ما بين مشارك ومقاطع فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة ظهر فريق ثالث من المصريين لا هو حريص على المشاركة والمفاضلة ما بين مرسى وشفيق أو مقاطع لأنه كان يريد حمدين صباحى .. هذا الفريق يمثل الأغلبية بحكم نسبة المشاركة فى التصويت سواء فى انتخابات الرئاسة بجولتيها أو حتى فى انتخابات مجلس الشعب الماضية وقبلها استفتاء التعديلات الدستورية الشهير فى 19 مارس.
هؤلاء يمثلون الأغلبية، لكن لا أحد يهتم بهم أو يعمل على استمالتهم لجانبه بعد أن اعتبرتهم الأحزاب والقوى السياسية كما مهملا لا ينبغى حتى التفكير فيه .. رغم أن كتلتهم الأكبر وضحت مبكرا منذ استفتاء 19 مارس الشهير فعدد الذين شاركوا فى الاستفتاء لم يتجاوز 18 مليون ناخب من أصل 45 مليون ناخب مسجلين فى الجداول الانتخابية (زاد العدد فى انتخابات الرئاسة إلى نحو 50 مليون ناخب)، ورغم أن نتيجة الاستفتاء كانت تحتم على القوى السياسية التى تبنت المواقف الرافضة أو المؤيدة للتعديلات الدستورية أن تحاول جذب هؤلاء إلى صفها فى أى انتخابات قادمة فنحن نتكلم فى كتلة تصويتية تقدر بنحو 27 مليون صوت كانت كفيلة ولو بمشاركة نصفها فقط أن تجعل التيار السياسى الذى رفض التعديلات الدستورية وحصل على 4 ملايين صوت فقط، أغلبية فيما بعد أو أن تجعل القوى السياسية الأخرى التى حصلت على 41 مليون صوت، تكتسح فى أى انتخابات تالية .. لكن كالعادة تجاهل أولئك وهؤلاء النسبة الأكبر من المواطنين المسجلين فى جداول الناخبين وانحصر جهد كل فريق فى محاولة الحصول على أصوات من الفريق الآخر. دون التفكير فى محاولة فهم أسباب عزوف أعضاء الكتلة التصويتية الأكبر عن المشاركة فى الانتخابات وإزالة هذه الأسباب تمهيدا لمشاركة نسبة أكبر منهم فى الانتخابات فهؤلاء هم الكتلة المرجحة التى من هم مميزاتها أنها غير مسيسة، لكن السياسيين لا يفهمون.
وفى النهاية نردد مع الساخر الراحل جلال عامر قوله: «يبحث الشعب عن أنبوبة البوتجاز فى حين تبحث النخبة عن الدستور .. ليس لأن النخبة عندها فكر .. لأن عندها غاز»!
بالنسبة لهؤلاء الذهاب لمقر اللجنة الانتخابية وترك عملهم لساعات قليلة مغامرة لا يقدرون عليها، كما أن مقاطعتهم للتصويت لأسباب سياسية رفاهية لم تخطر ببالهم، لأسباب اقتصادية واجتماعية مازال هؤلاء يفضلون متابعة المشهد السياسى من الخارج».
التقينا ببعض هؤلاء المواطنين الذين لم يفكروا فى الذهاب للانتخابات من الأصل سواء فى جولتى انتخابات الرئاسة أو حتى مجلس الشعب وقبله استفتاء التعديلات الدستورية واستمعنا لوجهة نظرهم فى عدم المشاركة وعدم المقاطعة.
