دعا جون رالستون سول رئيس نادي القلم الدولي الأدباء خلال مؤتمر «الكاتب الافريقي وتحديات العصر» إلي التصرف علي أن التاريخ إلي جانبهم، قائلا: يجب أن نكون جادين، وأن يعرف العالم حجمنا واهتماماتنا ككتاب، لسنا أقل أهمية من منظمة التجارة العالمية، ولا حلف الأطلسي، فحين يموت هؤلاء، لن يذكرهم سوي الأدب، يجب أن نتصرف علي أن التاريخ إلي جانبنا، ولو كانت الأحداث اليومية بعيدة عنا، فما تقوم به الثقافة مهم جدا، والتاريخ يقول إن الأدب أهم من الجيوش، مهمتنا كبيرة أن نعمل بحيث يدرك من في السلطة ما نمثله، لدينا القدرة علي أن نجعل الضمير العالمي يدرك أهمية الأدب، وهو عنصر أساسي في أي حضارة، لا نريد مجرد خطب، ولكن علينا التفكير فيما يجب أن نقوم به لتعزيز أنشطة مراكز القلم لتحسين موقفنا. المؤتمر الذي أقامه المجلس الأعلي للثقافة واستمر لثلاثة أيام وشهد مشاركة 47 أديبا وروائيا من مختلف بلدان إفريقيا، فعالياته ببيان من أعضاء نادي القلم الدولي المشاركين، اتفقوا فيه علي ضرورة وضع برنامج عمل لعامين قادمين، واستكشاف جميع المنح الممكنة لتمويل المراكز الثقافية الإفريقية، ومناشدة الدعم لإحياء المراكز الخاملة، ومساعدة الكتاب الراغبين في تأسيس مراكز للقلم في كل من ليبيا والسودان، كذلك دعم برامج التبادل الممكنة من قبل المراكز الثقافية القائمة، وتقديم المساعدة اللازمة، وتنظيم المؤتمرات الفردية أو الجماعية، وعمل موقع علي الإنترنت لدعم التعاون الثقافي، عبر المراكز الأعضاء من خلال تبادل المقالات والكتب، وتشجيع التوأمة بين المراكز الإفريقية، والمراكز في الدول المتقدمة، أو تلك الناجحة في بلدن مثل أمريكا اللاتينية وآسيا. سول طرح رؤية مختلفة تماما خلال كلمته، إذ أرجع الفضل إلي الثقافة الشفاهية وأكد أهميتها قائلا: حرية التعبير لا ترتبط بالسياسة بل الحضارة والفكر، واللغة المزيفة تمنع التعبير عن الرأي، وسيطرة النظريات الاقتصادية والمالية هي التي أدت إلي ظهور النظام المتوحش البربري في هذه الحياة، ولكن الانتقال الشفهي للمعلومات هو الذي سيجعلنا نهرب من لغة الكتب المزيفة، وعلينا أن نتذكر أن الثورات تأتي من المعلومات الشفهية لا المكتوبة، ويجب أن نفكر في هذا، نستطيع أن نؤكد انه يمكننا إيجاد توازن بين المكتوب والشفهي. ومن بين المحاور التي ناقشها المؤتمر ما أثارته خديجة جورج - شاعرة من سيراليون- تحدثت فيه عن الأطر التي يتم وضع الكتاب، والتعليمات التي يتلقاها الفنانون والكتاب الأفارقة، سواء كانوا داخل القارة أو خارجها، فلا يتوقع منهم الكتابة عن موضوعات بعينها، مؤكدة أن الظرف الإفريقي يملي موضوعات لكتابة علنا وضمنا. بدأ المؤتمر فعالياته بمحاضرة افتتاحية للروائي عز الدين شكري قائلاً: تربينا ككتاب علي ضرورة التصدي بكتاباتنا للهيمنة، في مجتمعات تزخر بمشاريع الهيمنة، وترزح تحت وطأة التراث الاستعماري، و حركات الاستقلال، نصبنا أنفسنا صوتا للمهمشين، ولكننا دون أن ندري وقعنا في غرام مواقفنا ضد الهيمنة، و أحببنا صورتنا وأدمنا تقدير الجمهور لنا، وفي الوقت نفسه كان لدينا شعور عام بأننا ضحايا، حتي أصبح خطابنا المعادي للهيمنة هو الشكل الجديد للهيمنة التي قيدت العقول، رغم أنه ليس من الإبداع في شيء أن ينساق الكاتب نحو جمهوره، نسينا ككتاب ومثقفين أننا نواجه حرب المواقع التي فرضها علينا موقعنا في بلادنا. وأكمل: يجب أن نقود مجتمعاتنا عبر الكتابة إلي ثقافة بديلة، و واقع مختلف، وأن نطرح أفكارًا إيجابية لتجاوز الأزمة، و نقطة البداية أن نحول، اهتمامنا من مجرد نقد مشروعات الهيمنة