بعد حياة حافلة بالعطاء والإبداع الجميل مفرداتها برامج واعية تنم عن ثقافة رفيعة ومبادئ سامية ومهنية في طراز رفيع فقدت مصر في التاسع من يناير سنة 1999 علماً من مؤسسيها وأصحاب الفضل في ريادتها وسمو مكانتها القدير المحترم محمد محمود شعبان بابا شارو. أجيال متعاقبة من أطفال مصر منذ أربعينيات القرن العشرين تعلقت آذانهم وأذهانهم بكلمات الإعلامي ذي الصوت الساحر والأداء الرصين والفكر الجاد المحترم الملتزم الذي لا يعرف الخفة والسخافة ولا يعترف بالتجهم والوعظ المباشر. لا شك أن أدوات التعبير الإعلامي تتطور بسرعة خارقة انعكاسا منطقيا للثورة الدائمة التي لا تتوقف في تقنيات الاتصال بكل ما يعنيه ذلك من توفر إمكانات غير مسبوقة لكن المستقر الراسخ أن البطولة الحقيقية في النجاح معقودة لمهارة العنصر البشري فهو القادر علي الاختيار بين الاستثمار الإيجابي والإهدار السلبي وقد كان بابا شارو وأبناء جيله الذهبي ومنهم رفيقة العمر صفية المهندس ممن يقدمون المثل ويجسدون النموذج لأهمية وخطورة وجلال الدور الذي ينبغي أن يؤديه القائم بالاتصال في وسيلة إعلام شعبية ذات تأثير فأين هم من بعض الأدعياء الذين يسيطرون الآن ويهيمنون ويحولون الإعلام من نعمة إلي نقمة فلا سلاح يتميزون به إلا المزيج المزعج من الجهل والخواء والابتذال؟! تذهب الأمثال القديمة الحكيمة إلي أن من شب علي شيء شاب عليه ذلك أن الشخصية الإنسانية تتشكل بمؤثرات سنوات النشأة الأولي فمن يستمع إلي الغناء ويشاهد لا ينتظر منه إلا الشر ومن يتعلم الأصول والقيم والمفاهيم المحترمة سيضيف إلي نفسه ومجتمعه كل خير. نظرة سريعة إلي الخريطة المعاصرة لبرامج الأطفال في الإذاعة والتليفزيون تقود بلا عناء إلي وجود أزمة طاحنة تسهم في زيادة التشويه الذي يصنع علل المجتمع وأمراضه فما أكثر مقدمي البرامج الذين يفتقدون أبجديات الوعي ويتعاملون مع الأطفال بمنهج مغلوط مدمر والكارثة المزعجة أنهم يتوهمون في أنفسهم براعة تستحق الحسد!