∎ المكتوب على الجبين
البداية مع عبد النعيم عامل بسيط فى فرن عيش بمنطقة الكيت كات، بمحاورته تكتشف أنه بالكاد يعلم أن هناك انتخابات تجرى إعادتها بالأساس، حيث يظل يعمل طيلة النهار بالفرن ثم يبيت ليلته به، يقول تقع لجنتى الانتخابية بالفيوم حيث مقر سكنى الأصلى، ومعنى ذهابى للإدلاء بصوتى هناك هو انقطاع يوميتى لمدة يومين على الأقل، وهذا ما يصعب تحمله من هو فى ظروفى، فأنا لا أسافر الفيوم إلا فى الأعياد، كما أننى يوم الاستفتاء استأذنت من صاحب الفرن ساعتين، وبما أنه لم يشترط يومها التصويت تبعا لمحل الإقامة ذهبت لمدرسة مجاورة للفرن وقلت نعم كما نصحنى جميع زبائنى أملا فى الاستقرار، لكن ماحدث عكس ذلك حيث زادت الاضطرابات والمشاكل، إذا فما جدوى الذهاب إلى الانتخابات وضياع الوقت إذا كان «المكتوب على الجبين هتشوفه العين».
∎ فول وطعمية للناخبين
أما صفوت - صاحب محل صغير لبيع الفول والطعمية بشارع السودان- يقول: تعد أيام الانتخابات موسما لى، حيث تكمن بجوارى مدرستان بهما العديد من اللجان الانتخابية، وقد وصل الطابور أيام الاستفتاء إلى باب المحل، وتقريبا لم أكف طوال هذا اليوم عن قلى الطعمية وتدميس الفول للمستفتين، إلى جانب نصبة شاى قمت بعملها كخدمة إضافية لهذا اليوم، واستمر الحال فى الانتخابات التشريعية، وعلى رغم من أن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لم تكن بنفس مستوى سابقيها، إلا أننى أقف اليوم فى الإعادة وكلى أمل فى كرم الله، أما أن أذهب لأدلى بصوتى فبصراحة أنا لا أهتم بالسياسة، ولا أعرف على أى أساس أختار، لذا أترك هذا الأمر لمن هو أدرى به منى.
∎ انعدام ثقة
أما عم أحمد - جزار بحدائق القبة - يقول: لم أشارك فى أى انتخابات أجريت من قبل ذلك، وبالتالى لن أدلى بصوتى فى الإعادة، فأنا لا أثق فى أى شخص ينوى العمل بالسياسة، فمنذ أن استمعت لخطاب مبارك الذى ألقاه منذ عام فى قناة العربية، والذى ذكر فيه أنه لا يمتلك أرصدة بالخارج ثم أثبتت الأيام العكس، أصبحت أشك حتى فى أصابع يدى، فكيف لرجل كان رئيسا يسمح لنفسه أن يسرق ثم يعاود ليكذب كذبة سهل افتضاحها فقط حبا لمتاع الدنيا الزائل، لذا أرى أن كلا المرشحين يلهثان للمنصب حبا للسلطة، فلو كان غرضهم الحقيقى هو خدمة الناس لا المصلحة الشخصية لكانوا فروا من المنصب لا سعوا اليه، فمصر مليئة بالمشكلات التى تجعل من رئاستها هم ثقيل، ففضلا عن أن عدد من يشترى «اللحمة» قليل جدا بالمقارنة بالسابق فقد أصبح يمر أمامى من ينظر إلى العجل المذبوح نظرة حرمان واشتهاء فهل فكر كلا المرشحين فى كيفية إيصال اللحم لهؤلاء المحرومين؟
∎ تخبط فى اتخاذ القرار
صلاح - بائع فاكهة فى إمبابة - يقول: أقف طيلة اليوم فى الشارع وأعود إلى بيتى على النوم مباشرة، حيث لا وقت لى لمشاهدة التليفزيون، ولا قدرة لى على قراءة الصحف، لذا فأنا أستقى ثقافتى من زبائنى، والمضحك أن كل زبون له رأى مختلف تماما عن سابقيه، فالزبون الذى يقف معى ليشرح لى مميزات مرشح وينفرنى من الآخر يأتى الذى يليه ليقول لى العكس تماما، مما أصابنى بالتخبط وعدم القدرة على اتخاذ القرار السديد، لذا آثرت الانسحاب من المشهد تماما، فنحن لم نعتد يوما على أن نختار، إذا فليختاروا لنا «وإلى عايزينه يجيبوه».
