نعم، حزب الوفد في مأزق حقيقي، أتمني أن يعبره بسلام، وفي السياسة لا يكون التمني هو كل شيء. وللمأزق أبعاد متنوعة، موضوعيًا لا يستطيع الحزب أن يمايز نفسه، أو يحدد ما هي الفئات الاجتماعية التي يعبر عنها، وما هو التيار السياسي الذي يمثله، أنت لا تدري أهو حزب الرأسمالية أم أنه حزب الفقراء، أهو حزب يميني أم لعله حزب يساري، أو حزب مدني حقيقي أم أن لديه ميولاً تدفعه إلي التواصل السياسي مع الجماعات المتطرفة غير القانونية، أهو لم يزل منارة اجتذاب للأقباط أم أنه لم يعد كذلك؟ وللمأزق بعد آخر، هو أن الحزب لا يمكنه أن يكون حزب أغلبية، كما أنه يواجه مصاعب في إثبات أنه حزب المعارضة الرئيسي، حتي هذه المكانة لا يستطيع أن يبلغها، رغم أنه قدم ما يقارب 220 مرشحًا في الانتخابات الحالية، لو فاز فرضًا واحد من كل خمسة مرشحين فإن الوفد لن ينال أكثر من 40 مقعدًا.. في ظل سخونة المعركة.. وحدتها.. واحتدامها.. وقد يحسب هذا انتصارًا لحزب يقوده في تلك المرحلة الدكتور السيد البدوي لكنه في النهاية رقم دون المستوي في برلمان سيكون عدد أعضائه 508 أعضاء. وتلاحق الوفد اتهامات جزافية بأنه عقد صفقة مع الحزب الوطني، وهو كلام ثبت أنه طحن عنيف في سمعة الحزب من جانب قوي كانت تريده أن ينغمس معها في الانتحار السياسي بمقاطعة الانتخابات لكنه لم يفعل، ومن أجل أن يثبت الوفد أنه لم يعقد تلك الصفقة فإنه يتخبط.. ويردد خطابًا سياسيًا لا هو يعبر به عن نفسه ولا هو نجح في أن يسترضي أولئك الذين يلاحقونه باتهاماتهم. ولدي الوفد مأزق كلاسيكي قديم، يكمن في جريدته، التي تستخدم بالطريقة ذاتها في كل انتخابات، أيا ما كان مستوي الجريدة، حين يفاجأ الحزب بأن مساحته التنظيمية علي الأرض ليست بقدر طموحاته.. بل إن قدرتها التنظيمية ضعيفة بشكل ملحوظ ما يدفعه إلي تعويض هذا من خلال الجريدة التي تتبني حتي من قبل أن تبدأ الفترة القانونية للدعاية الانتخابية حملة بعنوان : (لا تنتخب الحزب الوطني) مرفقة بصور للعشوائيات ولقطات لا تعبر عن الواقع الحقيقي للبلد.. ناهيك عما تصدرها يوم الأربعاء حين قالت إن مسئولية نزاهة الانتخابات مرتبطة بالرئيس مبارك. الجريدة وخطابها، علي اعتبار أن بقية آليات الحزب لا يلمسها الناخب، تعبر عن مأزق الوفد خير تعبير.. ففي مسألة الانتخابات ونزاهتها يعلم الجميع أن الرئيس لا يدير العملية الانتخابية.. وأن لها آليات وأن في الدولة مؤسسات.. وأن الرئيس لا يقف معطيًا التوجيهات في غرفة عمليات.. والنزاهة في النهاية هي عمل جماعي.. يقوم به المشاركون جميعًا في العملية وليس مديروها فقط.. وواجب الحزب المعارض الكبير أن ينتبه لدوره في ضمان النزاهة باعتباره طرفًا في العملية الانتخابية.. وباعتباره من مؤسسات الدولة ويقوم علي قوانينها.. وحتي لا تكون جريدته ناقلة من خطاب أمريكي رددته جريدة «واشنطن بوست» التي طالبت الرئيس بتعهد لضمان النزاهة.. وذلك فخ وقع فيه الوفد دون أن يدري عن طريق جريدته.. لعله ينتبه. وأما مسألة (لا تنتخب الحزب الوطني) فقد تكون متفهمة، من حق أي حزب أن يهاجم الآخر.. وحملات الدعاية الانتخابية في مختلف دول العالم فيها الأساليب السلبية والأساليب الإيجابية.. ولكن الوفد الذي ينصح الناخب بأن عليه ألا ينتخب الحزب الوطني لم يقل للناخب لماذا يمكن أن ينتخب الوفد.. هل لديه وجوه لائقة؟.. هل لديه كوادر تصلح للحكم؟.. هل لديه برنامج؟.. ما الذي يدفعنا للثقة في اختياراته؟.. كيف نتأكد من قدرته علي أن يحقق لمصر الاستقرار؟.. وعشرات من الأسئلة الأخري. إن مأزق الوفد عميق، وإدارته للعملية الانتخابية الحالية سوف تكشف عما إذا كان بإمكانه أن يخرج من هذا المأزق.. ولو بقدر ما.. وسوف توضح للناخب كيف يمكن الوثوق في المعارضة.. التي من المؤكد تعلم قبل غيرها أن الناخب يحتاج لسنوات كي يمنحها صوته.. ليس من أجل أن يصل بها إلي صدارة الأغلبية عدد مرشحي الوفد جميعًا لو فازوا كلهم لن يحقق له ذلك وإنما فقط من أجل أن تثبت جدارتها بأن تكون معارضة.. فالأقلية لها مواصفات وقدرات لا يصل إليها أي حزب بمجرد الرغبة.. إن التمني كما قلنا لا يحقق الأهداف.. مهما كان الاحتشاد العاطفي وراء الأمنيات. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]