" دخّلني والنبي يا عم موريس والنبي، والعدرا، والنبي.. تفر دموع موريس وراء الباب المغلق يقول: ما أقدرش يا بنتي.. والعدرا ما أقدر.."، هكذا اضطر الأستاذ موريس وزوجته مدام جانيت إلي التخلي عن "هدي" الطفلة الصغيرة، التي رحل والدها البواب ومن قبله أمها، وتركاها وحيدة، وأمام يتمها وحرمانهما من الإنجاب رعاها موريس وجانيت، والسبب الذي دفعهما للتخلي عنها كما تخبرنا قصة "باب مغلق" إحدي قصص مجموعة "كناري" الصادرة حديثا عن "أخبار اليوم" للقاص والكاتب الصحفي أحمد الخميسي، هي تلك النظرات و"التلقيحات" التي أصبحت تحاصر موريس متهمة إياه بمحاولة "تنصير" الفتاة، كانوا ينظرون إليه شذرا فقط، دون أن يتقدم أحدهم لرعاية الفتاة. الفتنة الطائفية سألته: وماذا نفعل لحل مشكلة «الفتنة الطائفية»،فرد الخميسي: علينا أن نغير مناهج التعليم، أن نعلّم الأطفال أن عبارة الله الرحمن الرحيم، هي نفسها عبارة الله محبة، لماذا لا نقدم مادة جديدة في المدارس تجمع القيم المشتركة بين الدينين، دا في الآخر كلام ربنا، يجب أن ننزل إلي الأحياء الشعبية، إلي الصعيد، لماذا لا نعرض أغاني سيد درويش وأفلام الوحدة الوطنية؟، لماذا لا تستدعي المؤسسات الثقافية الرسمية، إن كانت جادة، الأدباء ليكتبوا نصوصا مسرحية، وتعمل بها مسرحا شعبيا، تلف به القري والحارات وغيرها؟! تجربة الاعتقال "كناري" هي المجموعة القصصية الثالثة للخميسي بعد المجموعة الأولي التي صدرت عام 1967 بالاشتراك مع اثنين آخرين تحت عنوان: "الأحلام والطيور والكرنفال"، والثانية التي صدرت عام 2004 بعنوان "قطعة ليل"، هذا البعد بين المجموعات الثلاث يدعونا للتساؤل عن السبب، فيجيب الخميسي: بدأت مبكرا في كتابة القصة القصيرة، أولي قصصي نشرتها في مجلة "صباح الخير" بفضل الراحل العظيم محمود السعدني، كان اسمها "رجل صغير"، وكان عندي وقتها 14 عاما، وواصلت الكتابة، إلي أن دخلت المعتقل عام 1968، في إحدي المظاهرات الطلابية، احتجاجا علي أحكام الطيران المخففة بالنسبة للمسئولين عن النكسة، فترة المعتقل أعطتني شعورا كئيبا بأن الكتابة لا تغير الواقع، وأنها تشبه نثر الزهور علي الصخر، لكنها لا تزيحه، ومن ثمّ توقفت عن الكتابة طويلا، حتي من حوالي 10 سنوات حينما اكتشفت أن الكتابة هي الطريق الوحيد لصوتي الخاص. أستوضح منه، فيقول: إذا سرت في مظاهرة، فإنك تشتركين مع الآخرين في معني واحد، تقاسمينهم في شيء واحد، لكنك في الكتابة تتحدثين وحدك عن أحلامك، مواجعك، أفراحك، وحتي علاقتك بالآخرين، اكتشفت أنه ليس لدي شيء أفعله أو أقوله سوي محاولة الكتابة. الكتابة رسالة أسأله: لكنك حتي بعد أن اكتشفت أن لا شيء لديك لتفعله سوي الكتابة، فأنت مقل؟ يعترف: "نعم أنا مقل، لأني ليس لدي شغف كبير بالنشر أو التواجد، لا أحلم مثلا بكتابة عمل يسبب نجاحا ساحقا غير طبيعي، أنا أكتب ببطء، نشرت مؤخرا قصة اسمها "الحب والفولاذ" عن مصري يحب فلسطينية يقابلها داخل أحد الأنفاق، ظلت هذه القصة في رأسي عامين، أنا لا أعتبر الكتابة حرفة أو وسيلة للتواجد، وإنما هي في وجهة نظري هدف لتوصيل رسالة ما أو قول شيء ما، صدقيني أعمال جيدة قليلة أفضل من أعمال متوسطة كثيرة"، يتوقف الخميسي قليلا أمام علامة التعجب التي أبديتها قبل أن يقول: "كل ميسر لما خلق له، هناك من يعتبر الكتابة طريقة للتواجد الاجتماعي وتحقيق الذات والسعادة، في حين أنه لو فيه شيء حقيقي سيبقي، العمل الجيد مثل الطفل الصغير السليم سينمو إذا وضعته في الظلمة أو وضعته في النور، أما لو كان ضعيفا فسيموت مهما ارتدي، يوسف السباعي كان ملء السمع والبصر في الوقت الذي لم يكن فيه نجيب محفوظ معروفا رغم أنه كان قد أصدر عدة روايات وصلت إلي "الثلاثية".. الدنيا تفرز. أسأله: إذا كنت تتعامل مع الكتابة القصصية علي أنها رسالة، فلماذا لا تكتب ما تريد أن تقوله في مقالاتك؟،ويجيب: في المقالات لا تستطيعين أن ترسمي شخصية ما وتحاولين عكس عالمها النفسي، كما في قصة انتظار أو قصة إيمي، قدرات القصة القصيرة أوسع من قدرات المقال، والموضوع في النهاية هو الذي يحدد، كما أن علاء الديب الذي اعتبره من أفضل النقاد وأكثرهم نزاهة في مصر أشار إلي التضافر الذي يحدث لدي بين شكل المقال وشكل القصة كما في قصة "بط أبيض" صغير. عنوان خادع للمجموعة القصصية عنوان خادع، فما يمكن أن يفعله عنوان مثل "كناري" سوي أن يجهزك لدخول عالم من القصص القصيرة، تسوده الرقة والأحلام والتأملات والكلام عن الحب، لكنك بمجرد أن تجتاز العنوان والإهداء ومقدمة القاص محمد المخزنجي والقصة الأولي، ستواجهك قصص تتحدث عن الواقع بمهمشيه وضحاياه وفقرائه ومذابحه واحتلاله، وتتساءل لماذا يسمّي الكاتب هذه المجموعة بهذا الاسم الرقيق، ويجيبك هو: لأني مثلي مثل الغالبية العظمي أريد أن اتعلق بأمل، اتمني أن يكون هناك شيء جميل ومفرح، ولا يوجد في المجموعة أي قصة تجعلني اتمسك بالأمل سوي قصة "كناري" لأن الانسان فيها أثبت أنه إذا أحب سيحقق مختلف أشكال المعجزات". الإحساس بالذنب في المجموعة قصة بعنوان "بط أبيض صغير" يتخيل فيها البطل أطفال فلسطين الشهداء، يخرجون من شاشة التليفزيون، ويتحولون لبط أبيض صغير يحيطه ويسير وراءه في كل أجزاء شقته، القصة توحي بإحساس البطل بالذنب ناحية هؤلاء الأطفال.. أسأل الخميسي: هل تشعر بالذنب؟، فيسارع بالقول: طبعا أشعر بالذنب..