من أغرب ما شهده "ملتقي القاهرة الدولي الخامس للرواية العربية"، الذي اختتم فعالياته مساء أمس، عقد مائدة مستديرة جاءت بعنوان "التجمعات الروائية" صباح ثالث أيام الملتقي، ووجه الغرابة منبعه أن مسمي المائدة يأتي ضد الواقع تماما، وهو الواقع الذي تكاد تخلو فيه "الجماعات الأدبية" من عضوية الروائيين الشباب مع سيطرة كتّاب القصة والشعر عليها، وكأن من اقترح اسم هذه المائدة لا صلة له بما يحدث في "الجماعات الأدبية"، كما أن الحديث عن "تجمعات للرواية" يقع ضد الأدبيات النقدية التي تؤمن بفردية الإبداع. ومن هنا كان من الطبيعي أن يقوم ممثلو الجماعات الأدبية الذين حضروا المائدة، وهم بالمناسبة شعراء، وغيرهم من المتحدثين، ب"نسف" فكرة "المائدة" من الأساس والبحث عن موضوعات يمكن التناقش حولها، الشاعر أيمن مسعود عضو جماعة "آدم" قال: لا يوجد تجمعات روائية الآن فكاتب الرواية هو عالم في حد ذاته، حتي التجارب الروائية الحالية لا توجد وحدة تجمعها كما أن الجماعات الأدبية التي ظهرت منذ بداية الألفية، شاملة ولم تحدد لنفسها نوعا أدبيا تتخصص فيه، وقد حكمها منطق الصدفة في التشكيل، لدينا واحد فقط هو من يكتب الرواية ، وهي جماعات تحركت ليس بوعي أدبي محض ولكن إدراكا لخلل موجود في الساحة الأدبية، متمثل في إقصاء الشباب عن تلك الحركة الأدبية. وأكد الكاتب أحمد العبادي عضو جماعة "إطلالة" أن الكتابة بشكل عام لا تتم في تجمعات، وقال: عندنا في إطلالة وتقديس للقصة القصيرة، وعدد الشعراء لدينا أقل بكثير، أما الكاتبة السكندرية انتصار عبد المنعم فقالت: المنتديات الأدبية تهتم بالكم لا بالكيف، وقد وضعوا أنفسهم في سياج وسجن لا يخرجون خارجه، وأعيب عليهم أنهم يتعاملون كأنهم كيان سياسي أو حزبي، أما الناقد أحمد حسن فقد تحدث عن جماعة "مغامير" ليس كعضو بها ولكن باعتباره قد كتب مقالا عنها، وقال: من خلال قراءتي في الكتاب الذي أصدرونه، اكتشفت أنه لم تخرج نصوصه سوي عن مجموعة من قصائد عامية وفصحي والقصة القصير، ولم يكتبوا سوي رواية واحدة هي "قرن الغزال" لعادل محمد، والأمر نفسه أكده الكاتب سمير الفيل متحدثا عن جماعتين أدبيتين يرجع تاريخهما لفترة الستينيات بدمياط، وقال: هذه الجماعات تبحث عمل مشروع فكري وإبداعي مختلف وخارج إطار السلطة، بينما انتقد الكاتب طه عبد المنعم طريقة تنظيم المائدة قائلا: ممثلي الجماعات الأدبية الذين أتوا هم شعراء، ولم يجيبوا عن نقاط النقاش الموجودة في الورق الموزع عليهم، ولا يوجد عندنا تجمعات روائية من الأساس. وقال الروائي شريف حتاتة: أنا محتار لوجودي في هذه الجلسة، قيل لي المفروض تحضرها، والحقيقة أنني لا استطيع الحديث عن الجماعات الأدبية، لأنني لست مصنفا ضمن أي جيل أدبي، ولأنني لست عضوا في أي جماعة أدبية علي الإطلاق. وأضاف: إنني اتعامل مع دار "ميريت" علي أنها جماعة أدبية غير معلنة، وشعرت أن الروائيين الشباب الذين ينشرون فيها ويجلسون بها، يحتاجون لنوع من التضامن فيما بينهم، وتابع: الكتابة الجديدة ظاهرة لم تتبلور بع وكل ما أخشاه هو رفض تلك الكتابة للمقولات والسرديات الكبري وهو ما تعتبره ذلك تمردا، فالسرديات الكبري تمنحنا نظرة شاملة للحياة، كما أن هذه الكتابات تدعي أنها ليس لها علاقة بالسياسة او الأيديولوجيا، وهذا وهم. وفي السياق نفسه قال الناقد الأردني الدكتور فيصل دراج: الإبداع عمل فردي والإبداع الكبير عمل شديد الفردية، ولا يوجد كتابة مشتركة، نعم هناك تجمعات ثقافية ولكن الكتابة الجماعية لا معني لها، واتفق مع الروائية سحر الموجي في التأكيد علي حدوث استقواء من الكتّاب الشباب علي الكتابة"، وقال: في دمشق ومصر أحاديث كثيرة عن كتابة جديدة، ولكني لا أشعر أنني أمام شيء جديد فعليا، وقد حوّلت الجوائز وكثرة دور النشر والإصدارات، الرواية لسعلة مشتهاة، وإدعاء التمرد من قبل الكتّاب هو تبرير لفقر ذاتي وثقافي مروّع ومجرد تمرد زائف، نادرا ما قرأت عمل جيد صادر عن "ميريت" التي اعتبرها هيئة يسارية". وقال دراج: أتمني من المجلس الأعلي للثقافة إصدار كتاب السنوي للرواية العربية بديلا عن التسيب السوقي والسلعي السائد في الصحافة، ليكون مرجعا في الحديث عن الرواية. ومن جانبها أطلقت الروائية سحر الموجي مصطلح "جيل الطواريء" علي جيل الكتاب الشباب الذين ولدوا أواخر سبيعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وأوضحت: جيل الشباب الذين يسعون إلي النشر عبر المدونات هو جيل نشأ وسط مجتمع أصبح محافظا بشكل مقلق، كما وصفت المدونات و الجماعات الأدبية بأنها "حضانات نفسية"، وقالت: نحن الآن في مجتمع رافض للفردية، ولهذا يصبح التكتل هو الحل لإنقاذ هوية الفرد، لكن في نفس الوقت لا يستطيع الكاتب أن يبرز أو تتحقق شخصيته الأدبية عبر أي من الجماعات الأدبية، لأن الإبداع يعني الفردية، والنشر السريع السهل أمر خطر جدا، لأن الكاتب يقع عليه عبء إثبات نفسه وتميزه وسط هذا القدر الهائل من الإبداع، كما أن هذه الكثرة في الكتابة خلقت نوعا من الأستقواء من جانب الكتاب الشباب علي الكتابة في ظل غياب للنقد، وفي ظل الخلط المقلق بين ما يكتب في الصحافة والنقد.