تتلمذت في سن الصبا علي الفلسفة التي ترجع أساسًا إلي أعمال «جان بول سارتر» الأدبية أولاً والفلسفية ثانيًا. كان سارتر كاتبًا فنانًا وفيلسوفًا ثائرًا ومن أهم أفكاره التي كان لها تأثير كبير علي في الستينيات من القرن الماضي هو الأدب الملتزم. كان سارتر يريد أن يكون للأدب وظيفة تؤثر في المجتمع وتساعد الإنسان علي اتخاذ القرارات وكانت الفلسفة «المواقف» التي دعا لها سارتر لها تأثير كبير علي تشكيل وعيي السياسي والاجتماعي.. بعد ذلك بدأ سارتر في محاولة التفاعل مع الاشتراكية والماركسية. وهو كان يريد أن يدخل مفهوم الحرية إلي التفكير الماركسي وكان هذا عمل ليس بالهين وأكثر من عارضه في هذا الوقت لم تكن البرجوازية الفرنسية وإنما الحزب الشيوعي الفرنسي برئاسة «فالتر كروشييه» الذي كان يبغضه ويعتبره امتداد اليد «ستالين» أو القيصر الأحمر كما كان يسميه البعض. هذه هي الخلفية التي اردت أن يفهم منها القارئ كيف تحول الحديث بيني وبين صديقي العزيز الأستاذ الدكتور «توماس كابتنياك» عندما ذهبت لإلقاء بعض المحاضرات عن نظريتي في بولندا كنا نتحدث عن حادث الطائرة الأليم الذي راح ضحيته رئيس جمهورية بولندا السابق. منذ شهور تذكرت علي الفور حادثًا آخر لسقوط طائرة خلال الحرب العالمية الثانية كان داخلها رئيس وزراء بولندا في المهجر بطل الحرب البولندية الروسية الجنرال «فلادسلاف سيكورسكي». كانت وقتها بولندا تحت الاحتلال النازي وهرب «سيكورسكي» وكان من أبطال كثير من الحروب بما في ذلك الحرب العالمية الأولي وكوّن حكومة حرة خارج بولندا بالإضافة لأنه أصبح القائد الأعلي لكل وحدات الجيش البولندي خارج حدود بولندا المحتلة.. أقلعت الطائرة التي كانت تحمله من جبل طارق في يوليو سنة 1943 وسقطت فورًا بعد الإقلاع ومات كل من علي ظهرها باستثناء قائد الطائرة. منذ أول يوم كانت الشائعات تظهر باستمرار أن الحادث كان مدبرا وأن سيكورسكي اغتيل.. لم يكن هناك أي دليل قاطع علي ذلك سوي ملابسات لا يسهل التأكد منها ولأنني ولدت عام 1943 في مصر فلم يكن موضوع أغتيال رئيس الوزراء البولندي خلال الحرب العالمية الثانية من الأشياء التي تستحوذ علي اهتمامي حتي عندما كنت أدرس الهندسة الإنشائية في «هنوفر» بألمانيا الغربية في بداية الستينيات. الشيء الذي كان يستحوذ علي اهتمامي وقتها كان المسرح السياسي والملتزم من وجهة نظر «بول سارتر» وهو المسرح الذي برع فيه «برتلود برشت» الكاتب المسرحي المشهور بمسرحياته كما كان مشهورًا بإيمانه المطلق بالشيوعية. .. ونكمل غدًا