لبناء ثقافات بديلة غير غاضبة، موجهة لمجتمعاتنا بالأساس، ويجب أن تشمل مشروعات الثقافة البديلة ثلاثة عناصر رئيسة، أولا أن تعترف بالمعاناة التاريخية لشعوبنا، ثانيا ألا نقلل منها، بل نحاول تضميدها و الخروج منها، و أن نعي بناء هوياتنا المبعثرة المشتتة، وطرح هذه الرؤية مشروعا لحماية الاستقلال الوطني، كي نكون جزءًا من العالم لا أن ننفصل عنه، وهو أمر يحتاج إلي تخطيط، ومثابرة، ورؤية محايدة، وكلها أمور لا طاقة للجريح الغاضب بها، فالغاضب يريد قصفا فوريا للأعداء ولا ينجح في تدمير الخصم. ناقشت جلسات المؤتمر عدداً من الموضوعات الإشكالية، من بينها موضوع العامية في الفصحي الذي تحدث عنه الروائي الدكتور شريف حتاتة، وقال: اللغة العامية تنقل لنا لغة الشباب و الأسواق، والمناطق الشعبية، والقري، بل و المومسات، والعشوائيات والأجيال الجديدة، وهؤلاء هم مصدر الإبداع، فكيف عسانا نتذوق الأدب المكتوب عنهم، حين نكتبه بالعربية الفصحي؟، إننا بهذا الشكل نريد إسكات أصواتهم، ولغتهم، كأنهم كائنات لا دور لها، ولا وجود، اللغة يصنعها الشعب، تتنوع وتتبدل أساليبها وأشكالها، و هذا هو دليل متانة اللغة، وقدرتها علي الاستقرار، علينا أن نفسح المجال كي يتحدث الشعب بلغته ويكتب الشباب بلغتهم ويبحثون عن أسلوبهم الفني الخاص بهم، فالإبداع الحقيقي هو القادر علي مغالبة الزمن، نستمتع به ونتعلم منه. أما الدكتور عمر صابر أستاذ اللغات السامية، الذي تحدث عن موضوع اللغة الحبشية بين الهوية الإفريقية والأصول السامية، فتحدث عن التواصل المصري الإثيوبي الذي يمتد تاريخه إلي القرن الرابع الميلادي، وقال: العلاقة المصرية الحبشية قديمة جدا، وقد توطدت العلاقة بشكل واضح وصريح حين دخلت المسيحية إلي الحبشة علي يد أحد التجار السكندريين، وقد كان المطران الحبشي يعين بواسطة بطريرك الإسكندرية منذ القرن الرابع الميلادي، و حتي 1950، كما أن الأدب الحبشي الإثيوبي، هو أدب ديني بالأساس، يعتمد بصورة كبيرة علي الأدب القبطي، منذ دخلت المسيحية الحبشة عبر مصر، لذا أري أن ما وصلنا إليه أمر مخجل، فالعلاقة التاريخية بيننا جديرة بأن تمحو كل ذلك. الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة قالت: القارة الإفريقية زاخرة بالمبدعين، لكن لا أحد يعرف عنهم شيئًا، لأنهم محصورون في قوالب خاصة بهم، لم يأخذ أحد منهم حقه من الانتشار. الدكتور حسين حمودة طرح إشكالية التعددية اللغوية عموما، وقال: الولاياتالمتحدة بها تعدد ثقافات حتي إن الهوية تكاد تغيب فيها، والقوة التي تفرض هيمنتها الآن تعترف بالحرية الفردية أكثر من اعترافها بالحرية الجماعية، فضلا عن تصدير الغرب لنموذج بعينه لم تعد معه شيء كما كان عليه، فتحولت الموسيقي من فن سمعي إلي عنصر بصري به عناصر جذب، كذلك المباني والمنشآت في أنحاء أفريقيا، جعلها هذا النموذج الواحد المصدر لنا متنافرة، تمزج مزجا غريبا بين جماليات تنتمي لمناطق بعينها.بعيدة عن الواقع الإفريقي، ومع ذلك هي لم تؤثر علي الأدب الإفريقي، ولن تفعل في رأيي، فالأدب قادر علي إيجاد مصادر أفضل للإبدع العربي الأفريقي، رغم أنف الثقافة المهيمنة، فالإبداع قادر علي الإفلات من كل أشكال الحصار. وقد حسم الدكتور عماد أبو غازي رئيس المجلس الأعلي للثقافة الجدل الذي دار خلال المؤتمر، حول موقع وموعد الاجتماع التالي لأعضاء نادي القلم الدولي، قائلا: سوف يستضيف المجلس الأعلي للثقافة اللقاء كل عامين، ما لم تفعل دولة إفريقية أخري، وسوف يتم خلال اللقاء دعوة ممثلي نوادي الأقلام لاجتماع تشاوري علي هامش الملتقي.