سمعته ما تحويه أدبيات الإخوان والتى تعتبر المرشد هو الخليفة المنتظر والتى تعلو سلطته سلطة الوالى «الرئيس» وهذا ما أوضحه لنا القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين المحامى ثروت الخرباوى والذى قال: لا أتخوف من عضوية مرسى بالحزب قدر تخوفى من عضويته بالجماعة لأن مشروع الجماعة يختلف كثيرا عن مشروع مصر ولا أقصد بذلك بالطبع مشروع النهضة الوهمى إنما المشروع الحقيقى وهو كما قال صفوت حجازى «دولة الخلافة الإسلامية» والتى ستكون مصر طرفا فيها، وهذه هى الحقيقة فمصر لدى الإخوان لا تعدو خارج نطاق الأداة التى سيتم بها تنفيذ هذا المشروع الإسلامى. وبسؤالى حول سلطة المرشد التى قد تعلو فوق سلطة الرئيس، أكد الخرباوى هذا الكلام مضيفا أن المرشد فى فكر الإخوان هو الخليفة المؤجل «المنتظر» وسلطته أكبر من الوالى «الرئيس». وعن قبول الدكتور مرسى بذلك يقول الخرباوى: هذا أمر متعلق بالصمود الإنسانى لأن صراع الفترة القادمة سيضع مرسى فى فخ بين انتمائه للجماعة وضرورات الحكم فيشتد الصراع بين مؤسسات الدولة وجماعة الإخوان، حيث يحاول كل طرف الاستئثار به وهذا سيحسمه صمود مرسى وتحرره من بيعته للمرشد التى تضع استقالته من الجماعة فى حكم المنعدم.
∎ الخوف من تغليب مصلحة الحزب
بينما أوجز الدكتور طارق الغزالى حرب، المفكر السياسى، حديثه قائلاً: لن أتحدث عن إشكالية انتماء الرئيس لحزب لأن هذا مشروع والمهم ألا يؤثر انتماؤه الحزبى على أدائه السياسى وألا يتخذ قرارات بناء على مصالح الحزب والأهم قطع صلته بالجماعة وألا يكون لمرشدها عليه كلام أو رأى.
∎ وهل هذا ممكن؟
- من الصعب حدوثه ولكن علينا أن نعترف أنه يتعامل بذكاء وخرج من المطب السياسى حول حلف اليمين واستطاع إرضاء جميع القوى السياسية.