رآنى شخص وأنا أدخل الاعتصام بتسجيلى والكاميرا على كتفى فقال لى أرجوكى تحدثى مع أهالى العباسية فهم يريدون من يسمعهم.. وبالفعل ذهبت إلى هناك وجدت مجموعة من العساكر وضباط الشرطة يقفون على جانب الطريق وفى الجانب الآخر وجدتهم ينصبون سرادق عزاء كبيرًا سألت قالوا إنه عزاء جماعى لأربعة شباب من شباب العباسية الذين تم الهجوم عليهم فجرا من قبل البلطجية. ما بين جانبى الطريق كان الزجاج والطوب فى كل مكان.. توجهت لقهوة على ناصية الطريق تناثر حولها الزجاج فى كل مكان.. ومحل بقالة بسيط تم تكسير ثلاجاته وتكسير كل المشروبات بداخلها.. دخلت وسط البيوت فرأيت مشاهد فراق بين جيران قرر بعضهم الهروب من الموت والرعب خوفا على أبنائهم بعد أن عاشوا عمرهم كله آمنين فى هذا المكان.. منهم من كان لا يعلم أين سيذهب ومنهم من كان يهرب من صوت الرصاص وصوت الصراخ والألم كل يوم وأصوات التهديد التى توقظهم من عز النوم وتتسبب فى بكاء طفل أو صرخة زوجة أو حرق قلب أم.. دخلت البيوت فوجدتهم يضعون الترابيس الجديدة على الباب ليس واحدًا ولا اثنين بل أكثر لعلهم يجدون فيها الأمان الذى فقدوه.. بعد أن كانوا يفتحون بابهم لأى ضيف أمسوا خائفين متشككين من أى شخص لا يعرفون من ينوى لهم الخير ومن يحمل لهم السوء.. أصبحوا لا يبحثون أو يرجون لقمة العيش فقط بل أيضا عن الأمان.. وبين شوارع هذه البيوت جاءنى رجل بسيط يبيع عيش فى كشك صغير فى الشارع يقول لى أنا من أهالى العباسية الذين يقال عنهم الآن أنهم بلطجية.. هل نُعد بلطجية لأننا ندافع عن أنفسنا ضد الهجوم علينا وبدأ يقص على ماحدث فجرا.
قائلا: كنت أصلى الفجر ووجدت سيارة نصف نقل ينزل منها ملتحون وهم يرددون الله أكبر حى ويمسكون بمصطفى وهو أحد الشباب الذى لقى حتفه.. اصطادوه وهو خارج من الجامع جرجروه إلى قرب اعتصامهم ونزلت صورته فى الوفد والجمهورية على أنه أحد المعتصمين وهو لا يمت لهم بصلة بل هم ضربوه وقالوا إنه منهم وجرائد أخرى أظهرت صورته على أنه بلطجى أمسكوا به وضربوه وهو لا هذا ولا ذاك ومصطفى توفى بطلق نارى وهذا معناه أنهم يحملون السلاح.. ويكمل.. كيف يقولون الله ورسوله ويذبحون مسلمين مثلهم، والله يا أستاذة أحسسنا إننا إسرائيليون وهم يريدون إبادتنا.. تعالى لترى ماذا فعلوا بالقهوة.. فقد دمروها.. دخلت القهوة ألقيت السلام على صاحبها الذى كان يجلس حزينا واضعا يده على خده.. الأكواب والتليفزيون والكراسى كل شىء أصبح خردة.. وقال عم أحمد صاحب القهوة: لا أدرى هما بيعملوا فينا كده ليه هل إحنا يهود.. إذا كنا يهودا فيجب عليهم معاملتنا بشكل أفضل من هذا.. كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
∎ قتلوا شابا ومثلوا بجثته
بدأ الناس فى التجمع حولى وكل واحد يحاول أن يقص على ما حدث من وجهة نظره ويقصون كيف أنهم يتعرضون لهجمات شرسة من قبل «حازمون» أو بالأصح من الملتحين المسلحين.. لكنى لاحظت وجود شاب يمشى ورائى منذ تركت الاعتصام حتى وصولى للأهالى وكان يقف بجانبى وسط الناس وفجأة مال على أذنى قائلا «ماتصدقيهمش».. وتركني وذهب.. كان شابا بلحية خفيفة يرتدى قميصا وبنطلونا ويحمل كتبا فى يده.. توقفت لثوان أحاول أن أفهم لماذا قال لى هذا وهو كان بين الأهالى وتساءلت هل هو مندس بينهم وكان فى الاعتصام وعلم أننى سأذهب للأهالى فجاء ليسمع ماذا سيقولون لى ويريدنى ألا أصدقهم حتى لا أنشر ما يقولونه.. المهم أكملت حديثى معهم.. وبدأ خال شاب آخر اسمه رأفت والشهير بقطة والذى تم إطلاق النار عليه من قبل البلطجية أو من أى من كانوا.. وبعد ذلك قاموا بسحله على الأرض وتقطيعه بالسكاكين وكأن بينه وبينهم تار وكل ذنبه أنه لم يطع الأوامر التى أصدرها هؤلاء المجهولون بأن من يخاف على عمره يبقى فى البيت ونزل قطة للدفاع عن بيته ومنطقته هو وأصدقاؤه ولم يكن يتوقع أحد أن يموت هذا الشاب الجدع كما يقول عليه أهل الشارع هذه الميتة القاسية. ∎ أسلحة تستعمل فى الحروب
