تهل علينا نسمات ذكرى الإسراء والمعراج فلا أتذكر فقط حلاوة سيرة الحبيب صلي الله عليه وسلم فى تلك الليلة المباركة، إنما أتذكر أيضا النعمة التى أنعم الله بها على المسلمين حين أذن بتحرير القدس وعودة المسجد الأقصى إلينا على يد القائد صلاح الدين الأيوبى فى الليلة المباركة نفسها من عام 7811م. وقتها عادت صلاة المسلمين فى المسجد الأقصى بعد تطهيره وشهد القائد صلاح الدين الأيوبى أول صلاة للجمعة بالمسجد الأقصى ومعه الجيش المنتصر وأهل القدس الذين حرمهم الصليبيون من الصلاة فيه خلال احتلالهم للمدينة المقدسة.
كان أول ما صدح به الخطيب فى تلك الصلاة هو آية قرآنية كثيرا ما نقرأها ونعبرها بلا عبرات، إنما انسابت العبرات فى ذلك اليوم من العيون بمجرد أن تلا من فوق المنبر قول الحق سبحانه وتعالى: «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، فالقوم الذين ظلموا كانوا قد قتلوا على أرض المسجد الأقصى عند احتلالهم له 70 ألفا من المسلمين، هذا الرقم المهول لا خلاف عليه فى مختلف المراجع التاريخية، فلقد ارتوت أرض المسجد الأقصى بالدماء، وعند استردادها كانت الفرحة مختلطة بذكرى الشهداء.
ثم بعد أن حمد الخطيب الله على قطع دابر القوم الذين ظلموا وهزيمة الصليبيين، جاء الدور لكى يحمد الله على اصطفائه للمجاهدين الذين انتصروا، فسالت من جديد الدموع وهو يرتل الآية 95 من سورة النمل، والتى جاء فيها «قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى»، لقد عاد أولى القبلتين على يد المجاهدين الشرفاء بعد التحرك للتحرير انطلاقا من فكرة أن التحرير يبدأ حين تنهض الإرادة لإصلاح الدنيا والدين فيتم قطع دابر الظالمين. فالمعاناة والجهاد لتحرير المقدسات هو تشريف جدير بالمجاهد أن يشكر عليه الله لأنه اصطفاه ليشارك فيه.
فهل يصطفينا الله سبحانه وتعالى ونشارك فى إعادة تحرير المسجد الأقصى والقدس من القوم الظالمين الإسرائيليين.
لقد بدأت الرحلة بالثورات العربية. ورحلتنا فى مصر بدأت بإسقاط رأس النظام، ومازالت الرحلة مستمرة بانتخاب من يصلح بإذن الله، من لا يضع يده فى يد العدو الصهيونى، من لا يمثل امتدادا لنظام كان الأعداء يعتبرونه كنزا إستراتيجيا لهم.
لكن لا بد أن نتذكر أن صلاح الدين الأيوبى قد قضى 20 عاما من الإصلاح والبناء فى الداخل وجمع الصفوف إلى أن صار قادرا على المواجهة، فاسترداد المقدسات يبدأ بالنهضة فى الداخل. يارب نسألك ببركة ليلة الإسراء والمعراج أن توحد صفوفنا خلف الرئيس الصالح الذى يتقيك فينا، رئيس يسير على خطى صلاح الدين فى التقوى التى كان يحرص عليها إلى درجة اهتمام صلاح الدين بأن يتضمن النقش التذكارى الذى يعلو المحراب فى المسجد الأقصى بعد تجديده فى عهده الإشارة إلى أن هذا التجديد قد تم من أجل ''التقوى''، فقد كان حريصا على التأكيد على ضرورة أن نفعل كل ما نفعله ابتغاء مرضاة الله سبحانه، وأن نتقى الله فى كل شىء، بينما هناك نقوش تذكارية لآخرين تتضمن الدعاء لمن تمت فى عهودهم بأن يخلد الله لهم الملك وما إلى ذلك من دعاء دنيوى وأوصاف تتشبث بكراسى الحكم وتختال بصفات طويلة تتم إضافتها إلى أسماء أصحابها وهى كلها أمور لم تكن مما يشغل بال القائد الذى حرر. فتحرير القدس قد منح الله شرفه للقائد الذى ربما لا يذكر الكثيرون أن لقبه بالكامل هو «صلاح الدنيا والدين». يارب اهدنا لاختيار الرئيس الذى يصلح.