فى عدد صباح الخير الصادر فى 42 يونيو 3002 كتبت عن أحلام طبيب جراح أطفال بمناسبة نجاح عملية زرع كبد اشترك فى إجرائها لطفلة عمرها خمس سنوات.. كتبت عن أحلامه لأنه كان فى نظرى هو دكتور فاطمة.. واحدة من أوائل الأطفال الذين أجريت لهم جراحة زرع الكبد فى مصر.. الأسبوع الماضى قابلت فاطمة بعد أن أصبحت شابة جميلة، للأسف قابلتها فى سرادق عزاء طبيبها - د.علاء فايز (أستاذ الجراحة ورئيس جامعة عين شمس)..أكبر مشكلة واجهتنى بعد أن أفقت من صدمة الموت كانت أمهات الأطفال الذين ساعدهم د.علاء.. كل واحدة منهن تذكرنى بأيام.. صوت الأم يأتينى باكيا عبر التليفون، فتظهر أمام عينى صورة لأم مذعورة وطفل مريض ود.علاء مبتسما يطمئن الجميع. صورته فى ذاكرتى مبتسماً دائما.
كيف كان يحافظ هذا الرجل على هذه الروح الجميلة؟
لم أسأل نفسى طوال سنوات معرفتى به عن وجهه الآخر، ألم يكن يغضب؟ لم أر هذا الجانب.. أتذكر منذ خمس سنوات -عندما انتهى من تجديد قسم جراحة الأطفال بمستشفى الدمرداش بمساعدة مؤسسة يحيى عرفة الخيرية- دعانى لمشاهدة التحول الذى حدث فى المكان، كان سعيدا وفخورا، يكاد يطير من الفرح.. من يومها لم أنقطع عن زيارة هذا المكان أحمل طفلا مريضا وأما مذعورة وأسلمهما للدكتور علاء، فيقدمنى لتلاميذه الجراحين الشبان، ويدعوهم للجلوس معى والحوار حول أى من قضايا الساعة.. ياترى كيف حال كل هؤلاء الأطباء الذين احتضنهم د. علاء الآن؟. بالتأكيد ليسوا أقل حزنا من أمهات الأطفال.
عندما قرر علاء فايز خوض انتخابات جامعة عين شمس لم أكن مرحبة، كنت خائفة عليه وعلى قسم جراحة الأطفال وعلى زرع كبد الأطفال، وكنت خائفة على نفسى -إذا أصبح رئيسا للجامعة - أن أفقده.
بعد أسابيع من نجاحه فاجأنى بأدائه، نفس البساطة والتلقائية، نفس الحماس، نفس الشفافية والصدق، ونفس الابتسامة.
لم أفاجأ بانضمامه إلى المسيرات ولا تشجيعه للثوار ولا جزعه على الشهداء، كنت أعرفه بما يكفى أن أتوقع هذا كله، المفاجأة كانت فى قدرته الجبارة على استيعاب الطلاب، لم أفقده بالعكس رأيت جانبا جميلا جديدا.. فى أحد لقاءاتنا الأخيرة اصطحبت معى أخت محمود عمران (شيكا) طالب الحقوق الذى قضى فى السجن أربعة أشهر بعد أحداث مجلس الوزراء، وطلب هو عميد كلية الحقوق لنتناقش كيف يمكننا الضغط للإفراج عن محمود.. حضر اللقاء شابان من أصدقاء شيكا وفى هذا اللقاء فوجئت بقدرات د.علاء على الفهم والتحمل والاحتواء.
كان حديث أحد الشابين يحمل هجوما شديدا حتى أننى رفضت أن أستكمل الحوار معه وقلت له (أنت لا تعرف من معك ومن ضدك) فتدخل د. علاء ليهدئنى ويشرح لى مشاعر الشباب كأى أب يدافع عن ابنه.
هل حقا مات د.علاء فايز؟
آخر مرة تكلمنا كنت أسأله عن حالة أحد مصابى العباسية اسمه إدوارد ميلاد، كان مصابا بنزيف شديد فى المخ ودخل رعاية الدمرداش، قال لى إن حالته سيئة.. وقال: «أنا زعلان عليه جدا نفسى يفوق وأقدر اتكلم معاه وافهم بيفكر إزاى.. الأعمار بيد الله.. بس الحالة صعبة»
بعد هذه المكالمة بحوالى 63 ساعة عرفت خبر الحادثة.
سألنى كثيرون هل موت علاء فايز مدبر؟.. كنت أجيب: نعم، دبره الله ليرحمه من أن يرى ماحدث أمام باب جامعته، ومستشفاه.