تنتقل جيهان مأمون في كتابها "همسات مصرية.. جولة عبر الماضي" الصادر عن دار نهضة مصر، بين ربوع مدينة تتقابل فيها البهجة والآلام، وتستعيد قصة بناء القاهرة بوصفها لحظة تاريخية فارقة. تطربها سيمفونية نداءات الباعة الجائلين المنغمة: من بائع لب البطيخ الأصفر وينادي "يامسلي الضجران يا لب"، والسقا يصيح حاملا قربته "وسع الطريق وحد الله مية حلوة انعش روحك"، وبائع القصب ينادي "أبيض عالي والثمن غالي". نجد في الكتاب مجالا واسعا للحديث عن موضوعات شيقة وطريفة، منها نوادر قراقوش وشارع الخرنفش في القاهرة الفاطمية، أما الخرشتف المشتق منه اسم الشارع، فهو ما تحجر من روث الحيوانات، والذي يبني به الحمامات واصطبلات الدواب والطواحين! نتعرف كذلك علي أسواق القاهرة التي يتخصص بعضها في بيع سلعة واحدة، كسوق المرحلين المخصص لبيع لوازم الجمال والمسافرين، وحوانيت البزازين التي تبيع الثياب الكتانية والقطنية، والبابية الذين يقومون بغسل الثياب وفردها، وأخيرا سوق الحلاويين الذي يبيع الحلوي بأنواعها. في موضع آخر من الكتاب، تصف لنا المؤلفة محتويات القصر الشرقي الكبير في شارع المعز، الذي يحوي 4 آلاف حجرة وتسعة أبواب، وقد سكنه كل الخلفاء الفاطميين، فضلا عن مكتبته التي تضم أكثر من مليون و60 ألف مجلد في شتي أنواع العلوم والمعارف. أما عن الحمامات، فتعرض مأمون لحمام عزوز في مدينة رشيد في العصر العثماني، وتوضح لنا وظيفة تسمي "الحمامي" أو المعلم الذي كانت مهمته المحافظة علي الآداب العامة والاحتشام ومنع الأشخاص الحاملين للأمراض المعدية من الدخول. ننتقل بعد ذلك إلي سير الحكام والملوك، ونعرف أن السلطان حسن كان يطلق عليه "سيدي قماري" من شدة حسنه وجماله. ثم بالطبع شجرة الدر وقباقيبها، و"نفيسة البيضا" ملكة مصر غير المتوجة كما يصفها الكتاب، ولقبت بزوجة الملوك - علي بك الكبير ومراد بك - وأم المماليك. عن المدن، نقرأ عن رشيد "مدينة المليون نخلة"، التي شهدت أرضها ثلاث حضارات إنسانية، وعانقت رومانسية "مينو وزبيدة". ثم نتعرف علي "تنيس" ببحيرة المنزلة واشتهرت بصنع كسوة الكعبة، ولاحترافها صناعة المنسوجات، لقبت تلك المدينة بعاصمة الموضة والأناقة في العالم القديم. أما أطرف مباحث الكتاب، بحث عن عالم الأسماء الغريب، زربيح أي المغالي، زعيط أي البخيل، ومعيط دائم البكاء، نطاط الحيط أي اللص، والفتيات تسمي "معيكة" مأخوذة عن العك، وزعرة أي المكان قليل النبات، و"عمشة" ضعيفة البصر.