والجدار لايوجد في مصر وحدها،بل في بلاد عديدة من الوطن العربي،لكنّني سأقصر المناقشة علي مايجري حاليا علي مشارف انتخابات مجلس الشعب المصري حيث يراوغ سيرنا نحو الإصلاح مراوغة الثعلب، شعار " الإسلام هوالحلّ". وحيث في كلّ انتخابات برلمانية أو نقابية يتسبّب خوض الانتخابات لمن يحملون الشعار وبقية الهتافات المكمّلة له، في كلّ صدام وتوتّر وتهديد للأمن وأرواح النّاس وممتلكاتهم. ولا أحد من الذين يتحدّثون عن الشفافية والنزاهة لديه وصفة سحرية يقدّمها لحلّ معضلة "الإخوان" في طريق التداول السلمي للسلطة. ويمكننا من أجل النزاهة والشفافية، أن نفضح أكياس اللحمة التي توزّع علي الناخبين وعليها صورة المرشّح،يمكننا أن نتساءل عن المصاريف بملايين الجنيهات التي تنفق علي الدعاية وتسميم ذمم الناخبين، يصل إلي حدّ تحديد تسعيرة لأصواتهم! كلّ هذا الإفساد لنزاهة الانتخابات يمكننا فضحه، لكن ماذا نفعل بإزاء ابتزاز عقائد النّاس وتدينهم؟ أطرح هذا السؤال علي إدارة الرئيس باراك أوباما، حين اجتمع عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي بأعضاء "مجموعة العمل الخاصة بمصر" - وهي هيئة منبثقة من المجتمع المدني الأمريكي تضم نوابا ديمقراطيين وجمهوريين تطالب واشنطن بممارسة ضغوط علي القاهرة لإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد - لعلّها أكثر من يدرك أنّ الديمقراطية في أمريكا نفسها جاءت نتاج نموّ بطيء، خلق بالتراكم التقاليد الواسعة من المسلك الاجتماعي ومجموعة من القيم ذات وضوح جزئي واجراءات ومؤسّسات شرعية. وفي كثير من الأحيان اجتمعت مكوّناتها بطريقة غير محكمة وغير سلسة ومن وقت لاخر كانت تتنازع وتتصادم ، والصدامات العنيفة مع الزنوج معروفة في التاريخ الأمريكي. وحتّي وجه أمريكا الجذّاب مالبث أن حجبته عن الأنظار ثماني سنوات من حكم الرئيس جورج بوش الابن. وعلي مطلع القرن الواحد والعشرين وقف بوش هو الآخر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر أمام جدار الإرهاب الذي اتّهم فيه الإسلام والمسلمين ! وانتخب الشعب الأمريكي باراك أوباما من أصل افريقي،ليخفّف من شعور أمريكا بنقائصها.. وخيل للعالم أن أمريكا تعيش تغييرا جديدا بل ثورة!غير أنّ الرئيس الأسمر والذي بشّر في خطابه من جامعة القاهرة بمرحلة جديدة لحلّ الصراعات المعقّدة، لم يتمكّن حتّي لحظتنا هذه من تحويل حلمه من أفكار إلي سياسات عملية. في ظل واقع أمريكي معقد تسيطر عليه مصالح محافظة تبقي التغيير الذي انتخب الشعب الأمريكي باراك أوباما علي أساسه، بدون اتّجاه أمام قدرة الإنجاز سواء بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي أوتحقيق الديمقراطية في أفغانستان والعراق وإنهاء ماسمّي بالحرب علي الإرهاب. لا أعتقد أنّ الناطق باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي يجب أن يكون أكثرحرصا من المصريين أنفسهم علي إجراء انتخابات حرّة ونزيهة في مصر. وهو موقف سيشكّله علي الأرجح تشجيع العوامل المحلّية علي الظهور إلي السطح بسرعة، مثل (تصريحات الرئيس مبارك بالحرص علي نزاهة وشفافية الانتخابات،إتاحة تشكيل موقف محايد لمنظّمات العمل المدني المصرية تقلّل من قوّة الجذب نحو التدخّل الخارجي أو مغازلته أوالاعتماد عليه.. ثمّ الاهتداء إلي مخرج من معضلة " الإخوان". لم نصل إلي حلّ حتّي الآن لتذويبهم في عملّية الإصلاح، ولاهم قادرون أنفسهم علي حلّ ازدواجيتهم، مابين تمسّكهم بشعاراتهم المثيرة للصراع والفتن ومابين الولوج تحت عباءة الديمقراطية). وبشكل عام لايحقّ للخارجية الأمريكية أن تحصرالتحوّل نحو الديمقراطية في مصر علي موسم الانتخابات والتي هي حتّي الآن ،ناتج ثانوي لتطوّر سياسي لأكثر من خمسين عاما، يقاوم المصريون خلالها بكلّ بسالة وصبر، الصراعات والحروب والمصائب وأمراض مؤسّسات متمترسة خلف اختلاط الدين بالسياسة بالبيروقراطية. وأي ضغط يصف ماهو قائم، ولايعطي انتباها لمستقبل مايجري حاليا في مصر هو تدخّل في شئوننا الداخلية لايقدّم لنا المساعدة، بقدر مايعرقل تهيؤنا للتغيير. هناك في السنوات الأخيرة فتح لكلّ الملفّات التي هي بالضرورة المقدّمة للنزاهة والشفافية: من احترام إرادة الأمّة، والتداول السلمي للسلطة، وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحرّية تكوين الأحزاب وحقّ إصدار الصحف وكشف وفضح الفساد والاستبداد، والنقاش يمتدّ إلي الأمن وحرس الجامعة وحقوق الإنسان وإلغاء حالة الطوارئ وتخفيف العبء عن الموطنين ، ومواجهة الفقر والبطالة ومشاكل التعليم والبحث العلمي والصحّة والمواصلات والمرور .. وكلّ شيء يقف أمام جدار " الإسلام هو الحلّ " نحاول تفكيك هذا الجدار، ربّما نستطيع لتسقط مع سقوطه كل ّدعاوي تزوير الانتخابات وانعدام الشفافية .