يقول صديق قطة: إننا كلنا نزلنا للدفاع عن بيوتنا التى انتهكوا حرماتها ودخلوها وهددونا ولكننا أمسكنا منهم خمسة وسلمناهم للجيش ولا نعرف عنهم شيئا، لكن منهم واحدا كان يحمل ورقا كتب عليه كلامًا غريبًا يشبه الخطط المستقبلية وأسماء مهمة فى الدولة مثل بثينة كامل ومحمد حسان وصفوت حجازى وغيرهم.. وتوزيع لأموال بينهم، وطلبات لرصاص مثل 80 بلية 60 بلية وهكذا ويحملون سلاحًا بالليزر وكشافات مثل كشافات الحرب تضىء المكان كله وعندما يرون شخصا فى الشارع يضربونه على الفور.. وكبَّاس عندما يضغط عليه يتناثر الرصاص فى كل الجسد ومنهم من يحمل نبلة ولكنها ببلى قوى ممكن أن يكسر الجمجمة ويطير العين.. لن نسكت عن حقوقنا فالشرطة تركتنا نموت حتى الساعة الخامسة مساء ولكن العباسية وأهلها كفيلة بحماية نفسها. ∎ سيارات كيا سيراتو تدخل بأطعمة وأسلحة
يقول عم خيرى تاجر وصاحب محل: بيوتنا أصبحت منصات لهم يضعون كاميرات عليها ويقفزون من فوقها، زوجتى لا تنام الليل كله وضغطها يرتفع وخائف من فقدانها فبعد سفر ابنتنا الوحيدة لم يعد لى غيرها وأحاول أن أترك البيت لكن أين أذهب؟! قابلت نائب مجلس الشعب عمال عن دائرة الوايلى من حزب الحرية والعدالة عندما أتى هنا وقال إننا اتهمنا بأننا نحن من اعتدينا على المعتصمين فطردناه من هنا وقلنا له إننا ندمنا على إعطاء أصواتنا لك.. فكلكم خائنون ولا نريد منكم شيئا.. فهو لم ير كيف أوقف هذا الاعتصام حالنا ولم نعد نبيع ولا نشترى حتى المعتصمين تأتى لهم سيارات كيا سيراتو حمراء بأطعمة فلا يشترون منا شيئًا ربما يعتبرونا كفرة لا يجوز أن يأكلوا منهم.. وأيضا تدخل لهم سيارة متسوبيشى خضراء بأسلحة ويخزنوها فى الخيم.. وكل السيارات لا تحمل أرقاما وأكد على كلام عم خيرى الكثيرون ممن كانوا يحيطون بنا. ∎ لم يتركوهم يخربون البلد ويخربون حياتنا؟!
ويتساءل أحمد محاسب وعريس جديد من أهالى العباسية والرصاص دخل إلى منزله إلا أن البيت الذى جهزه ليتزوج فيه لم يسلم ولم يهنأ بزواجه الذى لم يكمل الثلاثة أشهر بعد.. لماذا يخربون حياتنا ويخربون مصر بهذا الشكل؟!! ويكمل: والله يا أستاذة لست ضد الثورة لكن توفيق عكاشة هو سبب كل ما نحن فيه الآن فهو من نادى الناس للتظاهر هنا.. لكننا منعنا هذا تماما لأن الطرق تغلق وحالنا بيقف والباعة الجائلون بينتشروا وبيعاكسوا بنات المنطقة وزوجاتنا ويضايقونهن ويتجمع ناس آخرون منهم شباب صايع يحشر نفسه وسطهم وبنات شكلها غريب وشكلهم غير محترم وممكن جدا يكونوا مدسوسين عليهم لكن فى النهاية المعتصمين هم من يعطون لهذه الأشكال الفرصة بالدخول وسطهم وتصرفات غريبة ويغلقون الطرق ولا يفكرون فى باقى المصريين والله إحنا زهقنا ولا نريد اعتصامات فى العباسية فشبابنا بيموت ونحن عزل دون سلاح إذا لم يدافع عنا الجيش يعطينا سلاحا ونحن نجعلهم يفضون الاعتصام!!
هكذا انتهت رحلتى فى العباسية وتركتهم يتممون مراسم العزاء الجماعى والحزن يعتصر قلوبهم وقلبى أيضا.. والسؤال يدور فى رأسى.. لماذا نفعل هذا ببعضنا البعض؟! لم أتصور يوما أن ننقسم بهذا الشكل المرعب ونستبيح دماء بعضنا هكذا..