مبادرة هامة تجاهلها الإعلاميون عقب حادث نجع حمادي كاتب هذه السطور من خريجي الأزهر، وأعمل مدرسا بالأزهر، وفوق علومي الدينية التي تلقيتها بالأزهر، فقد كنت عضوا في جماعة الإخوان المسلمين في بدايات حياتي، ثم تركتها وانضممت للجماعة الإسلامية في أواخر الثمانينيات، ثم تركتها وانضممت لجماعات التكفير في العام الأول من التسعينيات، ثم تم اعتقالي لمدة ثلاث سنوات في العام 1992 علي خلفية عضويتي في الجماعات المتطرفة، وفي المعتقل بدأت في السنوات الثلاث أراجع كل أفكاري الدينية وبدأت أقرأ في كل شيء من جديد وعدلت عن أفكاري الأولي جميعها بعد ثلاث سنوات من القراءة والبحث الدؤوب، وبعد خروجي من المعتقل في العام 1995 انكفأت علي البحث والدراسة والتخصص في الفكر الديني بشكل عام وفي الفكر الديني الإسلامي بشكل خاص. وكان من بين الموضوعات التي بحثتها ورصدتها بعناية واهتمام فائقين موضوع الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، حتي كونت رؤية علمية موضوعية واقعية حول أسباب وجذور هذا الصراع الدائم والمتجدد بين المسلمين والمسيحيين، وقمت برصد كثير من الأسباب الموضوعية، ووضع الكثير من الحلول والعلاجات الجذرية للقضاء علي هذا الصراع من الناحية الفكرية. وكان من أهم نتائج هذه البحوث أنني وجدت أن الأسباب الحقيقية والدوافع الرئيسية التي تقف وراء ذلك الصراع ليست سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ولا بدوافع خارجية كما يروج الإعلام لذلك، وإنما هي أسباب ودوافع نشأت من خلل وشحن فكري ديني عقيدي محض لدي الطرفين، قام باستثماره بحرفية عالية بعض المتاجرين من الطرفين سياسيا وطائفيا. فأري أنه ليس من علاج لهذا الخلل سوي تناول التفصيلات الجزئية الدينية العقيدية للطرفين ومناقشتها بعقلانية وموضوعية وإعادة قراءتها من جديد لإصلاح وعي الجماهير حول هذه القضايا والتفصيلات الدينية التي تعد هي البذرة الحقيقية لهذه الأزمات المستمرة، فالأزمة هي أزمة فكرية دينية عقيدية محض، وعلاجها لا يكون إلا علاجا فكريا دينيا عقيديا محضا لكلا الطرفين، مهما جادل المجادلون ومهما تفلسف المتفلسفون في تجاهل هذه الحقيقة، ولا يحتاج علاج هذا الأمر سوي حملة إعلامية صادقة جادة متتابعة لتبصير الجماهير وتثقيفهم تثقيفا دينيا حقيقيا في هذا الأمر. وقد يقول البعض هناك الكثير من المفكرين الدينيين وبعض رجال الأزهر الذين يدلون بدلوهم في هذا الأمر، أقول نعم، ولكني بحكم انتمائي إلي كثير من التيارات الدينية لسنوات عديدة في الماضي فأنا أعرف عن أسباب وجذور هذا الصراع ما لا يعرفه رجال الأزهر ولا المفكرون الذين يتناولون هذا الأمر في وسائل الإعلام، فالإشكال ليس سببه رجال الأزهر ولا التعليم الأزهري ولا المفكرون، الإشكال جذوره وبذوره نبعت من أفكار التيارات والجماعات الدينية المتشددة، وبحكم كوني كنت مسئولا عن التثقيف الديني والعقيدي والفكري في هذه الجماعات. وبحكم كوني درست واطلعت علي كافة أبحاثهم وكتاباتهم التي لا يمكن أن يجدها أحد في المكتبات ولا مع الباعة، أزعم أنني لدي الكثير من الأفكار التي سوف تعالج هذا الأمر علاجا فكريا حقيقيا. وقد كتبت في هذا الشأن العديد من الأبحاث والدراسات التي اطلع عليها كثير من المثقفين والمفكرين والمهتمين بالأمر سواء من المسلمين أو المسيحيين وأثارت إعجابهم وانبهارهم، فشجعوني علي نشر هذه الأفكار والأطروحات علي الجماهير في الإعلام. وبالفعل قمت بعمل مبادرة مهمة عقب حادث نجع حمادي العام الماضي وبعثت بها لعدد من الإعلاميين، لكن ما حدث من رد فعل الإعلاميين علي هذه المبادرة لم يكن متوقعا، وفي المقال القادم سوف أروي لكم ما حدث.