فشلت مسرحية الناس اللي في السما الثامنة عند عرضها في دمنهور، وكان الفشل مروعا لدرجة دفعتني للتفكير في عدم مواصلة الكتابة للمسرح. غير أنه عند تقديم نفس النص في كفر الشيخ نجح نجاحا ساحقا وكمكافأة للفرقة استضافتها هيئة المسرح لتقديم العرض علي مسرح محمد فريد حيث لقي العرض المزيد من ثناء النقاد والكتاب. فشل العرض في دمنهور لأن المخرج أراد أن يكون مضحكا مع كل جملة ومع كل موقف ومع كل مشهد فكانت النتيجة كارثة، يضيع المسرح عندما ينسي الممثل والمخرج أن وظيفته الأساسية هي الصدق، أقصد نبل التمثيل كفن. محاولة الإضحاك في المسرح تقضي علي الكوميديا. ومن المؤسف أننا لم نستفد شيئا من تراث الريحاني، الصدق الهامس الجاد الذي هو بطبيعته المفجر لأجمل الضحكات. الكوميديا مدينية بطبيعتها، وهو ما يتطلب أعظم قدر من الجد والصدق في التمثيل، أما كوميديا المبالغات المرضية فهي تنتمي لضحك القرية وقوامها عبيط القرية. الكوميديا لا تتعامل مع العبط بل مع الذكاء وما ينتج عنه من أخطاء. في الكوميديا، الناس تضحك منك أي مما تقدمه، أما عندما تتحول إلي عبيط القرية فهي تضحك عليك . الضحك في حد ذاته ليس المنتج الرئيسي في الكوميديا بل هو منتج جانبي لها. أنت ممثل، وعليك أن تحافظ علي مهنتك . في الأربعينيات وربما الخمسينيات كان المسرحيون يتعاملون مع النصوص بوصفها وثائق سرية أو كأنها مواد كهنوتية. هي من أسرار المهنة، مسموح لك كممثل أن تنقل دورك فقط في نوتة خاصة بك، وفي الجامعات والمدارس، كان هناك مخرجون متخصصون في أعمال الريحاني يحفظونها عن ظهر قلب ويملون علي كل ممثل من الهواة دوره فقط. شخص واحد فقط كان حريصا علي نشر نصوصه السردية والمسرحية في الجرائد ثم في كتب بعد ذلك، هو توفيق الحكيم وهي النصوص التي غذت عند الفرق المسرحية في الجامعات ومرحلة الدراسة الثانوية، احتياجا حقيقيا. ولأن هذه النصوص كان من النادر أن تقدم علي مستوي محترف، لذلك ظهر إلي الوجود نوع جديد من المسرح لا يعرفه أحد خارج مصر. وهو المسرح الذهني، أي أنه مسرح قابل للقراءة فقط، الواقع أنه لا يوجد علي الأرض ولا في طول التاريخ وعرضه شيء بهذا الاسم. المسرح هو الدراما والدراما فعل والفعل مكانه فوق خشبة المسرح، وأداته التمثيل. ليس معني ذلك ألا يهتم كاتب المسرح أو يستغني عن القارئ، عليه أن يكتب بوعي أن القارئ في انتظار ما يكتبه من نصوص مسرحية، وأن من حقه عليه أن يقرأه بسهولة. وفي كل الأحوال، أن مستقبل النص الذي تكتبه عليه أن يقوم من محطة قيام رئيسية هي أن يقرأه مخرج أو ممثل أو مسئول. وأن حكمه عليه بالصلاحية من عدمه يتوقف علي درجة فهمه له واستمتاعه به. وفي كل الأحوال لا تنسي القاعدة التي ذكرتها لك من قبل، وهي أنه في المسرح يبدأ عملنا بالتمثيل وينتهي به. من المصطلحات التي كانت شائعة في المسرح، تعليقا علي بداية التدريبات (البروفات) مصطلح حيرني كثيرا، تسأل الممثل بعد البروفة: إيه أخبار البروفة؟ فيرد عليك: يعني.. كسّرنا الكلام. كلمة (كسّرنا) هنا، توحي لك بأنه كان يتعامل مع حجر أو زلط. هو يقصد أنه قام بإعادة تقسيم جمل الحوار، واختار لها الانفعال المقصود، واختار مواقع السكتات، إلي آخر حيل التمثيل وفنونه. الواقع أن المؤلف هو المسئول عن عملية (التكسير) هذه بوصفها جزءا من صنعة الكتابة ذاتها. وبوصفه واضع خطة التمثيل.