بالرغم من غيابه سنوات طويلة عن المسرح إلا أن المخرج المسرحي جلال توفيق استطاع أن يعود وبقوة هذا العام بعرض "النجاة" الذي يعرض يوميا بقاعة "يوسف إدريس" مسرح الشباب ، والعرض إنتاج مسرح الطليعة وهو مسرحية كتبها الأديب العالمي نجيب محفوظ خصيصاً للمسرح ، وقد اختار توفيق نجله الفنان ياسر جلال للعب بطولة العرض الذي أدي الدور ببساطة ورشاقة غير معهودة كذلك شاركته البطولة الممثلة الشابة رباب طارق التي استطاعت أيضا أن تؤدي دورها دون تصنع بل كانت تلقائية وبسيطة للغاية. تعتبر هذه المسرحية هي عودة أيضا للفنان ياسر جلال الذي كان متغيبا عن المسرح خوفا من عزوف الجمهور عنه لذلك اختار أولا أن يحقق قدرا من النجومية حتي يأتي إليه الجمهور ويبدو أن وجهة نظره كانت سليمة فمنذ اليوم الأول للعرض والجماهير تتوافد بشكل غير متوقع لدرجة دفعت صناع العمل لإقامة عرضين يوميا في الثامنة والنصف والتاسعة والنصف مساء حتي تستوعب القاعة الأعداد التي تأتي إليها، وعن العودة للمسرح وكواليس عرض «النجاة» تحدث المخرج جلال توفيق ونجله ياسر جلال في حوارهما معنا في السطور التالية: هل جاء قرارك للعمل بالمسرح مساندة لوالدك فقط؟ - المسرح خلال الفترة الماضية كان يمر بأزمات عديدة من ضمنها فكرة إحجام الجمهور عنه، فكان همي الأول والأخير قبل التمثيل بالمسرح أن أحقق ولو مساحة نجومية صغيرة لدي المشاهد لأنني في النهاية مطالب بأن يخرج المشاهد من منزله ويركب المواصلات كي يأتي المسرح من أجلي، إلي جانب أنني أعشق والدي المخرج جلال توفيق وهو منذ سنوات كان يفكر أن يقدم مسرحية وكانت في ذهنه مسرحية "النجاة" وشجعته علي خوض هذه التجربة كما أن هذه المسرحية كتبها نجيب محفوظ خصيصا للمسرح فكيف لا أقبل العمل بها، أيضا لدي ثقة قوية جدا في والدي والحمد لله الجمهور يأتي يوميا حتي أننا منذ الافتتاح نقدم حفلين يوميا ، وبالطبع حبي لوالدي شجعني بشكل قوي لخوض هذه التجربة لأنني أعتبر نفسي من صنع الله أولا ثم والدي ثانيا لأنه علمني كل شيء منذ طفولتي وشجعني حتي دخلت المعهد العالي للفنون المسرحية وهو فنان كبير ورجل عظيم وكانت فرصة بالنسبة لي أن أعمل معه في هذا العرض . هل كنت تتوقع هذا الإقبال الجماهيري علي العرض؟ - لم أتوقع أن يأتي الجمهور بهذه الكثافة لذلك سعدت للغاية وسعادتي اكتملت بكلام الجمهور عن العرض بعد مشاهدته لأنني أعتبر هذا الإطراء نوعا من أنواع الدعاية الجيدة للعرض لأننا لا نملك في الدعاية إلا أفيش المسرح وإعلانات الصحف. هل هذا الإقبال أثبت لك صحة وجهة نظرك بأن الممثل لابد أن يحقق قدرا من النجومية حتي يأتي الجمهور؟ - لا أعتبر نفسي حققت قدرا كبيرا من النجومية، لأن عناصر العرض كلها مكتملة فيكفي أن معي اسم والدي المخرج جلال توفيق وصديقي الفنان مجدي فكري ورباب طارق التي قدمت أكثر من عمل للتليفزيون، فكل هذه الأمور شكلت عناصر جذب للعرض ليس أنا وحدي لأنه لا يمكن أن يعمل أي شخص بمفرده فلابد أن تكون مقومات النجاح في أي عمل مكتملة وهذا ما حدث معنا في العرض. رأيتك تقوم بعمل دعاية للعرض مع جمهور "حباك عوضين تامر" أثناء طلبهم للتصوير معك ، هل من الضروري أن يبذل الفنان جهدا لجذب الجمهور للمسرح؟ - بالطبع لابد أن أبذل مجهودا في الدعاية للعرض لأكثر من سبب فليس هناك تريلير في التليفزيون ولا أفيشات في الشوارع عن المسرحية فعندما يأتي أي فرد طالبا التقاط صورة معي أدعوه لمشاهدة العرض بالقاعة وأعتقد أنه شيء مشروع للغاية خاصة أن قاعة "يوسف إدريس" ليست معروفة لكل الناس. دائما يشترط النجوم أن يكون شكل الدعاية الخاص بهم لائقا فلماذا لم تفعل ذلك؟ -أنا من أبناء المسرح القومي وموظف في هيئة المسرح ، والحقيقة المسرحية خرجت بشكل سريع جدا فلم يكن لدينا وقت كاف لعمل دعاية أو لتصميم خطة دعاية معينة كما أنني لم أتعامل مع الأمر بهذا المنطق لأنني كما ذكرت موظف بالمسرح القومي . سبق لك أن كنت مديرا لمسرح الغد لكنك لم تستمر بالمنصب طويلا وفجأة تقدمت باستقالتك، لماذا؟ - لم استمر في المنصب سوي ستة أشهر فقط، وأنتجت وقتها مسرحتين "قصة حب" و"كرنفال الطيور" كما قمت بتجديد بعض الأشياء في المسرح لكنني لم أجد نفسي كإداري وكنت غير متفرغ للإدارة فأنا في النهاية ممثل خاصة وأنا أحب ان أقوم بعملي في كل شيء علي أكمل وجه فلم أستطع أن أدير المسرح بالتليفون ووجدت أنه يحتاج إلي تفرغ فلم أحتمل الجهد الكبير الذي بذلته بين المسرح والتصوير لذلك تقدمت باستقالتي. هل كان لديك طموح ما ولم تستطع تحقيقه بسبب الروتين؟ - الأمر يتعلق فقط بالملكة نفسها هناك أشخاص يستطيعون القيام بأكثر من عمل في وقت واحد وهناك من لا يستطيع هي مسألة قدرات وأنا أحب التركيز في عمل واحد، كما أنني لا أبحث من خلال هذا العمل عن المنصب فلم آتي لغرض إلا للخدمة فقط لأنها هدفي وخدمت قدر ما استطيع وفي النهاية لم أكمل . هل إذا عرض عليك نفس المنصب في مسرح آخر ستخوض التجربة من جديد؟ - لن أكررها من جديد لأنها ليست سكتي . نعود لعرض «النجاة» هل كانت لوالدك ملاحظات عليك في أول يوم عرض؟ -والدي سعيد بالعمل وبدوري وبصراحة "احنا عصابة في بعض" هو يحبني وأنا ابنه، والفن خرج مني ومنه بحب وهذا العرض نقدمه حتي نخرج فنا وإبداعا. هل لديك مانع في العمل للمسرح الفترة القادمة؟ - بالطبع سأكررها لكن عندما أكون مهموما بالعرض لا أستطيع التركيز في قراءة عمل آخر لكنني أتمني خوض تجربة مسرحية جديدة وأصدقائي في المسرح كثيرون عرضوا علي مشاريع لكن كل تركيزي حاليا منصب علي "النجاة" وبعدها سوف أقرر ما سيكون. ..وجلال توفيق: ابني نجم بكل المقاييس لماذا تغيبت 12 عاما عن المسرح؟ -ليس بإرادتي فلم يهتم أحد أن يطلبني للعمل لكن بإلحاحي استطعت أن أعود بهذا العرض خاصة وأنني كنت أريد تقديم هذه الرواية منذ فترة طويلة، بجانب تشجيع ابني ياسر بضرورة تقديم هذه المسرحية. ماذا كنت تفعل طوال السنوات الماضية؟ - منذ 12 سنة متواصلة لم أفعل شيئا سوي الجلوس بالمنزل وأفرغ طاقاتي في التمثيل للإذاعة فقط، ولدي قابلية في أي وقت للعمل بالمسرح وكنت أريد العودة دائما بعمل أحبه ويحمل مضامين وأشياء مهمة. لماذا اخترت "النجاة" لنجيب محفوظ علي وجه التحديد؟ -هذه المسرحية تمت كتابتها في الستينيات في زمن كانت تعاني فيه مصر من حالة كبت علي عكس ما يحدث حاليا ونجيب محفوظ كتبها للمسرح بالرمز وهي تحمل العديد من الرموز والمعاني العميقة فكل كلمة وراءها شيء ومعني، والحمد لله خرج العمل في شهر واحد. سبق أن بدأت في إعداد هذا العرض منذ سنوات ماضية فلماذا لم يكتمل المشروع وقتها؟ - توقفت لأنها رفضت في البداية ولم يكن المناخ يسمح بتقديمها . لماذا اخترت تقديم المسرحية كما كتبت باللغة العربية الفصحي؟ - لأنه نجيب محفوظ و لا يمكن أن أغير في أسلوبه أو حواره خاصة وهو كتبها خصيصا للمسرح وفي البداية فكرت أن أحولها للعامية حتي تقترب أكثر من الجمهور لكن رأيت أنه من الصعب اللعب في عمل لهذا الرجل العظيم فقررت أن أبقي عليها كما هي وتوقعت أن يتقبلها الجمهمور وحدث أكثر مما توقعت. هل توقعت هذا الإقبال الجماهيري علي العرض؟ - لم أتوقع هذا الإقبال حتي أننا نقدم حفلتين يوميا وهذا كان مفاجأة بالنسبة لي. هل بالفعل كنت مصرا أن يكون العرض ب"قاعة يوسف إدريس" ؟ - المسرحية فصل واحد وتستغرق فقط ساعة أو ساعة وعشر دقائق فكان لا يمكن أن أقدمها في مسرح كبير لذلك اخترت المسرح الذي سبق أن قدمت عليه أعمالا من قبل وهي مناسبة جدا للعرض وموضوعه. كيف تري ياسر جلال في هذا العرض؟ - "ياسر" نجم بكل المقاييس والأيام سوف تثبت صحة كلامي وهذا ليس لأنه ابني، وأول ما عرضت عليه الفكرة قرر العمل معي مباشرة وعملنا معا بحب حتي خرجت بهذا الشكل. لديك أعمال مسرحية هامة لكنها لم تصور للتليفزيون لماذا؟ - هذه أكبر غلطة لأن هناك أعمالا تكلفت كثيرا ولم تصور فمثلا أتذكر أنني قدمت آخر مسرحية مع "تحية كاريوكا" قبل وفاتها بأربعة أو خمسة أشهر وهي "أنا وهي والحرامية" للراحل يوسف السباعي كانت كوميدي تتناول فكرة تأسيس جمعية لقتل الزوجات، طالبت بتصويرها، ولكن للأسف تحية كاريوكا توفيت وكان لا يمكن أن تصور إلا بها، وأتذكر أيضا أن أول مسرحية في حياة إلهام شاهين "حرية من المريخ" قدمتها معي وكان أول ظهور لها في عمل فني أيضا نجحت نجاحا كبيرا. هل تتابع الحركة المسرحية حاليا؟ -أري العروض المتميزة فقط، ولكن المناخ السائد صعب لأن الجمهور انصرف عن المسرح للتليفزيون والفيديو وهذا استحوذ علي قطاع كبير من البشر لذلك لابد أن تتدخل الدولة لتغيير هذه الأوضاع والمحافظة علي المناخ المسرحي لأنني أتذكر أنه كان هناك مسرح مدرسي يدرس فيه أساتذة كبار وكذلك كان هناك مسرح جامعي وانا قدمت مع محمود ياسين ومديحة حمدي في الجامعة "الأخوة كرامازوف" فالدولة لابد أن تشجع كما كان من قبل، لأنه من المهم أن تتدخل وتقدم دعاية جديدة وعروضا مصروفا عليها جيدا ونصوصا قوية فهي التي ستجبر الجمهور علي متابعة المسرح أو العكس. هل سبق أن تدخلت من قبل في قرار ياسر ورامز جلال لدخول مجال الفن؟ - لم أوجه أيا منهما حتي يكون ممثلا، علي العكس كنت حريصا علي إبعادهما عن التمثيل بسبب المناخ السائد وقتها حتي أن ياسر التحق كلية "دار العلوم" وفجأة طلب مني أن يلتحق بالمعهد ووقتها اخترت له قصيدة صعبة "نهج البردة" حتي يعرضها أمام لجنة الاختبار وقالها هزت اللجنة رغم أن اللجنة كانت تضم سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي لكنه الحمد لله اجتاز ودخل المعهد أما رامز كنت لا أراه ممثلا في البداية ولكنه طلب الالتحاق بالمعهد مثل ياسر فمنحته دورا كوميديا لتمثيله أمام اللجنة وأداه بشكل رائع، ونجح في المعهد وفي النهاية كان مهما أن يثبت كل منهما وجوده وكانت نصائحي لهما تكون من بعيد. هل ستعاود العمل بالمسرح من جديد بعد "النجاة"؟ - أتمني أن أجد نصا جيدا الفترة القادمة وأنا جاهز لعمل أي شيء جيد لأن هذه هي مهنتي وبعض عروضي الناجحة اتمني إعادتها لأن بعضها يستحق.