كتبت هذه القصة أيام مذابح جنين، وقتها شعرت أنه يجب علي أن أفعل شيئا وأقدم دعما، ولكنني عاجز، كنت من كثرة مشاهد الأطفال المقتولين أغلق التليفزيون.. أنا أتعامل بمنطق أن كل إهانة تقع علي شخص هي إهانة لي، وكل ظلم وألم يحدث لشخص، هو بالضرورة يحدث لي"، وإذا كان الخميسي يؤمّن علي انسحاب القضية الفلسطينية من مساحة الضوء، فإنه يؤمن أنها لم تنسحب من مساحة شعور الشعب المصري بها. ترشيح البرادعي للخميسي مقالات ثابتة في عدة صحف منها جريدة "أخبار الأدب"، وكثيرا ما كتب عن البرادعي وحركته الداعية إلي التغيير، أسأله: هل يمكن أن تتحول حركة البرادعي إلي حركة شعبية، فيرد دون تردد: مش ممكن توصل حركته للشارع ، لأنها ليس لديها آلية أو أدوات الوصول للشارع، ماذا يفعل البرادعي: ندوات ومؤتمرات في نقابة الصحفيين وغيرها، وأحاديث علي الانترنت.. ما شأن الشخص الذي يمشي في الشارع إذا بكل ذلك؟ وعندما سألته: معني ذلك أنك لن تنتخبه؟ سارع قائلا: "مستحيل أن أنتخبه.. لن أنتخبه حتي ولو لم يكن هناك غيره، لأنه مبعوث أمريكي لمصر، الذي رشحه لمنصبه الدولي أمريكا وليست مصر، لقد قضي معظم عمره خارج مصر، نعم المكوث بالخارج ليس بتهمة، لكننا علينا أن نتساءل أيضا وماذا فعل هو لمصر بينما كان يعيش بالخارج؟، عمره ما عمل مؤتمر لمصر أو جمع تبرعات، ولا توجد أي علامات تدلل علي انشغاله ببلده وهو بالخارج، حتي برنامجه الذي أتي به هو برنامج أمريكي يتحدث عن الحريات ونزاهة الانتخابات، هو ليس لديه برنامج اجتماعي علي الإطلاق، والفلاحين لو قلت لهم نزاهة انتخابات سيضحكون.. وسنشهد قريبا تفتت الكتلة النخبوية التي حوله، دعينا نتأمل.. سنجد أنه يرفض أن يناضل من أجل تحسين شروط الانتخابات.. هو لا يناضل من أجل ما يريده.. بل يريد أن يأتي علي الجاهز إلي الرئاسة بعدما توضع قوانين انتخابية نزيهة وشفافة.. أما الحماس له فما هو إلا مؤشر علي هزال حركة المعارضة المصرية التي تتحرك علنا وتصدر صحفا منذ 30 عاما ولا تستطيع أن توجد مرشحاً. أعمال عبد الرحمن الخميسي نعود إلي الإبداع مرة أخري، وأسال الخميسي عن السبب الذي يمنع عائلته من جمع وإصدار الأعمال الكاملة لوالدهم الشاعر والمخرج والكاتب عبد الرحمن الخميسي، وهي الدعوة التي تتردد من وقت لآخر في الندوات الثقافية، فيكون رده: لأنه لا أحد يريد أن ينشرها، أعمال الخميسي تشكل ملمحا ثقافيا سواء علي مستوي القصة أو المقال أو الشعر، بغض النظر عن مستواها المتباين، فهناك قصص حماسية ضد الاحتلال البريطاني، لكنها في النهاية ملمح ثقافي ترك أثره في ناس كثيرة، صنع الله إبراهيم نفسه قال إنه تأثر جدا بقصص الخميسي.. لست متفائلا الحقيقة أن هناك من سيتقدم وينشر أعماله، سلامة موسي نفسه فظللت أطالب بنشر أعماله في المقالات واتصل بابنه ويتصل بي قبل رحيله، ولا حياة لمن تنادي.. إنهم لا ينشرون سوي الأعمال الكاملة للكاتب خالد خليفة خلف خلاف خلف الله وغيره.. أسأله: ولماذا لا تأخذ الأعمال بيدك وتطلب نشرها بنفسك بدلا من مطالبات المقالات والبرامج والكلام الشفوي... يضحك ويقول: والله فكرة.. أقسم برحمة أمي وأبويا إني ها أتقدم لنشرها في هيئة الكتاب، في غضون إسبوعين، وإذا رفضوا وقتها نقول إنهم رفضوا..!