معروف أن عالم الدبلوماسية غامض وعندما يتم كشف الأسرار الخاصة وفضحها علي الملأ يكون الوضع محرجاً للغاية. لكن ما طمأننا بعد كشف ذلك السيل من الأسرار الدبلوماسية الأمريكية هو عدم وجود نية للمكر، فبعد سنوات من الكشف عن انتهاكات إدارة بوش - بما في ذلك استخدام وسائل غير مشروعة من التعذيب والخطف - تأتي تلك البرقيات لتوضح مهارة الدبلوماسيين في إدارة أوباما فهم يواجهون الكارثة تلو الأخري ويتعاملون معها بطريقة مناسبة. ولعل أفضل مثال علي ذلك هو طريقة تعامل تلك الإدارة مع إيران، إذ تظهر البرقيات أن الإدارة كانت تتعرض لضغوط من قبل إسرائيل من أجل الهجوم علي البرنامج النووي الإيراني علي نحو وقائي، إلا أن الإدارة قاومت بحكمة وفي الوقت نفسه زادت من ضغطها لفرض عقوبات قاسية علي طهران. وقد ذكرت «نيويورك تايمز» الأمريكية وغيرها من وسائل الإعلام ذلك الأمر، فقد كشف البرقيات ضغوط الزعماء، إذ حذر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك من أن العالم لديه من 6 إلي 18 شهرا فقط لمنع إيران من الحصول علي سلاح نووي، بينما حث زعيم دولة خليجي واشنطن علي "قطع رأس الأفعي. كذلك كشفت البرقيات طريقة عمل إدارة أوباما علي أمر فرض العقوبات ضد إيران، فلكسب تأييد الصين طلبت الولاياتالمتحدة من دولة خليجية إعطاء بكين وعد بتأمين إمدادات منتظمة من النفط، ولاستمالة روسيا فقد استبدلت خطة الدفاع الصاروخي التي وضعها بوش بخطة أخري بنفس الفاعلية إلا أن موسكو تراها أقل تهديدا. ومن الممكن ألا تشعر الإدارة بالراحة لكشف أسلوب عملها علي قضية قبول الحكومات لسجناء معتقل جوانتانامو، إذ إنها قالت لسلوفينيا مثلا إن قبول السجين سيكون ثمنه لقاء مع أوباما، إلا أن الفكرة ليست سيئة بل مبتكرة وحيوية بحيث نتمني أن تتعامل الإدارة بنفس الحيوية لجعل الكونجرس يوافق علي إغلاق السجن. وقد شعرنا بالطمأنينة عندما علمنا أن واشنطن تحاول إقناع باكستان بإزالة الوقود النووي من المفاعل حتي لا يتم استخدامه في الأسلحة النووية الإرهابية، وعندما علمنا أن الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية تتناقشان بحكمة بشأن كيفية التعامل مع احتمال انهيار كوريا الشمالية، لكننا قلقنا بسبب عدم وجود أي علامة تدل علي أن واشنطن أو سيول كانتا علي علم بمحطة تخصيب اليورانيوم التي كشفت عنها كوريا الشمالية مؤخرا. قد تعاني الإدارة من الإحراج خاصة أن البرقيات تكشف آراء قادة العالم ومواقفهم بطريقة صريحة، إلا أن تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن التسريبات تهدد الأمن القومي تبدو مبالغا فيها فالوثائق القيمة تضيء السياسة الأمريكية وتبرزها بالطريقة التي يستحق الأمريكيون وغيرهم أن يروها عليها. افتتاحية نيويورك تايمز ترجمة أمنية الصناديلي