ويقول محمد مصطفى موظف بإحدى الهيئات الحكومية: إن بعد المسافة ما بين المقر الانتخابى ومحل إقامتى سبب رئيسى فى تخلفى عن الإدلاء بصوتى فى الانتخابات الرئاسية، حيث إننى من مواليد القاهرة إلا أننى أعمل فى الإسكندرية منذ سنوات فإذا أردت أن أدلى بصوتى لابد أن أقطع كل هذه المسافة والتى لا أستطيع السفر لكل هذه المسافة الطويلة وأيضا طبيعة العمل الذى لا يتيح لى السفر فى أى وقت.
ويقول أشرف مصطفى عامل بالأوقاف «33 سنة»: لم أذهب إلى الانتخابات لأننى لم أؤمن بالانتخاب من الأساس أننا ضد الانتخاب وأيضا ضد الثورة من الأساس وضد فكرة الأحزاب وأنه لا يوجد فى السنة أى نص يدل على وجود الأحزاب على العكس فورد نص يحثنا على الاتحاد وعدم التعددية وأنا لم أذهب إلى الانتخابات من الجولة الأولى وأيضا لم أذهب إلى انتخابات الشعب والشورى.
∎ خدنا إيه من اللى فات علشان ناخد من اللى جاى
يقول عبد النور السيد- 93 سنة - أنا تاجر وعندى محل خاص بى قمت بفتحه منذ سنوات والذى ساعدنى فيه أبى وذلك بعد تخرجى فى الجامعة بتقدير وبحثى عن وظيفة تساعدنى على تحمل أعباء الحياة إلا أننى لم أستطع الحصول على فرصة عمل مناسبة فاقترح أبى علىّ أن أقوم بفتح محل للتجارة وأنه سيقوم بتمويله لى وبالفعل حدث ذلك ومنذ ذلك اليوم أخذت عهدا على نفسى بأننى لن أعطى صوتى لأحد أو يكون لى أى مشاركة سياسية فى هذه الحكومات المتعاقبة على هذا الوطن وأن أركز فى الشىء الذى أستطيع أن أكبر به ويكبر معى لمواجهة الحياة الصعبة والظروف القاسية التى مرت بها البلاد وأؤكد أن الرئيس القادم مش هيفرق كتير فشفيق زى مرسى مع اختلاف التفكير.
ويقول وليد أيوب مبيض محارة «82سنة»: ذهابى إلى الانتخابات شىء غير ضرورى فأنا أعمل من الثامنة صباحا حتى السابعة مساء وطبيعة عملى شاقة فعندما أعود إلى المنزل أكون أعانى من إرهاق شديد، بما أنى أرزقى يوم بيوم فلا أستطيع أن أترك عملى وأذهب إلى الانتخابات الشىء الذى لا يعود على بنفع فلو جاء شفيق أو مرسى شىء لا يغير طبيعة عملى.
وتقول هدى محمد «72 سنة»- ربة منزل: أنا زهقت من الكلام فى الانتخابات كل ما أروح مكان ألالقيهم بيتكلموا عن الانتخابات فى السوق فى الشارع مع الجيران لحد ماخلاص زهقت ومش هروح أنتخب حد، بس جوزى عرفت إنه هينتخب أحمد شفيق وابنى هينتخب مرشح الإخوان، والاتنين أكلو دماغى لحد ما خلاص قلت والله ما أنا رايحة أنتخب ده ولا ده وهشترى دماغى.
ويقول محمد السيد فلاح - 55 سنة- انتخابات إيه أنا مش فارقة معايا أى حاجة أو أى مرشح نجح مش هيبص للفلاح والفلاح آخر اهتماماته هيبص للى فى التحرير ولا لأنصاره ولا مين ولا مين وهسيب لقمة عيشى اللى معرفش غيرها وأروح أتبهدل فى عز الحر علشان أشارك فى الانتخابات وأولادى قاموا بالواجب ده وكلهم راحوا ومش واقفة عليا يعنى!