كنت قد اعتدت علي مظهر الباعة الموجودين علي الرصيف ولكن ما أذهلني وجود أدوات طبية، إسعافات أولية وأدوية تباع أيضا علي الرصيف!! برغم أن هذه الأدوية لها مكان طبيعي وهو الصيدلية علي اعتبار أنها أكثر تعقيدا وخصوصية من أن تكون «بضاعة» والسلام ضمن باقي بضائع الرصيف كما أنها ليست مصدر رزق «لكل من هب ودب» وإنما هي مواد علاجية تحتاج إلي استشارة صيدلي متخصص ولكن من الملاحظ أن أغلب المسترزقين تعاملوا مع الأدوات الطبية علي أنها بضاعة تباع وتجلب فلوساً متجاهلين الخطورة التي ستأتي فيما بعد البيع والمصيبة أن هناك من يشتري وأصبح زبونا لأدوية الرصيف أو «الفرشة» كما يقولون. أمام محطة مترو العتبة وأنا أتجول في الشارع بين العديد من بائعي الرصيف لمحت بائعا وضع لوحاً خشبياً كبيراً وفوقه ملاية، وقام بوضع «رباط ضغط»، شاش، قطن، بلاستر، وبعض دعامات الظهر والرقبة وأحزمة تخسيس طبية، وكريمات مختلفة وينادي علي الزبائن «معايا حزام للي ظهره واجعه»، «معايا رباط لروماتيزم الركب» وفوجئت بالفعل بمن يذهب إليه ويشتري ويقوم البائع بإعطائه بكرة بلاستر طبي أبيض أو شاشاً بدلا من الباقي!! وتساءلت: ما الذي يجذب الناس لشراء أدوات طبية من الشارع والصيدليات منتشرة في كل مكان؟! تجرأت بالاقتراب من «الفرشة» وبدأت أسأل عن الأسعار ووجدت أن حزام الظهر أقل من سعره في الصيدليات ب «15» جنيهاً وهو الأمر الذي جعلني أزداد حيرة؟ فهل هم فاعلون خيراً ويتحملون الفرق من جيوبهم؟ أم أن هذا الحزام صيني!! أو قد تكون بالفعل أدوات مستعملة وهم يعيدون بيعها من جديد باحثين عن المكسب بدون ضمير. لم يهدأ بالي وسألت البائع الذي يقترب عمره من الأربعين عاما ويرتدي جلبابا رمادي اللون من الصوف ويضع «كوفيه» فوق رأسه وأظهرت له أنني أصبت بصداع وسألته «ألاقي عندك حباية للصداع» فنظر إلي قليلا ثم رفع يده اليمني وأدخلها ببطء في صدر الجلابية فاعتقدت أنه سيجلب لي دواءه الخاص فإذا به يفاجئني بكيس قماش ممتلئ مربوط «بأستيك» وألوانه زاهية وقد يكون مصنوعاً من نفس الملاية التي وضع عليها الأربطة والأدوات أو قد تكون مصنوعة من باقي قماش بيجامة وفتح فوهة الكيس القماش وأخرج لي صنفين من الأدوية أعلمهما وأستخدمهما وقال لي «عايزة حباية أم ربع جنيه ولا اللي بنص» فتعاملت معه علي أنني جاهلة وأخبرته: «إيه الفرق» فرد قائلا: «أم نص أقوي وتأثيرها أسرع»، ولاحظت أنه يتعامل مع الزبون وكأنه صيدلي ينصحك بالأقوي، وقريبا سيقرأ الروشتة ويوصل لك الدواء إلي المنزل!! وبالفعل اشتريت منه ثم قلت له: أنا عايزة شريط كامل فأعطاني 8 حبات لأنه بيقص الشريط «فرداني» عشان بيبيع بالحباية؟! إلي هذا الحد أصبح لا مكان للتخصصات، فكل من هب ودب «يحق له مزاولة مهنة في مكان غير مخصص وبدون شهادة ويباشر دور دكتور صيدلي»!! دفعني الفضول لمعرفة من أين لهم هذا؟ ومن المشترك معهم في هذه الجريمة فهي عملية قتل بالبطيء وسألت أحد الصيادلة دكتور معتز عن تفسير لهذا المشهد فرد قائلا: الأدوات الطبية مثل الرباط والشاش والقطن في أحيان كثيرة تكون مسروقة من المستشفيات أو الصيدليات والمتعاون معهم هنا الممرضة في المستشفي أو العامل في الصيدلية لأنهم يأخذون نسبة من المشتري مقابل إعطائه الأدوات التي يريدها وأحيانا كثيرة تكون هذه الأدوات من بواقي استخدام أشخاص قاموا بإلقائها في القمامة فيقومون بعملية فرز للقمامة واستخراج هذه الأدوات وغسلها وإعادة بيعها وبالطبع يحققون مكسباً من وراء هذا ويقومون بنشر الأمراض الجلدية أو الأمراض التي قد تنتشر نتيجة استخدام أدوات الآخرين، أما عن أدوية الصداع التي أخرجها لك من كيسه القماسي فأيضا قد تكون مسروقة أو بواقي استخدام لأشخاص أو منتهية الصلاحية فهناك العديد من شركات الأدوية التي لا تقبل بأخذ المرتجعات فيرجع الأمر هنا إلي مسألة وجود الضمير من عدمه فإذا تواجد ضمير سيأخذ العامل والصيدلي هذه الأدوية ويقوم بإعدامها بحيث لا يتمكن أحد آخر من استخدامها ولكن أحيانا يتم إلقاؤها دون إعدام فيصبح هذا بمثابة كنز لمن يجده فيستغله ويقوم بإعادة بيعه علي شكل «حبوب فرط» حتي لا يكتب علي الشريط مدة الانتهاء وأحيانا أخري يقوم العامل بأخذ الأدوية علي أساس إعدامها ولكنه معدوم الضمير فيبدأ ببيعها إلي «مخازن بئر السلم» وهي مخازن أدوية مغشوشة ومنتهية الصلاحية وهي مخازن ليست لديها تصريح بتخزين الأدوية ويقوم أصحاب هذه المخازن ببيع الأدوية بالقطعة لكل من يريد أن يسترزق ولم يضعوا في الاعتبار المواطن الذي من حقه أن يأخذ علاجا صحيحا «فيمرضونه أكثر من مرضه»، وأنا أري أن شركات الأدوية إذا قبلت المرتجعات فسيكون حلا ناجحا لانتشار أدوية «الأجزافرشة» أو أدوية الرصيف التي تكون منتهية الصلاحية وتؤخذ دون إشراف طبيب أو متخصص للتحكم في عدد الجرعات ومعرفة الآثار الجانبية للدواء علي المريض وبعدما عرفت السبب بطل العجب ولم أر هذا المشهد فقط عند محطة العتبة وإنما أيضا خلف جامع الفتح برمسيس وخلف جامع رابعة العدوية.