فى رواية «وليمة التمثال الحجرى» التى قدمها عبقرى فرنسا الأعظم موليير قامت الدنيا ضده ولم تقعد، وتطوع محام اسمه «روشمون» للهجوم على موليير وحاول هذا الرجل الساعى إلى الخير أن يلحق أعظم الضرر بشاعر فرنسا الأكبر فى القرن السابع عشر فبلغ البرلمان وخطب خطبة عصماء ضد المهرطقين والمجدفين وتطرق إلى رواية «التمثال الحجرى» وقال عنها إنها رواية شيطانية لم يظهر ما هو أفسق منها حتى فى العصور الوثنية.. أما موليير نفسه فقد أصابه من الحب جانباً فقال عنه إنه شيطان خرج علينا فى ثوب رجل يستحق لقب أشهر فاسق فى التاريخ، وبالطبع ذهب «روشمون» إلى المكان الذى يليق بأمثاله، بينما خلدت أعمال موليير صاحبها وارتفعت به لتضمه إلى قائمة هؤلاء الذين حملوا مشاعل النور والضياء وكان موليير بحق درة على جبين بلاده ومفخرة لها.. وما أشبه ما جرى لهذا المبدع الأعظم فى القرن السابع عشر وما يجرى الآن لصاحب الهالة الأعظم فى دولة الفنون الفنان الذى به نفخر ونعتز ونباهى به الأمم صاحب الموهبة المتوهجة والعقل المنير والذكاء الخارق عادل إمام الذى لا أعتبره فنانا يعيش فى عصرنا ولكنه فنان نعيش فى عصره فهو جبرتى هذا الزمان وحكاؤه من خلال مجمل أعماله التى فى معظمها كانت صورة صادقة لهموم هذا العصر وأوجاعه ومشكلاته بل إن بعضا من هذه الأعمال كان عادل إمام والذين معه يقرأون الطالع لشعب مصر ولأنهم ليسوا من المنجمين ولكن من النجوم فقد أصابوا فيما ذهبوا إليه لأنك عندما تستوعب تاريخ بلادك وتقرأ الحاضر جيدا فإن المستقبل مع عقول مستنيرة يمكن أن نضع خطوطه العريضة وهكذا فعل عادل إمام فى «النوم فى العسل» عندما تنبأ بخروج الأمة ممثلة فى كل طوائفها وأبنائها لتعلن العصيان على حالة «العجز» التى أصابت الدولة وبدأت بالعجز الجنسى أو هكذا صورتها كتيبة المبدعين الذين أخرجوا لنا هذا العمل العبقرى. والحق أقول لو أن فنانا بحجم عادل إمام ظهر فى أى دولة تحترم الفن وأهله لأقاموا له تمثالاً من ذهب ووضعوه فى أهم بقعة فى العاصمة، ولكن من قال إن هناك كرامة لنبى فى وطنه، فزمار الحى لا يطرب أهل الحى والموضة هذه الأيام أن نلعن الزمار والمزمار ومن يستمعون إليه وننعتهم بالكفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، ولمن لا يعلمون فإن عادل إمام يسكن فى منطقة المنصورية وإلى جوار منزله يقع جامع يؤمه أهل المنطقة جميعا وعندما ذهب عادل إمام للصلاة ذات جمعة فى بداية عهده بالإقامة هناك وجد أن الجامع لا يصلح لأهل المنطقة فتبرع لإعادة تجهيز الجامع بما يلزم من كل شىء ولم يبق سوى توفير مكتبة إسلامية داخل بيت الله لكى ينهل منها المصلون ويتفقهوا فى أمور دينهم وتاريخه ولذلك اتصل عادل إمام بوزير الأوقاف فى تلك الأيام وهو الدكتور زقزوق مساه الله بكل الخير ولم يكذب الرجل خبرا فما هى إلا أيام قليلة وكانت الكتب العامرة تزين أحد أركان الجامع وهى مكتبة يذهب إليها خصيصا طلاب العلوم والدراسات الإسلامية لما تحتويه من كتب نادرة وقيمة وهم يحفظون لعادل إمام هذا الفضل وذلك الدور الذى لعبه فى تحويل الجامع إلى مكان للعلم والدراسة.. ومع شديد الأسف فإن هذا الفنان الذى ليس له نظير- كما يقول الفنان سمير خفاجى- فى الكون يتعرض تاريخه الفنى إلى وليمة تنهش فيها الذئاب ومدعو الدفاع عن الدين وطالبو الشهرة ولو على حساب جثة عادل إمام.. ولكن على هؤلاء جميعا أن يقرأوا التاريخ ليتعلموا الدرس إلى أين ذهب / وشمون.. لقد ذهب إلى مزبلة التاريخ كما قال رائد المسرح العملاق جلال الشرقاوى بينما ارتفع مقام موليير ليعانق النجوم والكواكب السيارة!!