تحتضن القاهرة هذه الأيام الدورة الدولية الودية الأولي لكرة القدم لبلدان حوض النيل بمشاركة سبع من عشر دول أفريقية نيلية هي: مصر والسودان وتنزانيا وكينيا والكونغو وأوغندا وبوروندي ، وغابت إثيوبيا ورواندا وأريتريا عن الدورة لظروف مختلفة، من بينها أنه جري ترتيبها علي عجل، ما يعني أن النسخة القادمة العام القادم التي ستقام في القاهرة أيضا ستشهد مشاركة دول الحوض العشر. الرياضة ليست كراً وفراً، وإنما وسيلة للتعارف والإخاء بين الشعوب في الأساس، رغم أن بعض المتعصبين يحولونها عن مسارها الصحيح، لذلك فإن مثل هذه البطولات خطوة علي الطريق لمواجهة بعض التوترات السياسية بين الدول، وخلق حالة من التعارف والتعايش الشعبي بين البلدان المرتبطة ببعضها بمصالح مشتركة، قد تفرقها السياسة أحيانا. في هذه البطولة الأولي لحوض النيل جهد كبير من عدد من مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية، فقد أطلق الجهاز القومي للرياضة الفكرة، وعمل عليها اتحاد الكرة، ودعمها سياسيا ودبلوماسيا وزارة الخارجية والأمن القومي، ودخلت الصحافة طرفا داعما عبر الأخ الصديق طارق حسن رئيس تحرير الأهرام المسائي، الذي تقوم صحيفته برعاية البطولة. ومن استعراض هذه القائمة يتضح أنها ليست مجرد مباريات في كرة القدم، وإنما مهمة قومية، فدول حوض النيل في حاجة ماسة للقاء في منتديات مختلفة عن قاعات التفاوض حول مستقبل المياه، صحيح أن مياه النهر مهمة لحياة شعوبه جميعا، لكن السياسيين والقانونيين والدبلوماسيين الذين يجلسون في قاعات التفاوض، قد تتغير طريقة تفاوضهم ونظرتهم للأمور إذا ما كانت العلاقات الشعبية في أفضل صورها. علي سبيل المثال توجد بين مصر والسودان مشكلة تاريخية اسمها مثلث حلايب، لكنها لم تتحول إلي نزاع سياسي وعسكري، لأن العلاقة الشعبية المتينة بين الشعبين، فرضت علي الدولتين بغض النظر عن الحقوق التاريخية التعامل مع هذا الملف بهدوء وفي إطار التعاون لا الصراع. ولا أعتقد أن هذه البطولة وحدها كافية لبناء جسور الثقة بين شعوب النيل، فنحن نحتاج إلي ما هو أكثر من دورة في كرة القدم، نحتاج بطولات في الألعاب الرياضية كافة، نحتاج من منظمات المجتمع المدني المصرية أن تنشط في دول حوض النيل، مثلا نقابة مثل الأطباء تجمع تبرعات دائمة يذهب بعضها إلي الفلبين وأفغانستان وغيرها من البلدان البعيدة، مع بعثات طبية، لماذا لا يوجه مثل هذا الجهد وتنطلق بعثات طبية ومساعدات دائمة من النقابة وغيرها إلي دول حوض النيل لكي يكون التواجد المصري فيها ليس سياسيا ولا رياضيا.. وإنما إنساني أيضا. وقبل ايام استضاف المجلس الأعلي للثقافة ورشة عمل لكتاب أفارقة، وهي خطوة مهمة أعتقد أنه يجب أن تتبعها خطوات مماثلة في دول حوض النيل، لأن الثقافة أحد أهم أدوات التواصل بين الشعوب. قضية المياه حياة أو موت بالنسبة لمصر ودول حوض النيل كافة، وكل جهد من جمعية أهلية أو اتحاد رياضي أو من رجل أعمال يستثمر أمواله في دول النيل يبني لبنة من لبنات التعاون ويقلل فرص الصراع.. وهذا ما نحتاجه الآن.