"بولاق الدكرور في 4 أغسطس 2000 الساعة 11 صباح الجمعة"، في هذا المكان والزمان تحديدا، سطر الروائي خيري عبد الجواد آخر سطر، في روايته الأخيرة "سلك شائك" قبل أن يرحل عن عالمنا بداية يناير 2008 إثر أزمة قلبية مفاجئة، وعن عمر يناهز السابعة والأربعين، وهي الرواية التي أصدرتها "الدار المصرية اللبنانية" مؤخرا. يسوق لنا عبد الجواد في الرواية أفكاره وحكاياته، مستخدما طريقة الثنائيات الضدية، وهي الطريقة التي سار عليها طيلة أعماله الأدبية ومنها: "حكايات الديب رماح"، و"كتاب التوهمات"، و"حرب أطاليا"، و"العاشق والمعشوق"، و"كيد النساء"، و"يومية هروب"، و"قرن غزال" و"يومية هروب". في "سلك شائك" يقول البطل: ربما الاختلاف هو ما يجذبني إليك، إنه قانون الجاذبية يا حبيبتي، فأرستقراطيتك في مقابل شعبيتي، جاذبيتك الأنثوية في مقابل رجولتي، ذكاؤك وسرعة بديهتك في مقابل أحلامي الطفولية، واقعيتك في مقابل خيالي الخصب، كفرك بكل شيء، يقابله إيماني الراسخ بكل شيء". وفي الرواية يحكي عبد الجواد عن بطل يعاني الإحباط وبطلة غريبة النشأة والثقافة عنه، ولأنه مسكون بالتراث الشعبي يضع عبدالجواد حكايات شعبية تراثية علي لسان بطله ليحكيها لحبيبته قبل النوم، مأخوذة من الأساطير الشعبية ، وكما تعود أيضا من إحداث تداخل بين الخاص والعام، قام عبد الجواد بتضفير إحباط بطل روايته بحالة الإحباط العام التي أعقبت اغتيال السادات في حادث المنصة . ولم ينس عبد الجواد أن يعود في روايته إلي مجموعة من المراجع، منها: أشعار نزار قباني، وكتاب "خريف الغضب" لمحمد حسنين هيكل. عبد الجواد الذي سكن الموت أعماله الأدبية، قال يوما في ورقة أرسلها لمختبر السرديات بالمغرب عام 2005 بعدما تعذر سفره لمرضه: بدأت الكتابة في فترة مبكرة جداً من حياتي، كان ذلك في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وكان عندي وقتها عشر سنوات، فقد ولدت في 24 يوليو 1960 وكانت أول قصة كتبتها آنذاك هي قصة بوليسية تشبه تماماً القصص البوليسية والألغاز التي أدمنت قراءتها في تلك الفترة - وما زلت حتي الآن - لكن البداية الحقيقية جاءت مع نشر أول قصة قصيرة لي في مجلة »الجديد« والتي كان يشرف عليها الناقد والمسرحي رشاد رشدي، في 1980، ولدت في أحد الأحياء الشعبية الموجودة في قلب العاصمة القاهرة، وهو حي بولاق الدكرور، وقد أطلق عليه البعض اسم " الصين الشعبية" نظراً لازدحامه الشديد، في هذا الحي عشت كل عمري وتشبعت بهذا الخليط من البشر بما يحمله من ثقافات شعبية مختلفة بعضها ينتمي إلي الجنوب، والآخر ينتمي إلي الشمال ودلتا النيل، وبينهما ثقافة العاصمة، لقد رضعت من تلك الثقافة -العشوائية- وعبرت عنها في كل كتاباتي. كانت ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية، وحكايات الجان، وكتب السحر، وأهازيج الأطفال، وكتب الأخبار والرحالة العرب، والأساطير، سواء كانت شفهية أم كتابية، وتراث المحكي العربي علي اتساعه وامتداده، هي مجال تجوالي فيما بعد بحثاً عن أشكال عربية للقصة والرواية". وعقب رحيله كانت "دار العين" قد أقامت ندوة لمناقشة روايته "كيد النساء" الصادرة عنها، طالب فيها الحضور بإصدار أعماله الكاملة، وربما يكون في إصدار هذه الرواية الأخيرة، فرصة أخري لأن يتقدم أحد لنشر أعمال خيري عبدالجواد.