«رأيت في أوروبا مسلمين بدون إسلام ووجدت في وطني إسلاما بدون مسلمين» قائل العبارة هو الإمام محمد عبده، واليوم أكررها بعده وأزيد عليه: وفي اليابان أيضًا. جلس السفير المصري في العاصمة اليابانية طوكيو الدكتور وليد عبدالناصر إلي جواري وقدمني إلي الحضور وكلهم من السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي في اليابان ونبه إلي الموضوع الذي سأتحدث فيه ويتعلق بالوضع العربي، تحدثت نصف ساعة ثم دار نقاش مع الحضور استمر نحو ساعتين سعي بعضهم فيه إلي بث روح التفاؤل داخلي بعدما لاحظوا من كلامي أنني لست متفائلاً بمستقل العالم العربي. عمومًا انتهت الندوة التي دعيت لها في مناسبة وجودي في طوكيو دون أن يتغير في داخلي شيء ودون أن أتسبب في احراج لهؤلاء الذين تفرض عليهم طبيعة وظائفهم الدبلوماسية تفادي الخوض في أمور قد تفسر علي أنها خروج عن الأعراف الدبلوماسية. ونبهت مرارًا أثناء حديثي إلي أنني أتحدث من دون قيود لأنني لست دبلوماسيا بطبعي كما أني، وهذا هو الأهم، لست موظفًا في أي حكومة عربية. قبلها وبعدها كنت شاركت في فاعليات مصرية في العاصمة اليابانية، وأدركت أن البعض في أرجاء المعمورة يدركون قيمتنا كمصريين في حين أننا لا نعرف قدر أنفسنا والأدلة علي ذلك كثيرة خصوصا ما شاهدته ولاحظته وعايشته في اليابان وما جري بعد عودتي إلي مصر، عموما ليست تلك المرة الأولي وكل المؤشرات تؤكد أنها لن تكون الأخيرة التي أصل فيها إلي هذه النتيجة طالما رضينا بالهم ورضي الهم بنا ولم نعمل نحن علي تغييره ولم يعمل هو علي استبدالنا أيضا، بكل بساطة نحن بالنسبة للهم «لقطة» ويصعب تعويضنا. لكن أهم ما خرجت به من رحلة اليابان التي استمرت نحو أسبوعين أن المصريين ينجحون في التعامل مع البيئة المحيطة بهم حتي لو كانت تفرض عليهم قيودًا أو نظامًا لم يتعوده، ونشاط وأداء السفير عبدالناصر وباقي أعضاء البعثة المصرية في طوكيو دليل علي ذلك. أما لماذا تختلف بيئتنا عن البيئة في دول أخري متقدمة فالسبب وردي علي السؤال: لأن تلك الدول متقدمة!!. شخصيا كنت استنكر دائمًا سلوك بعض المصريين الذين يعودون من الخارج ويتأففون من سلبيات المجتمع المصري أو سلوك أبنائه أو يسخرون مما نحن فيه أو يلجأون دائمًا إلي المقارنة بين ما لدينا وما وجدوه في الخارج، وبنيت موقفي علي أساس أن هذه هي بلدنا وتلك بلادهم وأن لا كرامة لمصري إلا في بلده لأنه لا يكون مواطنًا إلا فيها ومهما ارتفع قدره وكذلك أملاكه أو ارتقي بوظيفة أو موقع في دولة أخري فإنه يظل ضيفًا عليها وليس من أبنائها. لكنني أقر واعترف بأن رحلة اليابان وبعدها ما جري في انتخابات مجلس الشعب غيرا بعض مفاهيمي وقناعاتي، فصعب جدًا أن تعيش أيامًا في بلد يعيش أهله وكأنهم في المدينة الفاضلة، فتشعر أنها «أيام في الحلال» لأن أحدًا لم يكذب عليك أو يسرقك أو يستغلك أو يعتدي علي حقوقك حتي كزائر أو ضيف، وتري بعينيك كيف يحترم المواطن وتكفل له الحكومة كل حقوقه دون أن تعايره بكوبري تم تشييده أو نفق جري حفره، أو مستشفي انتهي بناؤه، كل هذا وأكثر، ثم يقذف بك القدر إلي أتون انتخابات، وصلت إلي بلدي قبل يوم من إجرائها، متمنيا أن ترتقي إلي مستوي يقترب قليلاً من الانتخابات، في الدول المتقدمة، فخرجت كما شاهدها الكل وبقيت آثارها علي هيئة «كليبات» علي مواقع الانترنت. وكذلك داخل عقول الذين كانوا يحاولون اقناع أنفسهم بضرورة المشاركة، فجاءت لتخيفهم وترعبهم وتحذرهم وتنبههم إلي أن المشاركة قد تكون سببًا في ضياع حياتهم!!. لأنهم بكل بساطة لن يهزموا البلطجة ولا يقوون علي مواجهة البلطجية، وأخيرًا لأنهم قصدوا انتخابات ولم يجهزوا أنفسهم ليلقوا بأيديهم في التهلكة. لا مجال لمقارنات موجعة، لكن يبقي السؤال: لماذا تقدموا وتأخرنا نحن؟ كنت طرحت السؤال علي المستشار الثقافي المصري في طوكيو الدكتور مصيلحي رجب وهو واحد من العقول المصرية النابغة المخلصة للوطن، وقد التقيته مرارًا علي مدي الأسبوعين، ولاحظت معه أن طوال هذه الفترة لم يضطر أي منا أن «يهش» ذبابة لأن اليابان ليس فيها أي ذباب. فأكتفي بالاجابة: انظر حولك تعرف الأسباب.. نظرت وعرفت.