يوم الجمعة الماضي وبالتحديد في الساعة الثامنة مساء بتوقيت بكين، كانت شاشات القنوات الأجنبية التي تعرض علي الهواء مباشرة وقائع احتفالية تسليم جائزة نوبل للسلام إلي جميع دول العالم، سوداء.. كانت الشاشات سوداء في بكين فقط حيث يحظر علي شعبها مشاهدة هذا الحفل الذي غاب نجمه الحائز علي الجائزة وهو (ليو تشيابو) الذي يقبع وراء القضبان مسجونا هناك.. الكرسيان الفارغان يظهران في الشاشات عدة مرات لإثبات غياب الضيف الأكبر وزوجته. كنت أشاهد وقائع الحفل علي إحدي القنوات الفضائية وإذا بابنتي تمسك بالريموت وتسألني أن تحول القناة لتري إذا كان برنامجها المفضل قد بدأ، فنحول إلي قناة ثانية وثالثة لنجد وقائع الحفل علي الهواء مباشرة في عدة قنوات.. ولا أدري أن آخرين في بلاد الشرق البعيد لا تتسني لهم رؤية هذا الحفل وقد منعته السلطات وجعلت من الشاشات سوداء طوال فترة بثه.. ولما قرأت الأخبار، وعلمت أن الحفل قد حجب عن هؤلاء بعد منع صاحب الجائزة من الذهاب لتسلمها، وتحديد إقامة زوجته في منزلها حتي لا تذهب هي أيضا، تعجبت كثيرا.. أولا: لأننا في أحاديثنا اليومية ومع كل ما يحيط بنا من منتجات صينية حتي ما يخص ثقافتنا وخصوصياتنا، يسرع أحدنا بالتمني قائلا: ألا نستطيع أن نكون مثل الصين؟ وقد يوافقه البعض بسبب التقدم الاقتصادي المذهل الذي حققه هذا البلد.. ويتناسي هذا وذاك أن بالصين في القرن الواحد والعشرين شاشات سوداء، وقنوات داخلية تمنع إذاعة وقائع الحفل، ومنعاً للقنوات الفضائية من إذاعته.. لقد رأت السلطات أن هذا الرجل لا يستحق تلك الجائزة لأنه مناهض للنظام في الصين.. وهذه ليست المشكلة.. المشكلة أنهم لم يتفهموا أن آخرين في أوسلو يرون أن الرجل يدافع عن حقوق الإنسان وحرياته وله الحق في الجائزة.. المشكلة أنهم رأوا أن أوسلو تتآمر عليهم حين تقرر منح تشيابو تلك الجائزة فاسودت الشاشات. ثانيا: تعجبت لأن ثورة الاتصالات التي لا ننفك نتحدث عنها ليل نهار سوف تجعل الحفل ووقائعه وما قيل فيه من كلمات وكل تفاصيله متاحة للصينيين عبر مواقع شتي لن تتحكم فيها السلطات، ولن تنجح في إغلاقها جميعا.. فلم هذا المنع غير المبرر، ولم الشاشات السوداء؟ ثالثا: لا نزعم أننا من أوائل الدول في حماية حقوق الإنسان وحرياته ولكننا طالما دقت علي رءوسنا قنوات، وبثت عنا أكاذيب وشتائم وتلفيقات، ولم تقم السلطات بتسويد تلك الشاشات.. لسنا من أصحاب الاقتصاد المذهل ولا نصدر الكثير ولا نقوم بغزو أسواق العالم البعيد ولا حتي القريب ولا نعمل بجد ولا ننتج بوفرة ولا نستغل الأيدي العاملة لصنع التقدم، وهي مشاكل لا نستطيع إنكارها.. ولكننا نشاهد كل الشاشات ونفتح مواقع الانترنت جميعها ونقول ما نحب أن نقوله ونتظاهر ونتصارع وننتخب وننسحب.. ونتغير وقد نغير.. وشاشاتنا منيرة واختلافاتنا معلنة.. الحمد لله: لو لم أكن مصريا، ما وددت أن أكون صينيا.